عابدين (محمد علاء دين)
Ibn Abdin (Mohammad Alaa ed Din-) - Ibn Abdin (Mohammad Alaa ed Dine-)
ابن عابدين (محمد علاء الدين ـ)
( 1198ـ 1250هـ/ 1784ـ 1836م)
محمد علاء الدين بن محمد أمين ابن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي، منسوب إلى السـيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، فصارت شهرته (ابن عابدين الحسيني) وهو من أسرة عريقة في دمشق، معروفة بالصلاح والفضيلة. وأساس هذه الشهرة (عابدين) تعود للجد الخامس محمد صلاح الدين الشهير بعابدين، يعني كثير العبادة، العالم الفاضل الولي الصالح، الجامع بين الشريعة والحقيقة، إمام الفضل والطريقة. ووالده عمر عابدين كان كبقية أصول ابن عابدين صالحاً عابداً ورعاً شريفاً، جمع كتب أسلافه إليه، ودفعها لابنه، وكانت موقوفة على ذراري الأسرة العابدينية، وكان يقول لابنه: اشتر ما بدا لك من كتب وأنا أدفع الثمن، وكان ابن ابن أخيه العالم أبو الخير عابدين مفتي دمشق.
ولد ابن عابدين في حيّ القنوات بدمشق وتوفي رحمه الله فيها، ودفن بمقبرة الباب الصغير، وشيعه أهل الشام في جنازة مهيبة كبيرة.
ووالدته من ذرية الحافظ الداودي القطان الشهير، وكان عمها الشيخ محمد عبد الحي الداودي صاحب التأليفات الشهيرة، مثل حاشية المنهج، وحاشية ابن عقيل، ومجموع الفوائد. كان أبيض اللون، أسود الشعر، ذا هيبة ووقار، باراً بوالديه.
نشأ في حِجْر أبيه الذي لم يكن عالماً، بل كان تاجراً عابداً صالحاً، فربّاه على الفضيلة والهمة العالية، فحفظ القرآن العظيم وهو صغير، وكان والده يُجْلِسَهُ في محله التجاري ليتعلم البيع والشراء، فصار مثل أبيه بداية حياته تاجراً يأكل من كسب يده، وأفاده ذلك في فقهه وكتابته. وكان والده شفيقاً عليه يحبه كثيراً.
ثم طلب العلم وحفظ القرآن، ودرس العلوم الآلية، ودرس علوم التفسير والحديث والفقه الشافعي على شيخ القراء في زمانه الشيخ محمد سعيد الحلبي، ثم الشيخ محمد شاكر العقاد الحنفي الخلوتي القادري، فأخذ عليه الطريقة القادرية، وقرأ عليه كثيراً من العلوم والفنون في المعقول والمنقول، وألزمه هذا الشيخ بالتحول إلى المذهب الحنفي، فقرأ عليه كثيراً من كتب المذهب، وتضلّع من الفقه وأصوله، والعلوم الآلية، حتى صار في علوم العربية من أدباء زمانه ومن أعلمهم فيها، لدراسته على الشيوخ الأجلاء في دمشق في عصره.
تلاميذه كثيرون، وكلهم من العلماء والأعيان، مثل العلامة عبد الغني بن عابدين، الفقيه الصوفي، وأحمد بن عبد الغني عابدين أمين الفتوى بدمشق، ومحمد جابي زاده قاضي المدينة المنورة، والعلامة عبد الغني الغنيمي الميداني شارح متن القدوري، وعقيدة الطحاوي، وحسن البيطار من علماء دمشق، ومحمد بن حسن البيطار أمين الفتوى بدمشق، وحسين الرسامة فرضي دمشق.
كان ابن عابدين يؤذن في جامع التعديل على ظهر القنوات، ويصلي فيه إماماً حِسْبةً لوجه الله، بحكم جواره للمسجد. ووظيفته الاجتماعية هي نشر العلم والرد على الاستفتاءات، وممارسة أمانة الفتوى لبلاد الشام، حيث كان أحد أمناء الفتوى لمفتي دمشـق حسين المرادي، بل مرجع المفتين من المفتي ورفاقه.
وانعقد الإجماع على إمامته في الفقه الحنفي خاصة، وفي فروع الثقافة الإسلامية عامة. عبر عنه الزركلي في الأعلام بقوله: «فقيه الديار الشـامية وإمام الحنفية في عصره» وقال عنه عبد الله مصطفى المراغي في طبقات الأصوليين: «ونبغ في علوم شتى حتى أصبح علامة زمانه … وقد عرف بالتدين والعفة والعلم والعمل والصلاح والتقوى».
صنف قرابة نيف وخمسين كتاباً، في شتى معارف عصره، ثلاثة منها في علم العقائد وهي: «رفع الاشتباه عن عبارة الأشباه»، و«تنبيه الولاة والحكام على أحكام شاتم خير الأنام أو أحد أصحابه عليه وعليهم الصلاة والسلام»، و«العلم الظاهر في نفع النسب الطاهر»، وفي علوم العربية ألّف في النحو: «حاشية على نبذة الإعراب» لابن هشام وهو ابن سبعة عشر عاماً، و«رسالتين في فن العروض»، وحاشية على «المطوَّل» للسعد التفتازاني في فن البلاغة، وكتب مقامات في مدح شيخه العقاد، وشيخه الشيخ خالد النقشبندي، ولـه أيضاً إسهامات وبعض المؤلفات في علم التاريخ والسيرة النبوية، وعلم الحساب والهيئة، والكتابة الأدبية والشعر، ونبغ في علوم شتى، وتعلم أصول الفقه والنحو والصرف والحديث والتفسير والتصوف، والفرائض والحساب والمعقول، ورحل إلى مصر للتعلم، وصار علامة زمانه، وانصرف للتدريس والتصنيف، وتخرج به كثيرون، وعُرِفَ بالتدين والعفة والعمل الصالح، ومن مؤلفاته في التفسير والحديث: «حواشٍ على تفسير البيضاوي»، و«عقود اللآلى في الأسانيد العوالي»، وفي الفقه: «رد المحتار على الدر المختار للحصكفي» خمسة مجلدات، عرف بحاشية ابن عابدين، و«رفع الأنظار عما أورده الحلبي على الدر المختار» وحاشية منحة الخالق على البحر الرائق، وحاشية على النهر الفائق، و«العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية» جزآن، وفي أصول الفقه: «نسـمات الأسحار على شـرح المنار»، و«الرحيق المختوم» في الفرائض، و«رسـائل ابن عابدين» في مجموعة علوم في النحو والحديث والأصول وغيرها، في مجلدين، تفوق الثلاثين، وكلها مطبوعة من أشهرها: «نشر العَرْف في بناء بعض الأحكام على العُرْف» في علم الأصول، ومنظومة «عقود رسم المفتي» مع شرحها، وهي في ضوابط الفتوى والترجيح.
ومن أشهر مؤلفاته كتابه «رد المحتار على الدر المختار» المعروف بحاشية ابن عابدين، وهي خاتمة التحقيقات وجمع الفروع في الفقه الحنفي، ولـه فيها آراء وترجيحات فلايستغنى عنها، لكنه رحمه الله توفي قبل إتمامها وتقع في خمسة أجزاء كبيرة، وأتمها ولده العلامة الشيخ علاء الدين عابدين بجزأين كبيرين، سماها: «قرة عيون الأخيار لتكملة رد المحتار»، وهي مطبوعة متداولة مع الحاشية. والحاشية عمدة فقهاء الحنفية من غير منازع، بدأ بتأليفها من آخرها، وهو باب الإجارة، ثم أتمها من أولها في العبادات، ثم كتاب النكاح والطلاق وتوابعها من أحكام الأسرة، ثم الأيمان والحدود، والجهاد وتوابعه، ثم اللقطة، والشركة، والوقف، ثم البيوع بأنواعها، والكفالة والحوالة، والقضاء والدعوى، ثم الإجارة والإكراه والحجر، والغصب والشفعة والقسمة، والمزارعة والمساقاة، والذبائح والأضحية، والحظر والإباحة، وإحياء الموات، والأشربة، والصيد، والرهن، والجنايات والديات والقسامة، والوصايا والفرائض، والتكملة في دعاوى الهبة وغيرها من المنازعات، والشهادات، والوكالة، والاختلاف في الدعاوى، والإقرار، والصلح، والمضاربة، والإيداع، والإعارة ( العارية ) والهبة.
وهبة الزحيلي
Ibn Abdin (Mohammad Alaa ed Din-) - Ibn Abdin (Mohammad Alaa ed Dine-)
ابن عابدين (محمد علاء الدين ـ)
( 1198ـ 1250هـ/ 1784ـ 1836م)
محمد علاء الدين بن محمد أمين ابن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي، منسوب إلى السـيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، فصارت شهرته (ابن عابدين الحسيني) وهو من أسرة عريقة في دمشق، معروفة بالصلاح والفضيلة. وأساس هذه الشهرة (عابدين) تعود للجد الخامس محمد صلاح الدين الشهير بعابدين، يعني كثير العبادة، العالم الفاضل الولي الصالح، الجامع بين الشريعة والحقيقة، إمام الفضل والطريقة. ووالده عمر عابدين كان كبقية أصول ابن عابدين صالحاً عابداً ورعاً شريفاً، جمع كتب أسلافه إليه، ودفعها لابنه، وكانت موقوفة على ذراري الأسرة العابدينية، وكان يقول لابنه: اشتر ما بدا لك من كتب وأنا أدفع الثمن، وكان ابن ابن أخيه العالم أبو الخير عابدين مفتي دمشق.
ولد ابن عابدين في حيّ القنوات بدمشق وتوفي رحمه الله فيها، ودفن بمقبرة الباب الصغير، وشيعه أهل الشام في جنازة مهيبة كبيرة.
ووالدته من ذرية الحافظ الداودي القطان الشهير، وكان عمها الشيخ محمد عبد الحي الداودي صاحب التأليفات الشهيرة، مثل حاشية المنهج، وحاشية ابن عقيل، ومجموع الفوائد. كان أبيض اللون، أسود الشعر، ذا هيبة ووقار، باراً بوالديه.
نشأ في حِجْر أبيه الذي لم يكن عالماً، بل كان تاجراً عابداً صالحاً، فربّاه على الفضيلة والهمة العالية، فحفظ القرآن العظيم وهو صغير، وكان والده يُجْلِسَهُ في محله التجاري ليتعلم البيع والشراء، فصار مثل أبيه بداية حياته تاجراً يأكل من كسب يده، وأفاده ذلك في فقهه وكتابته. وكان والده شفيقاً عليه يحبه كثيراً.
ثم طلب العلم وحفظ القرآن، ودرس العلوم الآلية، ودرس علوم التفسير والحديث والفقه الشافعي على شيخ القراء في زمانه الشيخ محمد سعيد الحلبي، ثم الشيخ محمد شاكر العقاد الحنفي الخلوتي القادري، فأخذ عليه الطريقة القادرية، وقرأ عليه كثيراً من العلوم والفنون في المعقول والمنقول، وألزمه هذا الشيخ بالتحول إلى المذهب الحنفي، فقرأ عليه كثيراً من كتب المذهب، وتضلّع من الفقه وأصوله، والعلوم الآلية، حتى صار في علوم العربية من أدباء زمانه ومن أعلمهم فيها، لدراسته على الشيوخ الأجلاء في دمشق في عصره.
تلاميذه كثيرون، وكلهم من العلماء والأعيان، مثل العلامة عبد الغني بن عابدين، الفقيه الصوفي، وأحمد بن عبد الغني عابدين أمين الفتوى بدمشق، ومحمد جابي زاده قاضي المدينة المنورة، والعلامة عبد الغني الغنيمي الميداني شارح متن القدوري، وعقيدة الطحاوي، وحسن البيطار من علماء دمشق، ومحمد بن حسن البيطار أمين الفتوى بدمشق، وحسين الرسامة فرضي دمشق.
كان ابن عابدين يؤذن في جامع التعديل على ظهر القنوات، ويصلي فيه إماماً حِسْبةً لوجه الله، بحكم جواره للمسجد. ووظيفته الاجتماعية هي نشر العلم والرد على الاستفتاءات، وممارسة أمانة الفتوى لبلاد الشام، حيث كان أحد أمناء الفتوى لمفتي دمشـق حسين المرادي، بل مرجع المفتين من المفتي ورفاقه.
وانعقد الإجماع على إمامته في الفقه الحنفي خاصة، وفي فروع الثقافة الإسلامية عامة. عبر عنه الزركلي في الأعلام بقوله: «فقيه الديار الشـامية وإمام الحنفية في عصره» وقال عنه عبد الله مصطفى المراغي في طبقات الأصوليين: «ونبغ في علوم شتى حتى أصبح علامة زمانه … وقد عرف بالتدين والعفة والعلم والعمل والصلاح والتقوى».
صنف قرابة نيف وخمسين كتاباً، في شتى معارف عصره، ثلاثة منها في علم العقائد وهي: «رفع الاشتباه عن عبارة الأشباه»، و«تنبيه الولاة والحكام على أحكام شاتم خير الأنام أو أحد أصحابه عليه وعليهم الصلاة والسلام»، و«العلم الظاهر في نفع النسب الطاهر»، وفي علوم العربية ألّف في النحو: «حاشية على نبذة الإعراب» لابن هشام وهو ابن سبعة عشر عاماً، و«رسالتين في فن العروض»، وحاشية على «المطوَّل» للسعد التفتازاني في فن البلاغة، وكتب مقامات في مدح شيخه العقاد، وشيخه الشيخ خالد النقشبندي، ولـه أيضاً إسهامات وبعض المؤلفات في علم التاريخ والسيرة النبوية، وعلم الحساب والهيئة، والكتابة الأدبية والشعر، ونبغ في علوم شتى، وتعلم أصول الفقه والنحو والصرف والحديث والتفسير والتصوف، والفرائض والحساب والمعقول، ورحل إلى مصر للتعلم، وصار علامة زمانه، وانصرف للتدريس والتصنيف، وتخرج به كثيرون، وعُرِفَ بالتدين والعفة والعمل الصالح، ومن مؤلفاته في التفسير والحديث: «حواشٍ على تفسير البيضاوي»، و«عقود اللآلى في الأسانيد العوالي»، وفي الفقه: «رد المحتار على الدر المختار للحصكفي» خمسة مجلدات، عرف بحاشية ابن عابدين، و«رفع الأنظار عما أورده الحلبي على الدر المختار» وحاشية منحة الخالق على البحر الرائق، وحاشية على النهر الفائق، و«العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية» جزآن، وفي أصول الفقه: «نسـمات الأسحار على شـرح المنار»، و«الرحيق المختوم» في الفرائض، و«رسـائل ابن عابدين» في مجموعة علوم في النحو والحديث والأصول وغيرها، في مجلدين، تفوق الثلاثين، وكلها مطبوعة من أشهرها: «نشر العَرْف في بناء بعض الأحكام على العُرْف» في علم الأصول، ومنظومة «عقود رسم المفتي» مع شرحها، وهي في ضوابط الفتوى والترجيح.
ومن أشهر مؤلفاته كتابه «رد المحتار على الدر المختار» المعروف بحاشية ابن عابدين، وهي خاتمة التحقيقات وجمع الفروع في الفقه الحنفي، ولـه فيها آراء وترجيحات فلايستغنى عنها، لكنه رحمه الله توفي قبل إتمامها وتقع في خمسة أجزاء كبيرة، وأتمها ولده العلامة الشيخ علاء الدين عابدين بجزأين كبيرين، سماها: «قرة عيون الأخيار لتكملة رد المحتار»، وهي مطبوعة متداولة مع الحاشية. والحاشية عمدة فقهاء الحنفية من غير منازع، بدأ بتأليفها من آخرها، وهو باب الإجارة، ثم أتمها من أولها في العبادات، ثم كتاب النكاح والطلاق وتوابعها من أحكام الأسرة، ثم الأيمان والحدود، والجهاد وتوابعه، ثم اللقطة، والشركة، والوقف، ثم البيوع بأنواعها، والكفالة والحوالة، والقضاء والدعوى، ثم الإجارة والإكراه والحجر، والغصب والشفعة والقسمة، والمزارعة والمساقاة، والذبائح والأضحية، والحظر والإباحة، وإحياء الموات، والأشربة، والصيد، والرهن، والجنايات والديات والقسامة، والوصايا والفرائض، والتكملة في دعاوى الهبة وغيرها من المنازعات، والشهادات، والوكالة، والاختلاف في الدعاوى، والإقرار، والصلح، والمضاربة، والإيداع، والإعارة ( العارية ) والهبة.
وهبة الزحيلي