اداره انتاج
Production management - Gestion de la production
إِدارة الإِنتاج
الإِنتاج هو أية عملية أو إِجراء مصمم لتحويل مجموعة من عناصر المدخلات إِلى مجموعة محددة من عناصر المخرجات. وإِدارة هذه العملية المتعددة الأطراف هي المقصود من مصطلح إِدارة الإِنتاج Production management وإِذا كانت أنظمة الإِنتاج تيسر للمستهلك يومياً السلع والخدمات في حدود واسعة, فإِن إِدارة هذه الأنظمة هي من أكثر الفعاليات أهمية في الوصول إِلى إِخراج أفضل لهذا الإِنتاج, وفي تحسين التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
إِن المقولة المقبولة في العالم, بوجه عام, هي أن الموارد في كل مجتمع محدودة أما الحاجات فغير محدودة. والإِدارة القادرة هي التي تعمل على إِشباع أكثر ما يمكن من الحاجات عن طريق هذه الموارد المحدودة, أي إِن كفاية الإِدارة تتحقق عندما تنجز الإِدارة ما هو مطلوب منها باستعمال أقل ما يمكن من عناصر الإِنتاج, أو حين تنجز أقصى ما يمكن من الإِنتاج باستعمال عناصر إِنتاج محدودة. ومن هذه الزاوية يمكن القول إِن الإِدارة هي المسؤولة عن إِنتاج الهدف المحدد كماً ونوعاً وتوقيتاً عن طريق استعمال عناصر الإِنتاج (المدخلات) بنسب محددة تجعل تكلفة الإِنتاج أقل ما يمكن.
ويعبر ما كتب عن إِدارة الإِنتاج عن مفهومين يتصلان بالإِنتاج. يذكر المفهوم الأول أن الإِنتاج يعني تصنيع شيء مادي ما باستعمال العمال والمواد والتجهيزات. وهذا المفهوم يقتصر على إِنتاج السلع المادية فقط, مثل: الملابس والغذاء والمنازل, والأبنية على اختلاف أنواعها, والسيارات, والطائرات, وأجهزة التلفزيون, والأجهزة المنزلية الأخرى, وما شابه ذلك.
ولا يدخل في هذا المفهوم الفعاليات التي لا تتضمن إِنتاجاً مادياً والتي يشملها مصطلح الخدمات, مثل: التعليم, والخدمة الطبية, والترفيه, والأمن الداخلي.
أما المفهوم الثاني فيذهب إِلى أن الإِنتاج لا يعني الأشياء المادية فحسب, وإِنما يعني كذلك الخدمات, وأن الإِنتاج في مجال الخدمات هو إِنجاز وظيفة لها منفعة.
والمفهوم الأول يعدّ المفهوم التقليدي الشائع الاستعمال حتى الآن. والذين يأخذون به ما يزالون يستعملون في شرح إِدارة هذه الفعالية تعبير «إِدارة الإِنتاج». أما المفهوم الثاني فمفهوم جديد وموسع يروجه القائلون به على أساس أن المبادئ الأساسية التي تحكم الإِنتاج المادي هي مبادئ صالحة لحكم الإِنتاج الخدمي. ويستعمل هؤلاء في شرح إِدارة هذه الفعالية تعبير إِدارة العمليات operations management بدلاً من إِدارة الإِنتاج وذلك من أجل تمييز هذا المفهوم الجديد من المفهوم الأول.
المنظور التاريخي لتطور إِدارة الإِنتاج
كان أول من لفت النظر إِلى اقتصاديات الإِنتاج الاسكتلندي آدم سميث [ر] Adam Smith عندما ظهر نظام المعمل. فقد كتب في عام 1776 كتاب «ثروة الأمم» ولاحظ فيه ثلاث مزايا اقتصادية أساسية لتقسيم العمل وهي: تطوير مهارة العامل الذي ينجز عملاً واحداً بصورة متكررة, وتوفير الزمن الذي يضيع عادة في انتقال العامل من فعالية إِلى فعالية تالية مختلفة, واختراع الآلات أو الأدوات نتيجة لتخصيص العمال جهودهم لأعمال ذات بعد محدد.
ولكن سميث لم يستنتج هذه الأفكار عن طريق نظري. ففي نظام المعمل كان تقسيم العمل متطوراً كطريقة للإِنتاج ذات معنى عام عندما يتم توظيف مجموعة كبيرة من العمال للإِنتاج بكمية كبيرة. وفي مثل هذه الظروف تعدّ الطريقة التعاونية للإِنتاج ذات معنى. وقد لاحظ سميث هذه الممارسة, كما لاحظ المزايا الثلاث. وكتب عنها في كتابه, وكان الكتاب حجر الزاوية في تطوير اقتصاديات الإِنتاج, لا لأن ملاحظات سميث ساعدت على السرعة في تقسيم العمل, بل لأن سميث قد أقر بوجود ترشيد للإِنتاج. أما التطوير الفعلي فقد استغرق وقتاً طويلاً إِلى أن وصل أخيراً إِلى مرحلة التطور السريع الحقيقي ومن ثم انبعثت إِدارة الإِنتاج نظاماً من مرحلة وصفية نظرية لتأخذ خصائص علم تطبيقي.
وبعد آدم سميث أضاف الإِنكليزي تشارلز باباج Charles Babbage ملاحظات إِلى ما ذكره سميث, وأثار عدداً من الأسئلة حول اقتصاد الإِنتاج وتنظيمه. كان باباج عالماً بالرياضيات ثم أصبح مهتماً بالتصنيع. وقد قاده استقصاؤه للعقل والتوجه العلمي إِلى التساؤل عن عدة ممارسات موجودة, ووردت أفكاره في كتابه «اقتصاد الآلات والمصانع».
وافق باباج في عام 1832 على آراء سميث المتعلقة بالمزايا الاقتصادية الناتجة عن تقسيم العمل وأخذ مثالاً لذلك صناعة الدبوس, فنتج لديه عن تحليل هذه الصناعة سبع عمليات تخصصية أساسية هي:
تصغير قطر السلك إِلى القياس المرغوب فيه, تسوية السلك, عمل نهاية الدبوس الحادة, ليّ السلك وقطع الرأس, جعل رأس الدبوس دقيقاً, تبييض الدبوس لمنع الصدأ, وضع الدبابيس المنتهية الصنع في أوراق أو ظروف أي تعبئة الدبابيس.
لقد لاحظ باباج مقدار الأجر المستحق لهذه الاختصاصات المختلفة, ثم أشار إِلى أن جماعة العمل, إِذا انتظمت بحيث ينجز كل عامل التتالي الكامل للعمليات, فإِن الأجر المدفوع لهؤلاء العمال سيحدد بأجر المهارة المطلوبة للاستمرار في التتالي الكامل للعمليات وهي أكثر صوبة أو أكثر ندرة. وبتقسيم العمل تظهر مزية جديدة لم يتطرق لها سميث هي مبدأ تحديد المهارات أساساً لتحديد الأجر. وبعد ملاحظات سميث وباباج بسنوات, استمر تقسيم العمل وتسارع في النصف الأول من القرن العشرين. لأن خطوط الإِنتاج الكبرى اليوم تمثل مبدأ تقسيم العمل المنفذ إِلى أقصى درجات أقسامه. وبالحقيقة فقد انتشر هذا المبدأ واتسع, وما يزال مزيد من تقسيم العمل يحظى بالاهتمام والدراسة.
كان فريدريك تايلور[ر] الأمريكيFrederick V. Taylor (1856-1915) بلاشك الشخصية التاريخية المتميزة في تطوير حقل إِدارة الإِنتاج, وذلك أن آدم سميث وتشارلز باباج كانا ملاحظين وكاتبين, في حين كان فريدريك تايلور مفكراً ومنفذاً معاً, وكان كذلك ذا سلطة وإِدارة قوية, وإِذا كانت سلطته قد جعلته موضع نقد في عدد من الحالات, فإِن هذه الصفة كانت مصدراً لإسهاماته العظيمة في تطوير إِدارة الإِنتاج.
إِن الممارسات السابقة كانت تسمح للعاملين بأن يقرروا بأنفسهم الوسيلة التي سينجز بها الإِنتاج, وهكذا فإِنهم صمموا كيف ينتجون جزءاً ما, في ضوء مهارتهم وتجربتهم السابقة, وكان الزمن وتكلفة الإِنتاج موجهين بالطرائق التقليدية.