لوكنت دي ليل (شارل) Leconte de Lisle (Charles Marie-) - Leconte de Lisle (Charles Marie-)
لوكُنت دي ليل (شارل ـ)
(1818ـ 1894)
شارل ماري لوكُنت دي ليل Charles-Marie Leconte de Lisle، شاعر فرنسي، ولد في سان بول Saint-Paul في جزيرة ريونيون Réunion في المحيط الهندي (جزيرة بوربون Bourbon سابقاً) التابعة لفرنسا. كان والده طبيباً جراحاً في الجيش الملكي، وصار فيما بعد من زارعي قصب السكر. بقي لوكنت دي ليل في جزيرته حتى بلغ الثامنة عشرة. عاد بعد ذلك إلى باريس وقدّم الثانوية. أراد والده أن يجعل منه قاضياً، لكنه لم يستجب لدراسة الحقوق، وعمل فترة في الصحافة ثم آثر العودة إلى جزيرته للتفرغ للشعر في أحضان الطبيعة. وكانت والدته تحب الشعر وتربطها قرابة بالشاعر بارني Parny المولود في الجزيرة أيضاً ومن ثم كانت ملهمته. عندما بلغ السابعة والعشرين استقر في باريس وشارك في حلقات كان يديرها أنصار مذهب فورييه Fourier الاجتماعي، الفيلسوف الذي ينادي بتجمع الأفراد والعيش المشترك.
وكتب لوكُنت دي ليل مقالات مناهضة للعبودية، ثم ابتعد عن أفكاره الثورية واتجه نحو الحضارة اليونانية القديمة متأثراً بحكمة أدبائها ونَظَمَ تحت تأثيرها «قصائد قديمة» Poèmes antiques (1852)، ويضم هذا الديوان إحدى وثلاثين قصيدة مستوحاة من الأساطير والملاحم اليونانية وأعلن في مقدمته نهاية الشعر الرومنسي الغنائي Poésie Lyrique الذي يتغنى بالمشاعر والأحاسيس الشخصية، وأطلق على شعره صفة اللاشخصي impersonnel تمجيداً للفن وحده ولجماليته. وحاز ديوانه هذا جائزة من الأكاديمية الفرنسية عام 1856. وكان قد تطلع إلى تحقيق مطامح سياسية واجتماعية قبل عام 1848 ولكن خاب أمله بعد إخفاق الثورة فتخلى عن أهدافه السياسية، واتجه نحو العلوم ليجمع بينها وبين الفن، وكتب «قصائد بربرية» Poèmes barbares (1862) ليصف فيها الحضارات الغريبة عن العالم اليوناني والروماني مستشهداً بحضارة مصر وفارس والهند، كما تحدث عن إسبانيا في العصور الوسطى، وذكر أيضاً بلاد الشمال والشعوب الكلتية celtiques. وأراد الشاعر أن يقول فيها إن التبحّر في العلوم الحديثة أوصله إلى معرفة الحضارات القديمة بعقائدها. ولم تكن العقائد بحد ذاتها هي التي تستقطب اهتمامه؛ بل ظاهرها والغرابة التي تتميز بها من الحضارة الغربية. ومن ثم فقد مال لوكُنت دي ليل إلى فلسفة أوغست كونت Auguste Comte الوضعيّة positivisme التي تعتمد على الظواهر والوقائع اليقينية والتجربة العلمية، مهملة كل تفكير فلسفي في الأسباب المطلقة.
عندما بدأ يتألق اسم لوكُنت دي ليل التف حوله شعراء المدرسة البارناسية [ر] L’école parnassienne، واتخذوه رئيساً نادى معهم بالفن للفن L’art pour l’art، وكان يُنتظر منه تشريع المذهب البارناسي واستبعاد أي التزام اجتماعي آخر.
كان لوكُنت دي ليل يتمتع بذاكرة بصرية قوية، استطاع بفضلها أن ينقل بدقة متناهية الألوان والصور وكأنه رسّام أو نحّات. وتميزت لغته بصفائها وسلامتها، وكان ينظم بثقة صِيغَهُ الشعرية ويركز على علم التناغم وجرس الكلمات. يُؤخذ عليه هاجسه في البحث عن الجمالية المطلقة وعن الكمال، فبدت أشعاره، كما يقول نقادّه، وكأنها تماثيل من المرمر، جميلة ولكن لا حياة فيها.
فرح في عام 1870 لعودة الجمهورية، وحظي بالاحترام عندما بدأ يدعو للديمقراطية. وقد سُمي أمين مكتبة مجلس الشيوخ (1873)، واستقبلته الأكاديمية الفرنسية (1886) خلفاً لفكتور هوغو [ر] الذي دعمه في ترشيحاته السابقة.
شهد لوكُنت دي ليل قبل وفاته، قرب باريس، تألق الرمزية symbolisme التي حاربها، وقد نسي الشاعر أن الظواهر تتلاشى والعلوم تتطور، ومن ثم فَقَدَ شعره قيمته بزوال عصره، واليوم تُقرأ قصائده فقط لغرابتها. له أيضاً «قصائد مأسوية» Poèmes tragiques (1884).
حنان المالكي
لوكُنت دي ليل (شارل ـ)
(1818ـ 1894)
شارل ماري لوكُنت دي ليل Charles-Marie Leconte de Lisle، شاعر فرنسي، ولد في سان بول Saint-Paul في جزيرة ريونيون Réunion في المحيط الهندي (جزيرة بوربون Bourbon سابقاً) التابعة لفرنسا. كان والده طبيباً جراحاً في الجيش الملكي، وصار فيما بعد من زارعي قصب السكر. بقي لوكنت دي ليل في جزيرته حتى بلغ الثامنة عشرة. عاد بعد ذلك إلى باريس وقدّم الثانوية. أراد والده أن يجعل منه قاضياً، لكنه لم يستجب لدراسة الحقوق، وعمل فترة في الصحافة ثم آثر العودة إلى جزيرته للتفرغ للشعر في أحضان الطبيعة. وكانت والدته تحب الشعر وتربطها قرابة بالشاعر بارني Parny المولود في الجزيرة أيضاً ومن ثم كانت ملهمته. عندما بلغ السابعة والعشرين استقر في باريس وشارك في حلقات كان يديرها أنصار مذهب فورييه Fourier الاجتماعي، الفيلسوف الذي ينادي بتجمع الأفراد والعيش المشترك.
وكتب لوكُنت دي ليل مقالات مناهضة للعبودية، ثم ابتعد عن أفكاره الثورية واتجه نحو الحضارة اليونانية القديمة متأثراً بحكمة أدبائها ونَظَمَ تحت تأثيرها «قصائد قديمة» Poèmes antiques (1852)، ويضم هذا الديوان إحدى وثلاثين قصيدة مستوحاة من الأساطير والملاحم اليونانية وأعلن في مقدمته نهاية الشعر الرومنسي الغنائي Poésie Lyrique الذي يتغنى بالمشاعر والأحاسيس الشخصية، وأطلق على شعره صفة اللاشخصي impersonnel تمجيداً للفن وحده ولجماليته. وحاز ديوانه هذا جائزة من الأكاديمية الفرنسية عام 1856. وكان قد تطلع إلى تحقيق مطامح سياسية واجتماعية قبل عام 1848 ولكن خاب أمله بعد إخفاق الثورة فتخلى عن أهدافه السياسية، واتجه نحو العلوم ليجمع بينها وبين الفن، وكتب «قصائد بربرية» Poèmes barbares (1862) ليصف فيها الحضارات الغريبة عن العالم اليوناني والروماني مستشهداً بحضارة مصر وفارس والهند، كما تحدث عن إسبانيا في العصور الوسطى، وذكر أيضاً بلاد الشمال والشعوب الكلتية celtiques. وأراد الشاعر أن يقول فيها إن التبحّر في العلوم الحديثة أوصله إلى معرفة الحضارات القديمة بعقائدها. ولم تكن العقائد بحد ذاتها هي التي تستقطب اهتمامه؛ بل ظاهرها والغرابة التي تتميز بها من الحضارة الغربية. ومن ثم فقد مال لوكُنت دي ليل إلى فلسفة أوغست كونت Auguste Comte الوضعيّة positivisme التي تعتمد على الظواهر والوقائع اليقينية والتجربة العلمية، مهملة كل تفكير فلسفي في الأسباب المطلقة.
عندما بدأ يتألق اسم لوكُنت دي ليل التف حوله شعراء المدرسة البارناسية [ر] L’école parnassienne، واتخذوه رئيساً نادى معهم بالفن للفن L’art pour l’art، وكان يُنتظر منه تشريع المذهب البارناسي واستبعاد أي التزام اجتماعي آخر.
كان لوكُنت دي ليل يتمتع بذاكرة بصرية قوية، استطاع بفضلها أن ينقل بدقة متناهية الألوان والصور وكأنه رسّام أو نحّات. وتميزت لغته بصفائها وسلامتها، وكان ينظم بثقة صِيغَهُ الشعرية ويركز على علم التناغم وجرس الكلمات. يُؤخذ عليه هاجسه في البحث عن الجمالية المطلقة وعن الكمال، فبدت أشعاره، كما يقول نقادّه، وكأنها تماثيل من المرمر، جميلة ولكن لا حياة فيها.
فرح في عام 1870 لعودة الجمهورية، وحظي بالاحترام عندما بدأ يدعو للديمقراطية. وقد سُمي أمين مكتبة مجلس الشيوخ (1873)، واستقبلته الأكاديمية الفرنسية (1886) خلفاً لفكتور هوغو [ر] الذي دعمه في ترشيحاته السابقة.
شهد لوكُنت دي ليل قبل وفاته، قرب باريس، تألق الرمزية symbolisme التي حاربها، وقد نسي الشاعر أن الظواهر تتلاشى والعلوم تتطور، ومن ثم فَقَدَ شعره قيمته بزوال عصره، واليوم تُقرأ قصائده فقط لغرابتها. له أيضاً «قصائد مأسوية» Poèmes tragiques (1884).
حنان المالكي