لوكريتيوس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لوكريتيوس

    لوكريتيوس Lucretius - Lucretius
    لوكريتيوس

    (نحو 98 ـ 55 ق.م)



    تيتوس لوكريتيوس كاروس Titus Lucretius Carus أحد كبار الشعراء الرومان وشعراء الفلسفة الأبيقورية. لايُعرف عن حياته إلا النزر اليسير، كما تضاربت الآراء حيال الروايات التي وصلت عنه. يُستدل من اسمه أنه كان ينتمي إلى أسرة رومانية من الطبقة الأرستقراطية، لكن بعض الباحثين يشككون في نسبته إليها على غير وجه حق. تلقى تعليمه - على الأرجح - على يد الفيلسوف والشاعر فيلوديموس Philodemos من غدارا (إحدى مدن الديكابوليس في جنوبي سورية)، الذي أسس مدرسة للفلسفة الرواقية في نابولي تتلمذ فيها الشاعر فرجيليوس[ر]. كان صديقاً للخطيب والقاضي مميوس C.Memmius الذي كان نصيراً وراعياً للأدباء والشعراء وكان كاتولوس [ر] Catullus أحدهم، وقد أهداه ديوانه الشعري. ويذكر أحد كتاب سيرته من عصر النهضة أنه كان صديقاً لأتيكوس وشيشرون [ر] وكاسيوس وبروتوس.



    ترك لوكريتيوس قصيدة طويلة يتيمة أعطاها عنواناً فلسفياً هو «في طبيعة الأشياء» De Rerum Natura، كانت ديوان شعره الوحيد الذي نشره شيشرون بعد وفاته، وهو يقع في ستة كتب يشرح فيها فلسفة أبيقور [ر] ونظريته المادية الذرية في نشأة الكون العائدة إلى الفيلسوف الطبيعي ديموقريطس [ر]، ويحاول أن يبين أن كل شيء في العالم ينشأ ويزول حسب قوانين أبدية، وأنه لايوجد تأثير لقوى ما بعد الطبيعة، ولاحياة بعد الموت؛ وبالتالي فعلى الإنسانية أن تتحرر من الخوف من الآلهة ومن عذاب بعد الموت. هاجم الاعتقادات السائدة حول تدخل الآلهة في حياة البشر ولامس نظرية أبيقور الأخلاقية حول كون اللذة Voluptas (وبالإغريقية Vedome) هي غاية الوجود. ويستهل لوكريتيوس قصيدته بالتوجه إلى فينوس [ر] ربة الحب والجمال والخصب بوصفها مصدر الإبداع والإلهام، ثم يتحدث عن خلود المادة ويختم بالقول إن الكون وما فيه والذرات والفضاء كلها لامتناهية. يتغنى في الكتاب الثاني من القصيدة بأفضال الفلسفة ومسراتها، ويعالج الكتاب الثالث مسألة الروح وعلاقتها بالجسد وفناءها بعد الموت. أما الكتاب الرابع فيهدف إلى تحرير البشرية من الأوهام والخزعبلات، ويعالج سيكولوجية الحس والفكر. ويعزز الكتاب الخامس الظواهر الطبيعية وتكوّن العالم وخلق الإنسان ومراحل تطوره. ويفتتح الكتاب السادس والأخير بالثناء مجدداً على معلمه أبيقور الإلهي، ثم يتناول بعض الظاهرات الطبيعية في الأرض والسماء وتنتهي القصيدة بوصف الطاعون الذي أصاب أثينا. لقد أراد لوكريتيوس أن يقنع مميوس - الذي أهدى إليه مؤلفه هذا - بالفلسفة الأبيقورية وسيلة للتحرر من الخوف. ومع أن دعوته الأبيقورية تنصبّ على الخلاص الفردي، فإنه يرى أن لاوجود للسعادة والطمأنينة في هذه الحياة ما لم يخضع الإنسان لسيادة القانون. وهكذا نراه يشكو أهوال الحرب الأهلية وشرورها.

    حرص لوكريتيوس على إثراء قصيدته بضرب كثير من الأمثلة واستخدام التشبيهات والاستعارات المستمدة من ملاحظة دقيقة واعية للعالم. و يجمع أسلوبه بين الموروث الملحمي اللاتيني ولغة العلم السائدة في عصره، إلا أنه يدين لإنيوس [ر] Ennius والشعراء الرومان القدامى أكثر منه للمعاصرين من أتباع مدرسة الإسكندرية. وهو يستخدم الجناس والسجع وتراكيب ومفردات قديمة ويشكو من فقر اللغة اللاتينية، ولا يتردد في ابتكار كلمات جديدة كلما اضطره السياق إلى ذلك. ولا ينكر أحد على لوكريتيوس براعته في شرح النظرية الذرية شعراً. وتتسم أبياته بالجزالة وعمق الإحساس مما جعل بعض النقاد يضعونه في الصف الأول من شعراء روما إلى جانب فرجيليوس أو حتى قبله.

    كان لوكريتيوس أبيقورياً مخلصاً نذر نفسه وموهبته لهذه القصيدة الفلسفية التي تعد درة فريدة في الأدب اللاتيني. كان شاعراً بالفطرة ووجد ضالته في الأبيقورية التي اتخذها عقيدة دافع عنها بحماس شديد، واستطاع أن يجعل من المادة الفلسفية الجافة قصيدة ممتعة وآية في الشعر الفني وإحدى القصائد التعليمية النادرة في العالم القديم، وصلت بالأدب اللاتيني إلى ذرى المجد، وجعلت من صاحبها أحد الأدباء الكلاسيكيين الكبار. كان ڤولتير [ر] يقرأ في «طبيعة الأشياء» بخشوع، ويقول كما قال الشاعر الروماني أوڤيد[ر] قبله «إن ما فيها من أبيات ثورية سيبقى ما بقيت الأرض». وقد صدر هذا العمل الشعري الكبير في طبعات علمية محققة منذ منتصف القرن التاسع عشر، وتُرجم شعراً ونثراً إلى معظم اللغات الحديثة الحية، وصدر عنه كثير من الدراسات الأدبية والفلسفية، وكل هذا يؤكد المكانة السامية التي تبوأها شعره في التراث الإنساني.

    محمد الزين
يعمل...
X