الخدمات التي يقدمها علم الأرصاد الجوية
إن للأرصاد الجوية دوراً كبيراً في مختلف الأنشطة الاقتصادية ومجالات الحياة اليومية. وكانت الزراعة أول الميادين التي استفادت من خدمات الأرصاد الجوية، ولاسيما بعد تطور التنبؤات الجوية التي جنبت الزراعة الكثير من المخاطر. كما استفادت تربية الحيوانات في البوادي والسهوب من تطور علم الأرصاد الجوية، إذ جنبت المربين الكثير من الكوارث الناتجة من بعض العوارض الجوية. ولما كان للأحوال الجوية دور مهم في تحديد مواقع الكثير من المنشآت الاقتصادية، مثل المصانع والمطارات والموانئ البحرية وخطوط نقل الطاقة والمواصلات وإقامة المنشآت المائية - كالسدود وغيرها - كان لا بد، عند إقامة أي منشأة من تلك المنشآت، من الاعتماد على معطيات الأرصاد الجوية بغية توفير الشروط الملائمة لتلك المنشأة وللتخفيف ما أمكن من آثارها السلبية على البيئة. وتهدف خدمات الأرصاد الجوية إلى تمكين الإنسان من استغلال الكثير من مصادر البيئة الطبيعية، وتوليد الطاقة الكهربائية من أحد عناصر الطقس (الرياح)، وتوفير القياسات الكافية لكمية الطاقة الشمسية الواصلة إلى بقاع الأرض، مما يُمَكّن من استغلال الطاقة في مجالات مختلفة.
يضاف إلى ما تقدم خدمات الأرصاد الجوية في مجالات النقل المختلفة. كما أسهمت الأرصاد الجوية في تجنيب الإنسان الكثير من الويلات، ولا سيما في المناطق التي تقع في طريق الأعاصير الجوية العنيفة، ولا يمكن أن ينسى دور الأرصاد الجوية في الأعمال الحربية.
تأثير الإنسان في الطقس
لقد كان الجو، بتقلبات أحواله في الزمان والمكان،آخر ما استطاع الإنسان التأثير فيه من عناصر البيئة الطبيعية من دون أن يتمكن من تبديل أي مكون من مكوناته إلى الدرجة التي يترتب عليها تغير في ظواهر الطقس. ولكن منذ الربع الثاني من القرن العشرين، ومع فهم الإنسان الكامل لطبيعة القوانين الناظمة لحركات الجو، ومع إحاطته الشاملة بآلية الظواهر الجوية وطبيعتها، وبدخول التقنيات الحديثة عالم الأرصاد الجوية ازداد فهم الإنسان لما يجري في أجواء الأرض القريبة إلى السطح والبعيدة عنه نسبياً، وحاول توجيه بعض الظواهر الجوية لما فيه خيره، بالحد من أخطارها وتجنب آثارها، أو تعديلها بما يتلائم مع مصالحه.
ولقد استطاع الإنسان الحد من أخطار الصقيع بمكافحته بوسائل متعددة وساعدته في ذلك التنبؤات الجوية. كما حدَّ الإنسان من تأثير الرياح في المزروعات المختلفة بإقامته مصدات الرياح، وتمكن من خفض الفاقد المائي بالتبخر والنتح من التربة والنباتات والتقليل من كمية المياه المتبخرة من المسطحات المائية بنشر بعض المواد الكيمياوية فوق سطحها.
وقد جرت محاولات كثيرة لتبديد الضباب الكثيف الدافئ والبارد، وذلك بدفع هواء حار في منطقة الضباب الدافئ وإحداث دوامات فيها، أو بنثر نوى التجمد في الضباب البارد.
كما تمكن الإنسان من استدرار السحب، بتسريع نمو مكوناتها وهطولها ببذرها بنوى تكاثف مسترطبة (ملح بحري وغيره) في حال السحب الدافئة، أو ببذرها بنوى التجمد (كربون جاف، أيود فضة) في حال السحب الباردة. ولا شك في أن المحاولات والتجارب الكثيرة التي قام بها الإنسان في سبيل كبح جماح الأعاصير المدارية والحد من أخطارها، حققت نجاحاً ملموساً، وخففت من طاقتها ومن آثارها التدميرية.
ومع أن محاولات الإنسان جميعها لم تبدل جذرياً من الأوضاع الجوية الكبرى السائدة، إلا أنها في بعض المجالات المحددة أدت إلى إحداث تغير ملموس في الأحوال الجوية السائدة ومن ذلك مثلاً الاستخدام المكثف للبيوت البلاستيكية في المزارع وأجهزة التكييف في المنازل إضافة إلى تأثير الإنسان السلبي المتمثل في ازدياد نسبة الملوثات الكيمياوية وغيرها في أجواء بعض الأمكنة. ولاسيما في المدن الكبرى، والمناطق الصناعية، وازدياد حالات تشكل «الضبخان» «smog» (أي الضباب والدخان) واستمراريته فوق المدن الكبرى، مع ما يرافق ذلك من تأثيرات خطرة في صحة الإنسان.
علي موسى