سرور (حبيب ـ)
(1860 ـ 1938)
يعود تأريخ الفن في لبنان إلى مرحلة متقدمة من عمر الإبداع اللبناني، الذي يرجعه بعض المؤرخين إلى مطلع القرن السابع عشر، عندما تم تأسيس أول مدرسة لبنانية لدراسة اللاهوت والفن الديني الكنسي بمدينة رافِنّا الإيطالية. لكن بعض الباحثين يرون بأن النهضة الفنية الأساسية بدأت مع رعيل المؤسسين الذين جعلوا من الفن مهنة مستقلة قائمة بذاتها، وخرجوا عبر لوحاتهم من الأجواء الدينية إلى الأجواء المدنية. لذلك يرصد عدد من الباحثين حياة الفنان اللبناني حبيب سرور انطلاقاً من أدواره الأساسية الثلاثة فهو:
ـ صاحب مدرسة مستقلة ولاسيما في الصورة الشخصية[ر]، لأنه أول من جعل لهذه المدرسة قوانين أساسية ثابتة ومتينة.
ـ السبّاق في تحويل محترفه الفني إلى مدرسة لتعليم (حرفة) الرسم. إذ تعلم على يديه الكثير من الفنانين اللبنانيين الكبار، أمثال مصطفى فروخ ورشيد وهبي وصليبا الدويهي وغيرهم.
ـ يمثل اللوحة المستقلة عن الغايات التبشيرية، إذ تحولت إلى المنظر والحياة الساكنة والصور الشخصية لأبرز وجهاء لبنان. وكانت صوره من صور الحياة المدنية الحافلة بكل ما هو يومي ومتفاعل حياتياً.
لذلك يعد حبيب سرور ظاهرة أولى من مظاهر الفنان الذي احترف الفن ليجعل منه مهنة يومية، واقفاً طاقاته التصويرية على إنتاج اللوحة التي ترضي أذواق الآخرين، ولكنه كان مميزاً عندما أسس التقاليد الأولى لمحترف الفن الهادف إلى تطوير الطاقات الفنية الواعدة لدى الآخرين. إنه أستاذ ومعلم المرحلة التأسيسية الأولى من عمر الحداثة في الفن اللبناني.
كان أسلوبه أكاديمياً متيناً، وبقدر ما آمن بالاتباعية [ر] (الكلاسيكية) النهضوية، جاءت لوحته مبنية على ذات الأسس التقليدية المعروفة، لكنه أيضاً كان في طليعة الذين خرجوا على الاتباعية (الكلاسيكية) وتجاوزوا الإيقاع المتداول في الفن اللبناني آنذاك.
عاش حبيب سرور مدة من حياته في روما، إذ انتقل إليها مع عائلته وهو في سن العاشرة، وأتم دراسته الأكاديمية، ولكنه سرعان ما انتقل إلى مصر حيث عايش هناك مرحلة النهضة الفنية التي اتسمت فيها مدرسة الاسكندرية. وحين عاد إلى لبنان سنة 1890 عمل أستاذاً للفن في مدرسة الصنائع اللبنانية في بيروت.
في هذه المرحلة الخصبة من عمره الفني، توزعت لوحاته في ثلاثة اتجاهات أساسية، أبرزها الاتجاه التشخيصي لفن الصورة الشخصية، إذ نجح الفنان هنا في ترسيخ قيم قلما كانت مألوفة في الفن اللبناني. وركز على العناصر التأليفية في الوجه، وسعى إلى الوصول إلى التشابه التام بمنح الحيوية التشريحية للوجه باعثاً اللون قوةً حيةً تتدفق باتجاه الخارج، ومثيراً حركة سرية في الأنسجة الحية للبشرة. فيما يذهب الفنان صوب العتمة والألوان القاتمة حين يرسم بقية الأجزاء. إنه يلعب على إيقاعات اللون الواحد ومشتقاته في الغالب.
أما الاتجاه الموضوعي في لوحات سرور، فهو لا يمثل موضوعات محايدة، بل موضوعات تنطلق من مشاعر داخلية متباينة يشترك فيها معظم الناس. ولهذا فإن لوحة الطبيعة الصامتة، وهي اتجاهه الثابت، كانت مجموعة من الأجزاء المرسومة بتركيز مستقل وقوي على كل جزء بمعزل عن علاقته بالجزء الآخر. إنها البراعة المتناهية لفنان يستطيع أن يرسم كل عنصر بمعطيات مختلفة عن العنصر الآخر مع أن مجموع العناصر تمثل مكونات العمل الواحد المنتمي إلى لوحة الحياة الساكنة.
لكن هناك أيضاً لوحاته الدينية، والتي رسمها جزءاً من احترافه الفني، وفيها استطاع الفنان أن يرسم بأسلوب مكثف متوازن عقلاني هادئ اللون والأشكال وتسطيحها القريب من الروح الأيقونية، إضافة إلى ذلك النور المنبعث من لب الشكل كدلالة على حيوية الإيمان وقدسيته.
ترك الفنان حبيب سرور آثاراً عدة في البيوت العريقة والكنائس ولدى عدد من العائلات التي كانت ترى في صورة الأب الغائب، صورةً من صور الحضور المستديم.
لذلك فهو فنان لبناني من رعيل الفنانين المؤسسين الذين تركوا بصماتهم الواضحة على المسيرة الفنية اللبنانية، وقد أُنجزت الكثير من الدراسات عن فن حبيب سرور.
عمران قيسي
(1860 ـ 1938)
يعود تأريخ الفن في لبنان إلى مرحلة متقدمة من عمر الإبداع اللبناني، الذي يرجعه بعض المؤرخين إلى مطلع القرن السابع عشر، عندما تم تأسيس أول مدرسة لبنانية لدراسة اللاهوت والفن الديني الكنسي بمدينة رافِنّا الإيطالية. لكن بعض الباحثين يرون بأن النهضة الفنية الأساسية بدأت مع رعيل المؤسسين الذين جعلوا من الفن مهنة مستقلة قائمة بذاتها، وخرجوا عبر لوحاتهم من الأجواء الدينية إلى الأجواء المدنية. لذلك يرصد عدد من الباحثين حياة الفنان اللبناني حبيب سرور انطلاقاً من أدواره الأساسية الثلاثة فهو:
ـ صاحب مدرسة مستقلة ولاسيما في الصورة الشخصية[ر]، لأنه أول من جعل لهذه المدرسة قوانين أساسية ثابتة ومتينة.
ـ السبّاق في تحويل محترفه الفني إلى مدرسة لتعليم (حرفة) الرسم. إذ تعلم على يديه الكثير من الفنانين اللبنانيين الكبار، أمثال مصطفى فروخ ورشيد وهبي وصليبا الدويهي وغيرهم.
ـ يمثل اللوحة المستقلة عن الغايات التبشيرية، إذ تحولت إلى المنظر والحياة الساكنة والصور الشخصية لأبرز وجهاء لبنان. وكانت صوره من صور الحياة المدنية الحافلة بكل ما هو يومي ومتفاعل حياتياً.
لذلك يعد حبيب سرور ظاهرة أولى من مظاهر الفنان الذي احترف الفن ليجعل منه مهنة يومية، واقفاً طاقاته التصويرية على إنتاج اللوحة التي ترضي أذواق الآخرين، ولكنه كان مميزاً عندما أسس التقاليد الأولى لمحترف الفن الهادف إلى تطوير الطاقات الفنية الواعدة لدى الآخرين. إنه أستاذ ومعلم المرحلة التأسيسية الأولى من عمر الحداثة في الفن اللبناني.
كان أسلوبه أكاديمياً متيناً، وبقدر ما آمن بالاتباعية [ر] (الكلاسيكية) النهضوية، جاءت لوحته مبنية على ذات الأسس التقليدية المعروفة، لكنه أيضاً كان في طليعة الذين خرجوا على الاتباعية (الكلاسيكية) وتجاوزوا الإيقاع المتداول في الفن اللبناني آنذاك.
عاش حبيب سرور مدة من حياته في روما، إذ انتقل إليها مع عائلته وهو في سن العاشرة، وأتم دراسته الأكاديمية، ولكنه سرعان ما انتقل إلى مصر حيث عايش هناك مرحلة النهضة الفنية التي اتسمت فيها مدرسة الاسكندرية. وحين عاد إلى لبنان سنة 1890 عمل أستاذاً للفن في مدرسة الصنائع اللبنانية في بيروت.
في هذه المرحلة الخصبة من عمره الفني، توزعت لوحاته في ثلاثة اتجاهات أساسية، أبرزها الاتجاه التشخيصي لفن الصورة الشخصية، إذ نجح الفنان هنا في ترسيخ قيم قلما كانت مألوفة في الفن اللبناني. وركز على العناصر التأليفية في الوجه، وسعى إلى الوصول إلى التشابه التام بمنح الحيوية التشريحية للوجه باعثاً اللون قوةً حيةً تتدفق باتجاه الخارج، ومثيراً حركة سرية في الأنسجة الحية للبشرة. فيما يذهب الفنان صوب العتمة والألوان القاتمة حين يرسم بقية الأجزاء. إنه يلعب على إيقاعات اللون الواحد ومشتقاته في الغالب.
أما الاتجاه الموضوعي في لوحات سرور، فهو لا يمثل موضوعات محايدة، بل موضوعات تنطلق من مشاعر داخلية متباينة يشترك فيها معظم الناس. ولهذا فإن لوحة الطبيعة الصامتة، وهي اتجاهه الثابت، كانت مجموعة من الأجزاء المرسومة بتركيز مستقل وقوي على كل جزء بمعزل عن علاقته بالجزء الآخر. إنها البراعة المتناهية لفنان يستطيع أن يرسم كل عنصر بمعطيات مختلفة عن العنصر الآخر مع أن مجموع العناصر تمثل مكونات العمل الواحد المنتمي إلى لوحة الحياة الساكنة.
لكن هناك أيضاً لوحاته الدينية، والتي رسمها جزءاً من احترافه الفني، وفيها استطاع الفنان أن يرسم بأسلوب مكثف متوازن عقلاني هادئ اللون والأشكال وتسطيحها القريب من الروح الأيقونية، إضافة إلى ذلك النور المنبعث من لب الشكل كدلالة على حيوية الإيمان وقدسيته.
ترك الفنان حبيب سرور آثاراً عدة في البيوت العريقة والكنائس ولدى عدد من العائلات التي كانت ترى في صورة الأب الغائب، صورةً من صور الحضور المستديم.
لذلك فهو فنان لبناني من رعيل الفنانين المؤسسين الذين تركوا بصماتهم الواضحة على المسيرة الفنية اللبنانية، وقد أُنجزت الكثير من الدراسات عن فن حبيب سرور.
عمران قيسي