" النهش".. ضيف شرف الموائد الرمضانية
دمشق
"النهش" أو طبق رمضان حسب ما هو معروف منذ القديم، هي حلوى دمشقية تصنع في "دمشق" منذ عشرات السنين، وتحل ضيفاً على موائد الدمشقيين كونها من الحلويات الرمضانية المشهورة والتي يقتصر بيعها خلال شهر رمضان الكريم فقط.
حلوى دمشقية
يتحدث الباحث "محمد فياض الفياض" لمدونة وطن عن الحلويات الدمشقية وعراقتها وبشكل خاص حلوى النهش الدمشقي ويقول: "قبل الحديث عن طبقِ الحلوى الدمشقيّ المعروف "بالنَهش" لابد لنا أن نُعرف سببِ التسمية، ولماذا شاعَ هذا الطبق بهذا المُصطلح؟ وما هي مكونات هذا الطبق المميز الذي اشتهرت فيه المدرسة الدِّمشقية؟ ولماذا احتل المكانة المرموقة بين أنواع الحلوى المقدمة في شهر رمضان المبارك؟".
ويشير الفياض إلى أنَّ المدرسة الدِّمشقية من أغنى المدارس العربيَّة في تنوعِ ثقافة الطعام، ويعود ذلك إلى تنوع البيئات الاجتماعية، وفي هذهِ العُجالة لا يمكن أن نحصي أصناف الأطعمة التي كانت رائجة في البيئةِ الدِّمشقية لكثرتها وتنوع مفرداتها وتشعبها، فلهذهِ الأطباق دلالاتٍ وأصول وطرق وأساليب وكذلك أدواتٍ ومفردات متنوعة، أما بالنسبة لطبقِ الحلوى الرمضاني" النهش" فهو صناعة دمشقية تفردت في إعدادهِ المرأة الدِّمشقية التي جُبلت منذ نعومةِ أظفارها على ابتكار الأطعمة النادرة لاسيما في شهر رمضان المُبارك، حيث تتسابق النسوة في تقديم أفضل ما لديهن من الطعام ، ومنها التميز في صناعةِ الحلوى والمأكولات الشعبية التي تناسب الفصول كلها.
طبق النهش الكبير
ويتابع فياض حديثه بالقول: "هذا الطبق الدِّمشقيّ الرمضاني الذي يتألفُ من رقائق العجين المتناوبة والمعشق بالسمنِ البلدي الذي كان حاضراً في الماضي بكثرة، بعد قصها بمقطعٍ حادٍ وبشكلٍ دائري، ثم تقوم النسوة بتحميسِ هذه الرقائق وتقسيمها إلى قسمين ثم يقمن بوضعِ مادة القشطة بينهما بعد وضع المقطعين فوق بعضهما البعض، ثم مزج القشطة بالفستقِ الحلبي الفاخر ذي الجودة العالية والذي كان أيضاً متوفراً في البيئة السورية، كما يقمن أيضاً بوضعِ القشطة الموشحة بالفستقِ الحلبي المطحون أعلى الرقائق بغية تزيين الطبق ليظهر بأجملِ صورة له، ثم يسكبنَّ "القطر" أي السكر المُذاب بالماء المغلي، وبعض النساء يستخدمن بدلاً من القطر(العسل) ولكن هذا يقتصر على العائلات الميسورة".
اصل التسمية
يؤكد "الفياض" أنه بعد البحثِ في معاجم اللغة والمعاني حول تسمية ومعنى النهش (نَهَشَ الرجلُ الطعامَ أي مزّقَ وقطعَ بأسنانهِ، ويقال أيضاً: فلانٌ نَهْشُ اليدين أي خفيف اليدين في الحركةِ قليلُ اللَّحم عليهما، إذاً فإن (نَهْش) بفتحٍ فَسكونٍ مصدر نهش وينهش الطعام أي أخذهُ بمقدمةِ أسنانهِ ونتفهُ "، وجاءت تسميةُ هذا الطبقِ الرمضاني الشهير بهذهِ التسمية نسبة إلى رقتهِ وعذوبة نهشهِ في مُقدمةِ الأسنان.
منتصر الموصلي من صانعي الحلويات في السوق
ويضيف: " أدت الدراما السوريَّة وظيفة مهمة في نشرِ ثقافة التُراث السوريِّ لا سيما المرتبط بالعادات والتقاليد وفنون الأداءِ ومن ذلك ثقافة إعداد الطعام والمعارف المرتبطة بهذه الثقافة من أمثالٍ وحكايات وأحاجي وألغازٍ وغناءٍ شعبيٍّ، ولكنَّ هذا التُراث الغنيُّ بمعارفهِ ، العميقُ برواسبهِ الثَّقافية يتعرضُ اليوم لهجمة شرسة على غرارِ التُراث الماديّ بغية طمسهِ، وهذا ما يتطلبُ سرعة في حمايتهِ بموجب قوانين وتشريعات تضمن استدامتهِ وصونهِ من السرقة والتعدي والنقل والتوظيف لصالح بيئات غير البيئة الأصلية التي ترعرع فيها".
ويختم "الفياض" حديثه: "هناك الكثير من العادات والتقاليد المرتبطة بصناعة أطباق الحلوى الدمشقية ومن ذلك الأمثال الشعبية الشائعة ونقتبس من ذلك قولهم: (كول نهش وانهش نهش) بالإضافةِ طبعاً إلى أمثالٍ أخرى مرتبطة بثقافة الطعام ومفرداته".
النهش السواري المزين بالقشطة والفستق الحلبيجولة ميدانية
وخلال جولتنا في سوق "الجزماتية " الذي يطلق عليه مطبخ مدينة "دمشق" ويقصده الناس من جميع المناطق كونه يعكس الأجواء الرمضانية حسب رأي "منتصر الموصلي" صاحب أحد محلات الحلويات في السوق، والذي يؤكد أنه خلال شهر رمضان يزداد الإقبال على شراء الحلويات، ولكن اختلفت كميات الحلويات التي يشترونها عن السنوات الماضية، ففي الماضي كانت الموائد الدمشقية تعج بعدة أصناف من الحلويات، أما هذا العام معظم قاصدي محلات الحلويات يشترون صنفاً واحداً وبكميات محدودة بسبب غلاء المواد الأساسية التي تصنع منها الحلويات، وبالنسبة لطبق رمضان (النهش) فهو من الأطباق التي نصنعها خلال شهر رمضان بأحجام متنوعة تناسب متطلبات السوق، فمنها الصغير والوسط والكبيرة وتنوعت أسماؤها ما بين النهش السواري والنهش الوردات ، وخصوصاً أن الأيام العشر من رمضان كطقس رمضاني لابد من وجود أطباق الأشاطي (القشطة) على موائد الدمشقيين، فكان النهش واحداً منها، أما الأيام العشر الأيام التي تليها يشتري الناس البرازق والبتي فور، والأيام الأخيرة من شهر رمضان يقبل الناس لشراء حلويات العيد كالمبرومة والآسية والبلورية وغيرها".
ويؤكد "أبو فارس حيدر" صاحب أحد المحال في السوق أن حلويات "النهش" من الأكلات التراثية التي لازال الدمشقيون ينتظرون شهر رمضان لتناولها، فمحلهم بالسوق قديم جداً عمره أكثر من مئة عام، وكان جده ووالده يصنعون "النهش" منذ زمن وهو يحافظ على هذه الحرفة التراثية، التي لها مكونات جديدة فطبق النهش" أو كما كان يسمى بالماضي "طبق رمضان" مصنوع من رقائق من العجين المغمس بالسمن العربي والمحشو بالقشطة، ويضاف إليه النوتيلا والنسلة والعسل لتتناسب مع متطلبات العصر، وحسب قوله جاءت تسميته بهذا الاسم بسبب طراوتها وهشاشتها وسهولة نهشها، فكانت معروفة باسم "طبق رمضان الهش "، فمع مرور الزمن أضيف لها حرف النون فسميت "بالنهش" فكان يقال فيها مثلاً متداولاً ضمن البيئة الدمشقية " كول نهش وانهش نهش" لطراوتها وهشاشتها.
- نجوى عبد العزيز محمود
دمشق
"النهش" أو طبق رمضان حسب ما هو معروف منذ القديم، هي حلوى دمشقية تصنع في "دمشق" منذ عشرات السنين، وتحل ضيفاً على موائد الدمشقيين كونها من الحلويات الرمضانية المشهورة والتي يقتصر بيعها خلال شهر رمضان الكريم فقط.
حلوى دمشقية
يتحدث الباحث "محمد فياض الفياض" لمدونة وطن عن الحلويات الدمشقية وعراقتها وبشكل خاص حلوى النهش الدمشقي ويقول: "قبل الحديث عن طبقِ الحلوى الدمشقيّ المعروف "بالنَهش" لابد لنا أن نُعرف سببِ التسمية، ولماذا شاعَ هذا الطبق بهذا المُصطلح؟ وما هي مكونات هذا الطبق المميز الذي اشتهرت فيه المدرسة الدِّمشقية؟ ولماذا احتل المكانة المرموقة بين أنواع الحلوى المقدمة في شهر رمضان المبارك؟".
ويشير الفياض إلى أنَّ المدرسة الدِّمشقية من أغنى المدارس العربيَّة في تنوعِ ثقافة الطعام، ويعود ذلك إلى تنوع البيئات الاجتماعية، وفي هذهِ العُجالة لا يمكن أن نحصي أصناف الأطعمة التي كانت رائجة في البيئةِ الدِّمشقية لكثرتها وتنوع مفرداتها وتشعبها، فلهذهِ الأطباق دلالاتٍ وأصول وطرق وأساليب وكذلك أدواتٍ ومفردات متنوعة، أما بالنسبة لطبقِ الحلوى الرمضاني" النهش" فهو صناعة دمشقية تفردت في إعدادهِ المرأة الدِّمشقية التي جُبلت منذ نعومةِ أظفارها على ابتكار الأطعمة النادرة لاسيما في شهر رمضان المُبارك، حيث تتسابق النسوة في تقديم أفضل ما لديهن من الطعام ، ومنها التميز في صناعةِ الحلوى والمأكولات الشعبية التي تناسب الفصول كلها.
طبق النهش الكبير
ويتابع فياض حديثه بالقول: "هذا الطبق الدِّمشقيّ الرمضاني الذي يتألفُ من رقائق العجين المتناوبة والمعشق بالسمنِ البلدي الذي كان حاضراً في الماضي بكثرة، بعد قصها بمقطعٍ حادٍ وبشكلٍ دائري، ثم تقوم النسوة بتحميسِ هذه الرقائق وتقسيمها إلى قسمين ثم يقمن بوضعِ مادة القشطة بينهما بعد وضع المقطعين فوق بعضهما البعض، ثم مزج القشطة بالفستقِ الحلبي الفاخر ذي الجودة العالية والذي كان أيضاً متوفراً في البيئة السورية، كما يقمن أيضاً بوضعِ القشطة الموشحة بالفستقِ الحلبي المطحون أعلى الرقائق بغية تزيين الطبق ليظهر بأجملِ صورة له، ثم يسكبنَّ "القطر" أي السكر المُذاب بالماء المغلي، وبعض النساء يستخدمن بدلاً من القطر(العسل) ولكن هذا يقتصر على العائلات الميسورة".
اصل التسمية
يؤكد "الفياض" أنه بعد البحثِ في معاجم اللغة والمعاني حول تسمية ومعنى النهش (نَهَشَ الرجلُ الطعامَ أي مزّقَ وقطعَ بأسنانهِ، ويقال أيضاً: فلانٌ نَهْشُ اليدين أي خفيف اليدين في الحركةِ قليلُ اللَّحم عليهما، إذاً فإن (نَهْش) بفتحٍ فَسكونٍ مصدر نهش وينهش الطعام أي أخذهُ بمقدمةِ أسنانهِ ونتفهُ "، وجاءت تسميةُ هذا الطبقِ الرمضاني الشهير بهذهِ التسمية نسبة إلى رقتهِ وعذوبة نهشهِ في مُقدمةِ الأسنان.
منتصر الموصلي من صانعي الحلويات في السوق
ويضيف: " أدت الدراما السوريَّة وظيفة مهمة في نشرِ ثقافة التُراث السوريِّ لا سيما المرتبط بالعادات والتقاليد وفنون الأداءِ ومن ذلك ثقافة إعداد الطعام والمعارف المرتبطة بهذه الثقافة من أمثالٍ وحكايات وأحاجي وألغازٍ وغناءٍ شعبيٍّ، ولكنَّ هذا التُراث الغنيُّ بمعارفهِ ، العميقُ برواسبهِ الثَّقافية يتعرضُ اليوم لهجمة شرسة على غرارِ التُراث الماديّ بغية طمسهِ، وهذا ما يتطلبُ سرعة في حمايتهِ بموجب قوانين وتشريعات تضمن استدامتهِ وصونهِ من السرقة والتعدي والنقل والتوظيف لصالح بيئات غير البيئة الأصلية التي ترعرع فيها".
ويختم "الفياض" حديثه: "هناك الكثير من العادات والتقاليد المرتبطة بصناعة أطباق الحلوى الدمشقية ومن ذلك الأمثال الشعبية الشائعة ونقتبس من ذلك قولهم: (كول نهش وانهش نهش) بالإضافةِ طبعاً إلى أمثالٍ أخرى مرتبطة بثقافة الطعام ومفرداته".
النهش السواري المزين بالقشطة والفستق الحلبيجولة ميدانية
وخلال جولتنا في سوق "الجزماتية " الذي يطلق عليه مطبخ مدينة "دمشق" ويقصده الناس من جميع المناطق كونه يعكس الأجواء الرمضانية حسب رأي "منتصر الموصلي" صاحب أحد محلات الحلويات في السوق، والذي يؤكد أنه خلال شهر رمضان يزداد الإقبال على شراء الحلويات، ولكن اختلفت كميات الحلويات التي يشترونها عن السنوات الماضية، ففي الماضي كانت الموائد الدمشقية تعج بعدة أصناف من الحلويات، أما هذا العام معظم قاصدي محلات الحلويات يشترون صنفاً واحداً وبكميات محدودة بسبب غلاء المواد الأساسية التي تصنع منها الحلويات، وبالنسبة لطبق رمضان (النهش) فهو من الأطباق التي نصنعها خلال شهر رمضان بأحجام متنوعة تناسب متطلبات السوق، فمنها الصغير والوسط والكبيرة وتنوعت أسماؤها ما بين النهش السواري والنهش الوردات ، وخصوصاً أن الأيام العشر من رمضان كطقس رمضاني لابد من وجود أطباق الأشاطي (القشطة) على موائد الدمشقيين، فكان النهش واحداً منها، أما الأيام العشر الأيام التي تليها يشتري الناس البرازق والبتي فور، والأيام الأخيرة من شهر رمضان يقبل الناس لشراء حلويات العيد كالمبرومة والآسية والبلورية وغيرها".
ويؤكد "أبو فارس حيدر" صاحب أحد المحال في السوق أن حلويات "النهش" من الأكلات التراثية التي لازال الدمشقيون ينتظرون شهر رمضان لتناولها، فمحلهم بالسوق قديم جداً عمره أكثر من مئة عام، وكان جده ووالده يصنعون "النهش" منذ زمن وهو يحافظ على هذه الحرفة التراثية، التي لها مكونات جديدة فطبق النهش" أو كما كان يسمى بالماضي "طبق رمضان" مصنوع من رقائق من العجين المغمس بالسمن العربي والمحشو بالقشطة، ويضاف إليه النوتيلا والنسلة والعسل لتتناسب مع متطلبات العصر، وحسب قوله جاءت تسميته بهذا الاسم بسبب طراوتها وهشاشتها وسهولة نهشها، فكانت معروفة باسم "طبق رمضان الهش "، فمع مرور الزمن أضيف لها حرف النون فسميت "بالنهش" فكان يقال فيها مثلاً متداولاً ضمن البيئة الدمشقية " كول نهش وانهش نهش" لطراوتها وهشاشتها.