ننتقل الآن بقطار الفيزياء تجاه الدنمارك حيث القرن15، هناك وُلد عالم الفلك « تيخو براهي »، الذي نشأ في كنف عمه، وقد عُرف براهي بأنه متشدد لأفكار ارسطوطاليس، مما دفعه لدراسة التوافقات الفيثاغورثية، بالأضافة لأبحاث اللليونان في الرياضيات والفيزياء، وكل هذا دفعه للأهتمام بعلوم الفلك.
بداية « تيخو براهي » الحقيقية في علم الفلك، كانت بعد ملاحظته لشعاع ضوئي براق، لم يشاهد مثيل له من قبل في السماء، وهذا الشعاع كان من نجم في كوكبة ذات الكرسي، وهي احد ابراج نصف الكرة الشمالي، وتظهر طوال العام ولفترات طويلة، وبعد تسجيله لقياسات دقيقة عن هذا الشعاع، وجد ان هذه القياسات ثابتة لمدة عامين متتالين، فأيقن ان هذا الشعاع صادر عن نجم ما، وليس الى قمر مرافق لأحد الكواكب كما كان يعتقد.
في هذا الوقت بالتحديد كانت عمليات الرصد الفلكي في حالة يرثى لها، فكان من الضروري تسجيل اي محاولة للرصد، وهذا ما عمل عليه براهي، وقد ساعده على ذلك طلب ملك الدنمارك « فريدريك الثاني »، ببناء مرصد فلكي اعلى قمة جبلية في الدنمارك، وقد جهز براهي هذا المرصد بأحدث الأجهزة والتقنيات، للقيام بعمليات رصد دقيقة الى حد كبير، وقد عُرف عن براهي بأنه راصد جيد، وبالفعل ما قام به براهي، ساعد كبلر كثيرًا في التوصل الى قوانينه، فاصبحت الفترة بين عامي 1576 و 1577، هما بمثابة ثورة في الرصد الفلكي.
بعد وفاة ملك الدنمارك « فريدريك الثاني »، اصبح لزامًا علي براهي ان يبحث على دعم مالي جديد، وقد وجد ضالته في ملك براغ، وهناك تعرف على مساعده الجديد، الألماني« يوهانس كبلر »، فكان الأثنان على خلاف علمي دائم، ولكنهم على وفاق بان الاختلافات العلمية هي مصدر التطور، فكبلر كان مؤمن بنظرية كوبرنيكوس في مركزية الشمس، وكان في رايه ان كل ما يرصده براهي يدعم هذه النظرية، لكن براهي كان على النقيض، فكان مؤمن بمركزية الأرض، ولكن هذا الخلاف كان مفيد للغاية، فبراهي كان جيد في الرصد، وكبلر كان يهتم بالحسابات الرياضية والهندسية، فيخرج العلم في افضل حُلة له.
ورث كبلر كل ما خلفة براهي، من حسابات وتسجيلات رصد فلكي، فاستخدمها لتفسير علاقات التوافق في تنظيم الكون، فعمل براهي بشكل كبير على دراسة العلاقات الرياضية، التي يمكن ان توضح حركة الأجرام السماوية، حيث راى براهي ان نظرية كوبرنيكوس بالرغم من ايمانه بها، الا ان فكرة المدارات الدائرية ليست بصحيحة، وقد زاد هذا اليقين بعد عمله مع براهي، قد اصدر اول كتاب له ( سر الكون ) عام 1597، وقد وضح فيه رؤيته لنظرية كوبرنيكوس، وكيف تؤثر حركة النجوم والكواكب على الانسان، ربما هذا الكتاب كان يحتوي على شئ من التنجيم، ومن هنا لمع صيت كبلر، بعد ان حدثت بعض الاشياء التي توقع حدوثها مثل انتفاضة الفلاحين.
الشهرة الحقيقة التي اكتسبها كبلر، وربما اثرت في تاريخ علوم الفضاء والفيزياء، هو اكتشافة لقوانين حركة الكواكب، فبعد توصية من براهي لكبلر، بأن يقوم بدراسة حركة الكواكب، ليؤكد على النظرية البطليموسية او بالأدق مركزية الأرض، توصل كبلر الى ان مدارات الكواكب قد تكون اي شئ الا انها تكون دائرية.
في بادئ الأمر كان كبلر مهتمًا بشدة بكوكب المريخ، فلاحظ ان مداره غير دائري، لكن هذا سيؤدي الى انهيار نظرية كوبرنيكوس كلياً، فحاول ان يطوّع الحسابات ليكوّن المدار دائري لكنه لم يفلح، وما جعله يغير من طريقة تفكيره، عندما وجد ان الدائرة التي اعتبرها مدار لكوكب المريخ، اختلفت عن حسابات براهي بمقدار 8 درجات قوسية، مما جعله يرفض فكرة المدارات الدائرية؛ لايمانه بأن براهي كان راصد جيد.
للتوصل لفكرة كبلر عن مدارات الكواكب، احضر ورقة ورسم عليها خط مستقيم، يمتد من النقطة أ الى النقطة ب، وعلى طرفي الخط وضع نقطتين أحداهما ج والأخرى د، بحيث يكون المسافة بين أ و ج مساوية للمسافة بين ب و د، واحضر قلم رصاص وضعه في عقدة من الخيط، وثبت الخيط عند منتصف الخط، وحرك القلم على الورقة، فوجد شكل بيضاوي، فالنقطتين أ و ب هما قطر الشكل البيضاوي الكبير، وكلما اقتربت المسافة من النقطتين ج و د يصبح الشكل دائري، وكلما ابتعدت المسافة عنها زاد الشكل تفلطحًا، ومن هنا نصل الى قانون كبلر الأول، حيث كل الكواكب تدور حول الشمس في مدارات بيضاوية او قطع ناقصة، والشمس ينبغي ان تتواجد على نقطتين داخل الشكل البيضاوي ( النقطتين ج و د )، وبالتالي كل الكواكب يجب ان تكون لها نقطة مشتركه مع الشمس مهما كان موقعها على الخط المستقيم ( يرمز للكواكب بأي نقطه على الخط الذي سبق رسمه )، المدهش في الأمر هو ان كبلر توصل لهذه النتيجة باستخدام مبدأ المحاولة، دون دليل علمي او قاعدة رياضية.
التوصل للقانون الثاني، اظهر الكثير من مهارات كبلر الرياضية والحسابية، فالقانون ينص على ان الخط الواصل من الشمس الى الكوكب يقطع مسافات مساوية في ازمنة متساوية، أي ان الكوكب على بعد ثابت من الشمس ولا يتغير، مما يعني ان الشمس هي مركز المجموعة الشمسية وليس العكس، اما عن القانون الثالث الذي يوضح مسافات الكواكب من الشمس، فأنه ينص على ان مربع السنة على سطح اي كوكب تتناسب مع مكعب المسافة بينه وبين الشمس، لكن الخطأ الذي حدث هنا هو ان كبلر افترض ان القيمة ثابتة بالنسبة لكل كوكب ولا تتغير ابدًا، وهذا ما سيثبت خطأه قوانين نيوتن.
والى هنا تنتهي فقرة علم الفيزياء والفلك، في اوروبا المظلمة، قبل ان ينبعث شعاع العلم والمجد على يد غاليليو، وهذا ما سنتعرف عليه في الحلقة القادمة.
بداية « تيخو براهي » الحقيقية في علم الفلك، كانت بعد ملاحظته لشعاع ضوئي براق، لم يشاهد مثيل له من قبل في السماء، وهذا الشعاع كان من نجم في كوكبة ذات الكرسي، وهي احد ابراج نصف الكرة الشمالي، وتظهر طوال العام ولفترات طويلة، وبعد تسجيله لقياسات دقيقة عن هذا الشعاع، وجد ان هذه القياسات ثابتة لمدة عامين متتالين، فأيقن ان هذا الشعاع صادر عن نجم ما، وليس الى قمر مرافق لأحد الكواكب كما كان يعتقد.
في هذا الوقت بالتحديد كانت عمليات الرصد الفلكي في حالة يرثى لها، فكان من الضروري تسجيل اي محاولة للرصد، وهذا ما عمل عليه براهي، وقد ساعده على ذلك طلب ملك الدنمارك « فريدريك الثاني »، ببناء مرصد فلكي اعلى قمة جبلية في الدنمارك، وقد جهز براهي هذا المرصد بأحدث الأجهزة والتقنيات، للقيام بعمليات رصد دقيقة الى حد كبير، وقد عُرف عن براهي بأنه راصد جيد، وبالفعل ما قام به براهي، ساعد كبلر كثيرًا في التوصل الى قوانينه، فاصبحت الفترة بين عامي 1576 و 1577، هما بمثابة ثورة في الرصد الفلكي.
بعد وفاة ملك الدنمارك « فريدريك الثاني »، اصبح لزامًا علي براهي ان يبحث على دعم مالي جديد، وقد وجد ضالته في ملك براغ، وهناك تعرف على مساعده الجديد، الألماني« يوهانس كبلر »، فكان الأثنان على خلاف علمي دائم، ولكنهم على وفاق بان الاختلافات العلمية هي مصدر التطور، فكبلر كان مؤمن بنظرية كوبرنيكوس في مركزية الشمس، وكان في رايه ان كل ما يرصده براهي يدعم هذه النظرية، لكن براهي كان على النقيض، فكان مؤمن بمركزية الأرض، ولكن هذا الخلاف كان مفيد للغاية، فبراهي كان جيد في الرصد، وكبلر كان يهتم بالحسابات الرياضية والهندسية، فيخرج العلم في افضل حُلة له.
ورث كبلر كل ما خلفة براهي، من حسابات وتسجيلات رصد فلكي، فاستخدمها لتفسير علاقات التوافق في تنظيم الكون، فعمل براهي بشكل كبير على دراسة العلاقات الرياضية، التي يمكن ان توضح حركة الأجرام السماوية، حيث راى براهي ان نظرية كوبرنيكوس بالرغم من ايمانه بها، الا ان فكرة المدارات الدائرية ليست بصحيحة، وقد زاد هذا اليقين بعد عمله مع براهي، قد اصدر اول كتاب له ( سر الكون ) عام 1597، وقد وضح فيه رؤيته لنظرية كوبرنيكوس، وكيف تؤثر حركة النجوم والكواكب على الانسان، ربما هذا الكتاب كان يحتوي على شئ من التنجيم، ومن هنا لمع صيت كبلر، بعد ان حدثت بعض الاشياء التي توقع حدوثها مثل انتفاضة الفلاحين.
الشهرة الحقيقة التي اكتسبها كبلر، وربما اثرت في تاريخ علوم الفضاء والفيزياء، هو اكتشافة لقوانين حركة الكواكب، فبعد توصية من براهي لكبلر، بأن يقوم بدراسة حركة الكواكب، ليؤكد على النظرية البطليموسية او بالأدق مركزية الأرض، توصل كبلر الى ان مدارات الكواكب قد تكون اي شئ الا انها تكون دائرية.
في بادئ الأمر كان كبلر مهتمًا بشدة بكوكب المريخ، فلاحظ ان مداره غير دائري، لكن هذا سيؤدي الى انهيار نظرية كوبرنيكوس كلياً، فحاول ان يطوّع الحسابات ليكوّن المدار دائري لكنه لم يفلح، وما جعله يغير من طريقة تفكيره، عندما وجد ان الدائرة التي اعتبرها مدار لكوكب المريخ، اختلفت عن حسابات براهي بمقدار 8 درجات قوسية، مما جعله يرفض فكرة المدارات الدائرية؛ لايمانه بأن براهي كان راصد جيد.
للتوصل لفكرة كبلر عن مدارات الكواكب، احضر ورقة ورسم عليها خط مستقيم، يمتد من النقطة أ الى النقطة ب، وعلى طرفي الخط وضع نقطتين أحداهما ج والأخرى د، بحيث يكون المسافة بين أ و ج مساوية للمسافة بين ب و د، واحضر قلم رصاص وضعه في عقدة من الخيط، وثبت الخيط عند منتصف الخط، وحرك القلم على الورقة، فوجد شكل بيضاوي، فالنقطتين أ و ب هما قطر الشكل البيضاوي الكبير، وكلما اقتربت المسافة من النقطتين ج و د يصبح الشكل دائري، وكلما ابتعدت المسافة عنها زاد الشكل تفلطحًا، ومن هنا نصل الى قانون كبلر الأول، حيث كل الكواكب تدور حول الشمس في مدارات بيضاوية او قطع ناقصة، والشمس ينبغي ان تتواجد على نقطتين داخل الشكل البيضاوي ( النقطتين ج و د )، وبالتالي كل الكواكب يجب ان تكون لها نقطة مشتركه مع الشمس مهما كان موقعها على الخط المستقيم ( يرمز للكواكب بأي نقطه على الخط الذي سبق رسمه )، المدهش في الأمر هو ان كبلر توصل لهذه النتيجة باستخدام مبدأ المحاولة، دون دليل علمي او قاعدة رياضية.
التوصل للقانون الثاني، اظهر الكثير من مهارات كبلر الرياضية والحسابية، فالقانون ينص على ان الخط الواصل من الشمس الى الكوكب يقطع مسافات مساوية في ازمنة متساوية، أي ان الكوكب على بعد ثابت من الشمس ولا يتغير، مما يعني ان الشمس هي مركز المجموعة الشمسية وليس العكس، اما عن القانون الثالث الذي يوضح مسافات الكواكب من الشمس، فأنه ينص على ان مربع السنة على سطح اي كوكب تتناسب مع مكعب المسافة بينه وبين الشمس، لكن الخطأ الذي حدث هنا هو ان كبلر افترض ان القيمة ثابتة بالنسبة لكل كوكب ولا تتغير ابدًا، وهذا ما سيثبت خطأه قوانين نيوتن.
والى هنا تنتهي فقرة علم الفيزياء والفلك، في اوروبا المظلمة، قبل ان ينبعث شعاع العلم والمجد على يد غاليليو، وهذا ما سنتعرف عليه في الحلقة القادمة.