لوغوس
Logos - Logos
اللوغوس
اللوغوس Logos لفظ يوناني يعني الكلمة أو العقل أو القانون، وهو مصطلح شائع الاستعمال في الأدبيات الفلسفية والدينية، فهو عند أفلاطون وأرسطو قانون الوجود وأحد المبادئ المنطقية، وعند الرواقيين قانون العالمين الطبيعي والروحي في إطار وحدة الوجود. كان أول من استخدم مفهوم اللوغوس في الفلسفة اليونانية[ر] هيراقليطس [ر] Heraclitus في فلسفته عن التغير والصيرورة، فقد جعل اللوغوس المنظمَ لكل الأشياء والأساس والمبدأ الذي تتم به عملية التغير والسيلان؛ اللوغوس عند هيراقليطس هو القانون العام الذي يسير عليه الوجود في تغيره من ضد إلى ضد، وهو الشيء الوحيد الثابت في هذا الوجود الدائم السيلان والتغير وهو النار. لقد وحد هيراقليطس بين اللوغوس ومبدأ الوجود (النار)، فالنار كما اللوغوس هي القانون والتغير وتعدد الأشياء في هذا العالم. وقد سار الرواقيون في الاتجاه نفسه فذهبوا إلى أن العالم جسم حي له نفس حارة هي نفس عاقلة تربط أجزاءه وتؤلف بينها، فالنار هي المبدأ الفاعل الذي سبق وجوده وجود أي شيء ومنه توالدت جميع الموجودات، فحرارة النار انتشرت في الماء مولدة بذرة مركزية، وهذه البذرة هي قانون «لوغوس» أي إنها تحوي جميع الأشياء وجميع بذور الأحياء، وقد كانت هذه البذور كامنة داخل بعضها بعضاً داخل اللوغوس، انبثقت منه دفعة واحدة ثم أخذت تخرج من بعضها شيئاً فشيئاً وتُكون الموجودات في العالم، وماتزال تخرج بقانون ضروري ليس فيه مجال للمصادفة، فنظام الطبيعة يدل على أنها ليست وليدة الاتفاق ولا الضرورة العمياء بل الضرورة العاقلة، وكل ما يحدث هو مطابق للطبيعة الكلية، والعالم إلهي بالنار التي هي العلة الأولى والوحيدة في وجوده، فهي عقل كلي وقانون عام وضرورة وقدر، فهي اللوغوس الذي يحفظ النظام والعناية في العالم، والعقل الكلي الذي يدبر العالم ويحركه.
وإذا كان اللوغوس عند هيراقليطس والرواقيين قد اتخذ اتجاهاً فلسفياً فإنه مع فيلون [ر] Philo اتجه اتجاهاً دينياً واضحاً، فاللوغوس عنده هو المولود الأول للإله، وهو النموذج الأول الذي يُخلق العالم على صورته ومثاله، والذي من دونه لم يكن بوسع الله أن يخلق شيئاً، فهو يحتوي ذلك العالم الذي لا يُدرك إلا عن طريق العقل. ويصف فيلون اللوغوس بكل صفات الحق والخير، وبأنه ليس أزلياً كالله، كما أنه ليس فانياً كالمخلوقات، لأنه من ناحية هو ابن الله وتبعاً لهذا سيكون له بدء لكن هذا البدء ليس بالمعنى الزماني وإنما في المرتبة في الوجود فحسب. إن اللوغوس هو محل (مستودع) الصور والنماذج العليا التي على أساسها تنشأ الأشياء، فهو واسطة الله في الخلق، وقد تأثر فيلون بمفهومه عن اللوغوس بهيراقليطس.
ويرادف اللوغوس بمفهومه اليوناني الطاو في الفلسفة الصينية [ر: الطاوية] فقد فسر فلاسفة الصين الطاو بأنه الدرب أو المبدأ الكامن في الأشياء، وهو القانون وأصل الوجود، فمنه تنطلق الأشياء وإليه تعود، وهو داخل الوجود لا خارجه، بمعنى أنه مبدأ داخل الطبيعة.
واللوغوس في مطلع إنجيل يوحنا هو الكلمة: «في البدء كان الكلمة، والكلمة كانت عند الله، والله هو الكلمة، به كل شيء كان». وبغيره لم يكن شيء مما كان فاللوغوس هو الكلمة الخالقة والصورة التي عليها يتجلى الله، إنه يسوع المسيح. وقد وجد آباء الكنيسة الأوائل أمثال كليمنت Clement السكندري وأوريجين Origen في فكرة اللوغوس وسيلة للتوفيق بين الفلسفة اليونانية والعقيدة المسيحية بأن ادعوا أن اللوغوس هو مصدر كلتيهما والينبوع الوحيد لكل حقيقة.
رأى الغنوصيون أن اللوغوس هو أدنى الأيونات eons، فهو الذي يتولى تكوين العالم، لكن القديس إرينايوس Irénée تصدى لهم، وأكد المساواة في الماهية والمكانة بين الله واللوغوس والروح القدس. ومنذ ذلك التاريخ صار لـ«اللوغوس» معنى دينياً أكثر منه فلسفياً، فشغل حيزاً عند ابن عربي بين الصوفية من المسلمين.
وتأثر اللوغوس في الفلسفات المثالية - عند هيغل [ر] مثلاً - بمفهوم اللوغوس عند هيراقليطس، حتى إن هيغل نفسه أكد أنه لا توجد عبارة قالها هيراقليطس إلا واحتضنها في منطقه، ويؤكد هيغل وجود عقل كلي يحكم الكينونة، فتاريخ العالم خاضع للعقل لأنه يتطور من المراتب الدنيا إلى المراتب العليا، فصيرورة التاريخ البشري هي صيرورة تطور عقلاني، لأن هناك قانوناً ينزع نحو أن يطور غيره وأن يطور ذاته، وهذا القانون يتجلى في كل ما هو مُتبدٍّ وينزع نحو تنظيم ما هو ليس مُتبدياً، فالفكر العيني كما يرى هيغل عندما يُعبر عنه تعبيراً دقيقاً يكون هو الفكرة الشاملة، وعندما يزاد تعينه يُكّون الفكرة، فالفكرة هي التحقق الذاتي للفكرة الشاملة، وهذه الفكرة لكي تحقق نفسها لابدّ أن تُعين ذاتها وليس طابعها المتعين شيئاً سوى ذاتها، وهكذا يكون مضمونها هو ذاتها، وعلاقاتها اللامتناهية بذاتها تعني أنها تتعين تماماً بمصادرها الخاصة.
عبير الأطرش
Logos - Logos
اللوغوس
اللوغوس Logos لفظ يوناني يعني الكلمة أو العقل أو القانون، وهو مصطلح شائع الاستعمال في الأدبيات الفلسفية والدينية، فهو عند أفلاطون وأرسطو قانون الوجود وأحد المبادئ المنطقية، وعند الرواقيين قانون العالمين الطبيعي والروحي في إطار وحدة الوجود. كان أول من استخدم مفهوم اللوغوس في الفلسفة اليونانية[ر] هيراقليطس [ر] Heraclitus في فلسفته عن التغير والصيرورة، فقد جعل اللوغوس المنظمَ لكل الأشياء والأساس والمبدأ الذي تتم به عملية التغير والسيلان؛ اللوغوس عند هيراقليطس هو القانون العام الذي يسير عليه الوجود في تغيره من ضد إلى ضد، وهو الشيء الوحيد الثابت في هذا الوجود الدائم السيلان والتغير وهو النار. لقد وحد هيراقليطس بين اللوغوس ومبدأ الوجود (النار)، فالنار كما اللوغوس هي القانون والتغير وتعدد الأشياء في هذا العالم. وقد سار الرواقيون في الاتجاه نفسه فذهبوا إلى أن العالم جسم حي له نفس حارة هي نفس عاقلة تربط أجزاءه وتؤلف بينها، فالنار هي المبدأ الفاعل الذي سبق وجوده وجود أي شيء ومنه توالدت جميع الموجودات، فحرارة النار انتشرت في الماء مولدة بذرة مركزية، وهذه البذرة هي قانون «لوغوس» أي إنها تحوي جميع الأشياء وجميع بذور الأحياء، وقد كانت هذه البذور كامنة داخل بعضها بعضاً داخل اللوغوس، انبثقت منه دفعة واحدة ثم أخذت تخرج من بعضها شيئاً فشيئاً وتُكون الموجودات في العالم، وماتزال تخرج بقانون ضروري ليس فيه مجال للمصادفة، فنظام الطبيعة يدل على أنها ليست وليدة الاتفاق ولا الضرورة العمياء بل الضرورة العاقلة، وكل ما يحدث هو مطابق للطبيعة الكلية، والعالم إلهي بالنار التي هي العلة الأولى والوحيدة في وجوده، فهي عقل كلي وقانون عام وضرورة وقدر، فهي اللوغوس الذي يحفظ النظام والعناية في العالم، والعقل الكلي الذي يدبر العالم ويحركه.
وإذا كان اللوغوس عند هيراقليطس والرواقيين قد اتخذ اتجاهاً فلسفياً فإنه مع فيلون [ر] Philo اتجه اتجاهاً دينياً واضحاً، فاللوغوس عنده هو المولود الأول للإله، وهو النموذج الأول الذي يُخلق العالم على صورته ومثاله، والذي من دونه لم يكن بوسع الله أن يخلق شيئاً، فهو يحتوي ذلك العالم الذي لا يُدرك إلا عن طريق العقل. ويصف فيلون اللوغوس بكل صفات الحق والخير، وبأنه ليس أزلياً كالله، كما أنه ليس فانياً كالمخلوقات، لأنه من ناحية هو ابن الله وتبعاً لهذا سيكون له بدء لكن هذا البدء ليس بالمعنى الزماني وإنما في المرتبة في الوجود فحسب. إن اللوغوس هو محل (مستودع) الصور والنماذج العليا التي على أساسها تنشأ الأشياء، فهو واسطة الله في الخلق، وقد تأثر فيلون بمفهومه عن اللوغوس بهيراقليطس.
ويرادف اللوغوس بمفهومه اليوناني الطاو في الفلسفة الصينية [ر: الطاوية] فقد فسر فلاسفة الصين الطاو بأنه الدرب أو المبدأ الكامن في الأشياء، وهو القانون وأصل الوجود، فمنه تنطلق الأشياء وإليه تعود، وهو داخل الوجود لا خارجه، بمعنى أنه مبدأ داخل الطبيعة.
واللوغوس في مطلع إنجيل يوحنا هو الكلمة: «في البدء كان الكلمة، والكلمة كانت عند الله، والله هو الكلمة، به كل شيء كان». وبغيره لم يكن شيء مما كان فاللوغوس هو الكلمة الخالقة والصورة التي عليها يتجلى الله، إنه يسوع المسيح. وقد وجد آباء الكنيسة الأوائل أمثال كليمنت Clement السكندري وأوريجين Origen في فكرة اللوغوس وسيلة للتوفيق بين الفلسفة اليونانية والعقيدة المسيحية بأن ادعوا أن اللوغوس هو مصدر كلتيهما والينبوع الوحيد لكل حقيقة.
رأى الغنوصيون أن اللوغوس هو أدنى الأيونات eons، فهو الذي يتولى تكوين العالم، لكن القديس إرينايوس Irénée تصدى لهم، وأكد المساواة في الماهية والمكانة بين الله واللوغوس والروح القدس. ومنذ ذلك التاريخ صار لـ«اللوغوس» معنى دينياً أكثر منه فلسفياً، فشغل حيزاً عند ابن عربي بين الصوفية من المسلمين.
وتأثر اللوغوس في الفلسفات المثالية - عند هيغل [ر] مثلاً - بمفهوم اللوغوس عند هيراقليطس، حتى إن هيغل نفسه أكد أنه لا توجد عبارة قالها هيراقليطس إلا واحتضنها في منطقه، ويؤكد هيغل وجود عقل كلي يحكم الكينونة، فتاريخ العالم خاضع للعقل لأنه يتطور من المراتب الدنيا إلى المراتب العليا، فصيرورة التاريخ البشري هي صيرورة تطور عقلاني، لأن هناك قانوناً ينزع نحو أن يطور غيره وأن يطور ذاته، وهذا القانون يتجلى في كل ما هو مُتبدٍّ وينزع نحو تنظيم ما هو ليس مُتبدياً، فالفكر العيني كما يرى هيغل عندما يُعبر عنه تعبيراً دقيقاً يكون هو الفكرة الشاملة، وعندما يزاد تعينه يُكّون الفكرة، فالفكرة هي التحقق الذاتي للفكرة الشاملة، وهذه الفكرة لكي تحقق نفسها لابدّ أن تُعين ذاتها وليس طابعها المتعين شيئاً سوى ذاتها، وهكذا يكون مضمونها هو ذاتها، وعلاقاتها اللامتناهية بذاتها تعني أنها تتعين تماماً بمصادرها الخاصة.
عبير الأطرش