في 2011، غنت المغنية الشهيرة Lady Gaga أغنيتها «هكذا ولدت» أو Born this way؛ وسرعان ما أصبحت هذه الأغنية أنشودةً تتكرر في مسيرات المثليين. وبالفعل، على مدار عقدين من الزمان، تمكن الباحثون من اكتشاف أدلة كثيرة على أن المثلية الجنسية ليست اختيارًا، إنما هي مزروعة في عمق بيولوجيا الفرد، وتُحدد بواسطة الجينات؛ ولكن، ما تزال مواقع «الجينات المثلية» -كما تُسمى- أمرًا محيرًا.
قد تساعدنا دراسة جديدة على فهم هذا الأمر. أجريت هذه الدراسة على توأمين ذكرين، وعُرضت في الاجتماع السنوي للمجتمع الأمريكي للجينات البشرية American Society of Human Genetics ASHG في بالتيمور في ماريلاند.
لقد وجدت هذه الدراسة أن بعض التغييرات المتعلقة بالعلامات التخلّقية epigenetics -وهي تغيرات كيميائية في الجينوم البشري تحوّل طبيعة نشاط الجين دون تغيير تتابعاته الكيميائية- قد تؤثر في التوجه الجنسي.
كان الباحثون يظنون أنهم قد اقتربوا بشدة من «جينات المثلية الجنسي» في عام 1993 حين نشر فريق يقوده دين هامر Dean Hamer مقالةً علميةً عن وجود جين للمثلية الجنسية أو أكثر على الكروموسوم X وتحديدًا على ذراعه الطويلة في الموقع 28 (Xq28).
أصبح هذا الاكتشاف العنوان الرئيسي في الكثير من الصحف العالمية، لكنّ بعض المجموعات العلمية المراجِعة عجزت عن الحصول على نفس نتائج تلك الدراسة، ولم تتمكن من إيجاد الجينات التي نُشِرت في دراسة هامر، وحتى أحد الفرق العلمية التي أقرت بما وجده هامر في دراسته، حاول في السنة التالية للدراسة البحث عن «جين هامر» في عيّنة أكبر من البشر يزيد عدد أفرادها عن عشرة أضعاف مجموعة دين هامر، لكنه لم يحصل على نفس النتائج.
إضافة إلى ذلك، أشارت دراسات التوائم إلى أنه من غير المحتمل أن نعزو السبب الكامل في المثلية إلى التتابعات الجينية.
إذ إنه في توأمين متماثلين من الذكور، إذا كان أحد التوأمين مثليًا، فإن احتمال كون الآخر مثليًا يتراوح بين 20% و 50% فقط، رغم امتلاكهما نفس الجينوم، وفي حالة التوأمين المتغايرين فالاحتمال هو 13%. تبين هذه الدراسات وجود تأثير جيني في التوجه الجنسي، ولكن ليس لدرجة تسوّغ النظر إليه على أنه ظاهرة جينية بحتة، لذلك ظهر اقتراح يفيد بأن التغيرات في التخلّق من أسباب المثلية الجنسية، سواء أكان ذلك يجعلها السبب الوحيد في المثلية، أم يجعلها سببًا إضافيًا فيها.
فخلال تطور الإنسان، تتعرض كروموسوماته لتغيرات كيميائية لا تؤثر في تتابع نيوكليوتيداته، ولكنها تشغّل الجينات وتوقفها.
أفضل مثال على ذلك هو عملية المثيلة «methylation» أي إضافة مجموعة ميثيل CH3 إلى مناطق جينية محددة.
تظل هذه العلامات التخلقية مؤثرة في الجينات طوال العمر، لكن معظمها لا ينتقل إلى البويضات أو الحيوانات المنوية عند تكوّنها إذ تبدأ الجينات في تلك الأمشاج كصفحة بيضاء دون إضافات أو علامات. ومع ذلك، أوضحت بعض الدراسات الحديثة أن بعض تلك العلامات تستمر وتبقى ليرثها الجيل القادم.
في ورقة بحثية في عام 2012، اقترح ويليام رايس «William Rice» أن هذه العلامات الفوقية المُورّثة قد تكون السبب في المثلية الجنسية حين تمر من الأب إلى الابنة، أو من الأم إلى الابن.
حيث جادل العلماء أن العلامات الموروثة قد تقوم بالتأثير على حساسية الجنين لهرمون التستوستيرون، مما قد يقوم بـ”تذكير” أدمغة الإناث (جعلها أكثر ذكورية) أو “تأنيث” أدمغة الذكور (جعلها أكثر أنوثة)، مما يؤدي إلى الانجذاب لنفس الجنس.
أوحت أفكار كتلك أن يقوم تاك نجون «Tuck Ngun» بدراسة أنمطة مجموعات الميثيل في 140 ألف منطقة من DNA ينتمي إلى 37 زوج من التوائم الذكورية المتطابقة حيث كان أحدهما مثليًا والآخر غيريًّا، وينتمي إلى 10 أزواج أخرى من التوائم الذكورية المتطابقة الذين كانوا جميعهم مثليين.
بعد تكرار التحاليل عدة مرات، وبمساعدة خوارزمية حاسوبية مستحدثة، تعرّف فريق الباحثين على خمسة مناطق في الجينوم، ترتبط إضافة مجموعة ميثيل إليهم ارتباطًا وثيقًا ب المثلية الجنسية.
أحد تلك الجينات كان مهمًا للتوصيل العصبي، بينما كان آخرًا مسؤولًا عن الوظائف المناعية.
لاختبار أهمية تلك المناطق الخمس، قام العلماء بفصل التوائم المتطابقة والتي كان أحد الفردين في كلٍ منها مثلي الجنس إلى مجموعتين.
ثم قاموا بتفقد العلاقات بين العلامات الفوق جينية وبين السلوك الجنسي في مجموعة واحدة.
ثم اختبار طريقة تنبؤ تلك النتائج للتوجه الجنسي على المجموعة الثانية.
تمكن العلماء من الوصول إلى معدل دقة 70%.
في ورقة بحثية في عام 2012، اقترح ويليام رايس «William Rice» أن هذه العلامات التخلّقية المُورّثة قد تكون السبب في المثلية الجنسية حين تمر من الأب إلى الابنة، أو من الأم إلى الابن.
ويصرح العلماء بأن العلامات الموروثة قد تؤثر في حساسية الجنين لهرمون التستوستيرون، ما قد يعمل على «تذكير» أدمغة الإناث (جعلها أكثر ذكورية) أو «تأنيث» أدمغة الذكور (جعلها أكثر أنوثة)، ما يؤدي إلى الانجذاب لنفس الجنس.
أوحت أفكار كتلك إلى تاك نجون Tuck Ngun بأن يدرس أنماط مجموعات الميثيل في 140 ألف منطقة في الحمض النووي لدى 37 ثنائيًا من التوائم الذكرية المتطابقة التي كان فيها أحد التوأمين المتطابقين مثليًا والآخر غيريًا، ودرسها في 10 ثنائيات أخرى من التوائم الذكرية المتطابقة التي كان فيها كِلا التوأمين مثليًا.
بعد تكرار التحاليل عدة مرات، وبمساعدة خوارزمية حاسوبية مستحدثة، تعرّف فريق الباحثين على خمس مناطق في الجينوم، ترتبط إضافة الميثيل إليها ارتباطًا وثيقًا بالمثلية الجنسية.
أحد تلك الجينات كان أساسيًا في التوصيل العصبي، بينما كان آخر مسؤولًا عن الوظائف المناعية.
لاختبار أهمية تلك المناطق الخمس، فصل العلماء التوائم المتطابقة التي كان أحد الزوجين في كلٍ منها مثلي الجنس إلى مجموعتين.
ثم تفقدوا العلاقات بين العلامات التخلّقية وبين التوجه الجنسي في مجموعة واحدة.
ثم اختبروا كفاءة النتائج في التنبؤ بالتوجه الجنسي لدى أفراد المجموعة الثانية.
كانت التنبؤات دقيقة بنسبة 70%.
ولكن ما يزال العلماء يصرون على أن تلك التنبؤات تنطبق فقط على عينة التوائم الذين تعرضوا للاختبار، لا على سائر أفراد المجتمع.
من غير الواضح سبب وجود أنماط مجموعات ميثيل مختلفة في التوائم المتطابقة.
وإذا كانت افتراضية رايس صحيحة، فإن العلامات التخلّقية من الأم مُسحت في أحد الولدين دون الآخر.
أو ربما لم يرث أي منهما تلك العلامات، ولكن اكتسبها أحدهما في رحم والدته.
في دراسة سابقة، ذكر نجون وزملاؤه أدلة على أن عملية إضافة الميثيل قد تتحدد نتيجة تغيرات طفيفة في بيئة الجنين عند نمو أعضائه وتكونها، كموقع الجنين في الرحم، وكمية الدم التي يتلقاها من الأم.
يقول عالم النفس جاي مايكل بايلي J. Michael Bailey من جامعة شمال غرب الولاية في إيفانستون بإيلينويز: «هذه التأثيرات البسيطة هي مربط الفرس. والتوائم المتطابقة التي يكون أحد الزوجين فيها مثليًا هي أفضل طريقة لدراسة ذلك». ويصر هو ورايس على أن هذه الدراسة تحتاج إلى أن تتكرر على عينة أكبر من الناس كي تصبح نتائجها أشد وضوحًا وتأكيدًا.
وستصبح الدراسة أكثر إقناعًا إذا رُبطت تلك المناطق التي تظهر علامات تخلّقية بتغيرات واسعة تعتمد على حساسيتها للتستوستيرون في الرحم.
ويؤكد العلماء أن هذه النتائج يجب ألّا تُستخدم في اختبارات لتحديد المثلية الجنسية من عدمها، أو في البحث عما يُسمى -تضليلًا- «علاجًا» لتلك الحالة.
لكن العلماء ليسوا قلقين من ذلك، إذ إنه من المعروف أننا لن نمتلك القدرة على التلاعب في التوجه الجنسي في المستقبل القريب.
وفقًا لدراسة أجريت عام 2008، توجد أدلة كثيرة تدعم تأثر التوجه الجنسي بالعوامل الجينية.
تُضعف المثلية النجاح التناسلي، ولذلك وجودها في التجمعات بنسب عالية نسبيًا يمثّل لغزًا، لكن نتائج هذه الدراسة أوضحت أنَّ الجينات التي تُعَرِّض الشخص للمثلية الجنسية هي في الحقيقة مفيدة للمغايرين، وهذه الفائدة تعزز نجاحهم في التزاوج.
وفقًا لدراسة أخرى أجريت عام 2009، تكون خصوبة الإناث ذوات الأقارب المثليين من ناحية الأم عالية، ما يزيد من نجاحهن التناسلي، وبذلك من المحتمل أن يرث «الجينات المثلية» بعض الأفراد في الأجيال اللاحقة من نسلهن.
يوجد بحث يعترض على فكرة أنَّ السلوك المثلي في الحيوانات يُضْعِف نجاحهم التناسلي، وتوجد الكثير من النظريات التي تقول إنه سلوك تكيفي، وهذه النظريات تختلف حسب نوعها.
وفقًا لبعض الأبحاث، تتأثر الميول المثلية بالبيئة الهرمونية التي ينمو فيها الجنين.
فالعوامل الهرمونية تؤثر في بنية الدماغ وغيرها من السمات.
نشاط هرمون التستوستيرون هو ما يجعل دماغ الجنين ينمو ليصبح دماغًا ذكريًا، وقلة تأثير هذا الهرمون هو ما يجعله ينمو ليصبح أنثويًا.
وفقًا لبحث أجري عام 2010، هذه هي الطريقة التي تُحدد بها الهوية الجنسية والتوجه الجنسي، إذ تُبرمج في بنية دماغ الجنين وهو ما زال في الرحم.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت أبحاث الدماغ وجود اختلافات بين المثليين والمغايرين من ناحية حجم بعض نويات الدماغ.
أطوال العظام هي من السمات الأخرى التي تتأثر بهرمونات الجنس التي يُعتقد أنها متعلقة بالمثلية، إذ تكون عظام الأذرع والأيدي والأرجل أقصر لدى الرجال المثليين.
ولكن ليس واضحًا: هل تسبب هذه السمات المثلية أم تُعبّر عنها؟ (أي أنَّ علاقة السبب والنتيجة غير واضحة).
هوامش:
-علم التخلّق epigentics هو العلم الأساسي المُستخدم في شرح السلوكيات والتوجهات الجنسية في هذه الدراسة؛ يدرس التغيرات التي تطرأ على «نشاط» الجين لا تركيبه؛ بمعنى أن كل خلية في جسدك لها نفس الجينات، ولكن يُعبر عن كل جين في كل خلية بطريقة مميزة، فخلايا كبدك لا تُطلق الأظافر، وخلايا جلدك لا تُنتج الإنسولين. وهو دراسة التغيرات المتسببة في «تشغيل» الجينات و«وقفها» دون التلاعب في تسلسلها.
في 2011، غنت المغنية الشهيرة Lady Gaga أغنيتها «هكذا ولدت» أو Born this way؛ وسرعان ما أصبحت هذه الأغنية أنشودةً تتكرر في مسيرات المثليين. وبالفعل، على مدار عقدين من الزمان، تمكن الباحثون من اكتشاف أدلة كثيرة على أن المثلية الجنسية ليست اختيارًا، إنما هي مزروعة في عمق بيولوجيا الفرد، وتُحدد بواسطة الجينات؛ ولكن، ما تزال مواقع «الجينات المثلية» -كما تُسمى- أمرًا محيرًا.
قد تساعدنا دراسة جديدة على فهم هذا الأمر. أجريت هذه الدراسة على توأمين ذكرين، وعُرضت في الاجتماع السنوي للمجتمع الأمريكي للجينات البشرية American Society of Human Genetics ASHG في بالتيمور في ماريلاند.
لقد وجدت هذه الدراسة أن بعض التغييرات المتعلقة بالعلامات التخلّقية epigenetics -وهي تغيرات كيميائية في الجينوم البشري تحوّل طبيعة نشاط الجين دون تغيير تتابعاته الكيميائية- قد تؤثر في التوجه الجنسي.
كان الباحثون يظنون أنهم قد اقتربوا بشدة من «جينات المثلية الجنسي» في عام 1993 حين نشر فريق يقوده دين هامر Dean Hamer مقالةً علميةً عن وجود جين للمثلية الجنسية أو أكثر على الكروموسوم X وتحديدًا على ذراعه الطويلة في الموقع 28 (Xq28).
أصبح هذا الاكتشاف العنوان الرئيسي في الكثير من الصحف العالمية، لكنّ بعض المجموعات العلمية المراجِعة عجزت عن الحصول على نفس نتائج تلك الدراسة، ولم تتمكن من إيجاد الجينات التي نُشِرت في دراسة هامر، وحتى أحد الفرق العلمية التي أقرت بما وجده هامر في دراسته، حاول في السنة التالية للدراسة البحث عن «جين هامر» في عيّنة أكبر من البشر يزيد عدد أفرادها عن عشرة أضعاف مجموعة دين هامر، لكنه لم يحصل على نفس النتائج.
إضافة إلى ذلك، أشارت دراسات التوائم إلى أنه من غير المحتمل أن نعزو السبب الكامل في المثلية إلى التتابعات الجينية.
إذ إنه في توأمين متماثلين من الذكور، إذا كان أحد التوأمين مثليًا، فإن احتمال كون الآخر مثليًا يتراوح بين 20% و 50% فقط، رغم امتلاكهما نفس الجينوم، وفي حالة التوأمين المتغايرين فالاحتمال هو 13%. تبين هذه الدراسات وجود تأثير جيني في التوجه الجنسي، ولكن ليس لدرجة تسوّغ النظر إليه على أنه ظاهرة جينية بحتة، لذلك ظهر اقتراح يفيد بأن التغيرات في التخلّق من أسباب المثلية الجنسية، سواء أكان ذلك يجعلها السبب الوحيد في المثلية، أم يجعلها سببًا إضافيًا فيها.
فخلال تطور الإنسان، تتعرض كروموسوماته لتغيرات كيميائية لا تؤثر في تتابع نيوكليوتيداته، ولكنها تشغّل الجينات وتوقفها.
أفضل مثال على ذلك هو عملية المثيلة «methylation» أي إضافة مجموعة ميثيل CH3 إلى مناطق جينية محددة.
تظل هذه العلامات التخلقية مؤثرة في الجينات طوال العمر، لكن معظمها لا ينتقل إلى البويضات أو الحيوانات المنوية عند تكوّنها إذ تبدأ الجينات في تلك الأمشاج كصفحة بيضاء دون إضافات أو علامات. ومع ذلك، أوضحت بعض الدراسات الحديثة أن بعض تلك العلامات تستمر وتبقى ليرثها الجيل القادم.
في ورقة بحثية في عام 2012، اقترح ويليام رايس «William Rice» أن هذه العلامات الفوقية المُورّثة قد تكون السبب في المثلية الجنسية حين تمر من الأب إلى الابنة، أو من الأم إلى الابن.
حيث جادل العلماء أن العلامات الموروثة قد تقوم بالتأثير على حساسية الجنين لهرمون التستوستيرون، مما قد يقوم بـ”تذكير” أدمغة الإناث (جعلها أكثر ذكورية) أو “تأنيث” أدمغة الذكور (جعلها أكثر أنوثة)، مما يؤدي إلى الانجذاب لنفس الجنس.
أوحت أفكار كتلك أن يقوم تاك نجون «Tuck Ngun» بدراسة أنمطة مجموعات الميثيل في 140 ألف منطقة من DNA ينتمي إلى 37 زوج من التوائم الذكورية المتطابقة حيث كان أحدهما مثليًا والآخر غيريًّا، وينتمي إلى 10 أزواج أخرى من التوائم الذكورية المتطابقة الذين كانوا جميعهم مثليين.
بعد تكرار التحاليل عدة مرات، وبمساعدة خوارزمية حاسوبية مستحدثة، تعرّف فريق الباحثين على خمسة مناطق في الجينوم، ترتبط إضافة مجموعة ميثيل إليهم ارتباطًا وثيقًا ب المثلية الجنسية.
أحد تلك الجينات كان مهمًا للتوصيل العصبي، بينما كان آخرًا مسؤولًا عن الوظائف المناعية.
لاختبار أهمية تلك المناطق الخمس، قام العلماء بفصل التوائم المتطابقة والتي كان أحد الفردين في كلٍ منها مثلي الجنس إلى مجموعتين.
ثم قاموا بتفقد العلاقات بين العلامات الفوق جينية وبين السلوك الجنسي في مجموعة واحدة.
ثم اختبار طريقة تنبؤ تلك النتائج للتوجه الجنسي على المجموعة الثانية.
تمكن العلماء من الوصول إلى معدل دقة 70%.
في ورقة بحثية في عام 2012، اقترح ويليام رايس «William Rice» أن هذه العلامات التخلّقية المُورّثة قد تكون السبب في المثلية الجنسية حين تمر من الأب إلى الابنة، أو من الأم إلى الابن.
ويصرح العلماء بأن العلامات الموروثة قد تؤثر في حساسية الجنين لهرمون التستوستيرون، ما قد يعمل على «تذكير» أدمغة الإناث (جعلها أكثر ذكورية) أو «تأنيث» أدمغة الذكور (جعلها أكثر أنوثة)، ما يؤدي إلى الانجذاب لنفس الجنس.
أوحت أفكار كتلك إلى تاك نجون Tuck Ngun بأن يدرس أنماط مجموعات الميثيل في 140 ألف منطقة في الحمض النووي لدى 37 ثنائيًا من التوائم الذكرية المتطابقة التي كان فيها أحد التوأمين المتطابقين مثليًا والآخر غيريًا، ودرسها في 10 ثنائيات أخرى من التوائم الذكرية المتطابقة التي كان فيها كِلا التوأمين مثليًا.
بعد تكرار التحاليل عدة مرات، وبمساعدة خوارزمية حاسوبية مستحدثة، تعرّف فريق الباحثين على خمس مناطق في الجينوم، ترتبط إضافة الميثيل إليها ارتباطًا وثيقًا بالمثلية الجنسية.
أحد تلك الجينات كان أساسيًا في التوصيل العصبي، بينما كان آخر مسؤولًا عن الوظائف المناعية.
لاختبار أهمية تلك المناطق الخمس، فصل العلماء التوائم المتطابقة التي كان أحد الزوجين في كلٍ منها مثلي الجنس إلى مجموعتين.
ثم تفقدوا العلاقات بين العلامات التخلّقية وبين التوجه الجنسي في مجموعة واحدة.
ثم اختبروا كفاءة النتائج في التنبؤ بالتوجه الجنسي لدى أفراد المجموعة الثانية.
كانت التنبؤات دقيقة بنسبة 70%.
ولكن ما يزال العلماء يصرون على أن تلك التنبؤات تنطبق فقط على عينة التوائم الذين تعرضوا للاختبار، لا على سائر أفراد المجتمع.
من غير الواضح سبب وجود أنماط مجموعات ميثيل مختلفة في التوائم المتطابقة.
وإذا كانت افتراضية رايس صحيحة، فإن العلامات التخلّقية من الأم مُسحت في أحد الولدين دون الآخر.
أو ربما لم يرث أي منهما تلك العلامات، ولكن اكتسبها أحدهما في رحم والدته.
في دراسة سابقة، ذكر نجون وزملاؤه أدلة على أن عملية إضافة الميثيل قد تتحدد نتيجة تغيرات طفيفة في بيئة الجنين عند نمو أعضائه وتكونها، كموقع الجنين في الرحم، وكمية الدم التي يتلقاها من الأم.
يقول عالم النفس جاي مايكل بايلي J. Michael Bailey من جامعة شمال غرب الولاية في إيفانستون بإيلينويز: «هذه التأثيرات البسيطة هي مربط الفرس. والتوائم المتطابقة التي يكون أحد الزوجين فيها مثليًا هي أفضل طريقة لدراسة ذلك». ويصر هو ورايس على أن هذه الدراسة تحتاج إلى أن تتكرر على عينة أكبر من الناس كي تصبح نتائجها أشد وضوحًا وتأكيدًا.
وستصبح الدراسة أكثر إقناعًا إذا رُبطت تلك المناطق التي تظهر علامات تخلّقية بتغيرات واسعة تعتمد على حساسيتها للتستوستيرون في الرحم.
ويؤكد العلماء أن هذه النتائج يجب ألّا تُستخدم في اختبارات لتحديد المثلية الجنسية من عدمها، أو في البحث عما يُسمى -تضليلًا- «علاجًا» لتلك الحالة.
لكن العلماء ليسوا قلقين من ذلك، إذ إنه من المعروف أننا لن نمتلك القدرة على التلاعب في التوجه الجنسي في المستقبل القريب.
وفقًا لدراسة أجريت عام 2008، توجد أدلة كثيرة تدعم تأثر التوجه الجنسي بالعوامل الجينية.
تُضعف المثلية النجاح التناسلي، ولذلك وجودها في التجمعات بنسب عالية نسبيًا يمثّل لغزًا، لكن نتائج هذه الدراسة أوضحت أنَّ الجينات التي تُعَرِّض الشخص للمثلية الجنسية هي في الحقيقة مفيدة للمغايرين، وهذه الفائدة تعزز نجاحهم في التزاوج.
وفقًا لدراسة أخرى أجريت عام 2009، تكون خصوبة الإناث ذوات الأقارب المثليين من ناحية الأم عالية، ما يزيد من نجاحهن التناسلي، وبذلك من المحتمل أن يرث «الجينات المثلية» بعض الأفراد في الأجيال اللاحقة من نسلهن.
يوجد بحث يعترض على فكرة أنَّ السلوك المثلي في الحيوانات يُضْعِف نجاحهم التناسلي، وتوجد الكثير من النظريات التي تقول إنه سلوك تكيفي، وهذه النظريات تختلف حسب نوعها.
وفقًا لبعض الأبحاث، تتأثر الميول المثلية بالبيئة الهرمونية التي ينمو فيها الجنين.
فالعوامل الهرمونية تؤثر في بنية الدماغ وغيرها من السمات.
نشاط هرمون التستوستيرون هو ما يجعل دماغ الجنين ينمو ليصبح دماغًا ذكريًا، وقلة تأثير هذا الهرمون هو ما يجعله ينمو ليصبح أنثويًا.
وفقًا لبحث أجري عام 2010، هذه هي الطريقة التي تُحدد بها الهوية الجنسية والتوجه الجنسي، إذ تُبرمج في بنية دماغ الجنين وهو ما زال في الرحم.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت أبحاث الدماغ وجود اختلافات بين المثليين والمغايرين من ناحية حجم بعض نويات الدماغ.
أطوال العظام هي من السمات الأخرى التي تتأثر بهرمونات الجنس التي يُعتقد أنها متعلقة بالمثلية، إذ تكون عظام الأذرع والأيدي والأرجل أقصر لدى الرجال المثليين.
ولكن ليس واضحًا: هل تسبب هذه السمات المثلية أم تُعبّر عنها؟ (أي أنَّ علاقة السبب والنتيجة غير واضحة).
هوامش:
-علم التخلّق epigentics هو العلم الأساسي المُستخدم في شرح السلوكيات والتوجهات الجنسية في هذه الدراسة؛ يدرس التغيرات التي تطرأ على «نشاط» الجين لا تركيبه؛ بمعنى أن كل خلية في جسدك لها نفس الجينات، ولكن يُعبر عن كل جين في كل خلية بطريقة مميزة، فخلايا كبدك لا تُطلق الأظافر، وخلايا جلدك لا تُنتج الإنسولين. وهو دراسة التغيرات المتسببة في «تشغيل» الجينات و«وقفها» دون التلاعب في تسلسلها.
قد تساعدنا دراسة جديدة على فهم هذا الأمر. أجريت هذه الدراسة على توأمين ذكرين، وعُرضت في الاجتماع السنوي للمجتمع الأمريكي للجينات البشرية American Society of Human Genetics ASHG في بالتيمور في ماريلاند.
لقد وجدت هذه الدراسة أن بعض التغييرات المتعلقة بالعلامات التخلّقية epigenetics -وهي تغيرات كيميائية في الجينوم البشري تحوّل طبيعة نشاط الجين دون تغيير تتابعاته الكيميائية- قد تؤثر في التوجه الجنسي.
كان الباحثون يظنون أنهم قد اقتربوا بشدة من «جينات المثلية الجنسي» في عام 1993 حين نشر فريق يقوده دين هامر Dean Hamer مقالةً علميةً عن وجود جين للمثلية الجنسية أو أكثر على الكروموسوم X وتحديدًا على ذراعه الطويلة في الموقع 28 (Xq28).
أصبح هذا الاكتشاف العنوان الرئيسي في الكثير من الصحف العالمية، لكنّ بعض المجموعات العلمية المراجِعة عجزت عن الحصول على نفس نتائج تلك الدراسة، ولم تتمكن من إيجاد الجينات التي نُشِرت في دراسة هامر، وحتى أحد الفرق العلمية التي أقرت بما وجده هامر في دراسته، حاول في السنة التالية للدراسة البحث عن «جين هامر» في عيّنة أكبر من البشر يزيد عدد أفرادها عن عشرة أضعاف مجموعة دين هامر، لكنه لم يحصل على نفس النتائج.
إضافة إلى ذلك، أشارت دراسات التوائم إلى أنه من غير المحتمل أن نعزو السبب الكامل في المثلية إلى التتابعات الجينية.
إذ إنه في توأمين متماثلين من الذكور، إذا كان أحد التوأمين مثليًا، فإن احتمال كون الآخر مثليًا يتراوح بين 20% و 50% فقط، رغم امتلاكهما نفس الجينوم، وفي حالة التوأمين المتغايرين فالاحتمال هو 13%. تبين هذه الدراسات وجود تأثير جيني في التوجه الجنسي، ولكن ليس لدرجة تسوّغ النظر إليه على أنه ظاهرة جينية بحتة، لذلك ظهر اقتراح يفيد بأن التغيرات في التخلّق من أسباب المثلية الجنسية، سواء أكان ذلك يجعلها السبب الوحيد في المثلية، أم يجعلها سببًا إضافيًا فيها.
فخلال تطور الإنسان، تتعرض كروموسوماته لتغيرات كيميائية لا تؤثر في تتابع نيوكليوتيداته، ولكنها تشغّل الجينات وتوقفها.
أفضل مثال على ذلك هو عملية المثيلة «methylation» أي إضافة مجموعة ميثيل CH3 إلى مناطق جينية محددة.
تظل هذه العلامات التخلقية مؤثرة في الجينات طوال العمر، لكن معظمها لا ينتقل إلى البويضات أو الحيوانات المنوية عند تكوّنها إذ تبدأ الجينات في تلك الأمشاج كصفحة بيضاء دون إضافات أو علامات. ومع ذلك، أوضحت بعض الدراسات الحديثة أن بعض تلك العلامات تستمر وتبقى ليرثها الجيل القادم.
في ورقة بحثية في عام 2012، اقترح ويليام رايس «William Rice» أن هذه العلامات الفوقية المُورّثة قد تكون السبب في المثلية الجنسية حين تمر من الأب إلى الابنة، أو من الأم إلى الابن.
حيث جادل العلماء أن العلامات الموروثة قد تقوم بالتأثير على حساسية الجنين لهرمون التستوستيرون، مما قد يقوم بـ”تذكير” أدمغة الإناث (جعلها أكثر ذكورية) أو “تأنيث” أدمغة الذكور (جعلها أكثر أنوثة)، مما يؤدي إلى الانجذاب لنفس الجنس.
أوحت أفكار كتلك أن يقوم تاك نجون «Tuck Ngun» بدراسة أنمطة مجموعات الميثيل في 140 ألف منطقة من DNA ينتمي إلى 37 زوج من التوائم الذكورية المتطابقة حيث كان أحدهما مثليًا والآخر غيريًّا، وينتمي إلى 10 أزواج أخرى من التوائم الذكورية المتطابقة الذين كانوا جميعهم مثليين.
بعد تكرار التحاليل عدة مرات، وبمساعدة خوارزمية حاسوبية مستحدثة، تعرّف فريق الباحثين على خمسة مناطق في الجينوم، ترتبط إضافة مجموعة ميثيل إليهم ارتباطًا وثيقًا ب المثلية الجنسية.
أحد تلك الجينات كان مهمًا للتوصيل العصبي، بينما كان آخرًا مسؤولًا عن الوظائف المناعية.
لاختبار أهمية تلك المناطق الخمس، قام العلماء بفصل التوائم المتطابقة والتي كان أحد الفردين في كلٍ منها مثلي الجنس إلى مجموعتين.
ثم قاموا بتفقد العلاقات بين العلامات الفوق جينية وبين السلوك الجنسي في مجموعة واحدة.
ثم اختبار طريقة تنبؤ تلك النتائج للتوجه الجنسي على المجموعة الثانية.
تمكن العلماء من الوصول إلى معدل دقة 70%.
في ورقة بحثية في عام 2012، اقترح ويليام رايس «William Rice» أن هذه العلامات التخلّقية المُورّثة قد تكون السبب في المثلية الجنسية حين تمر من الأب إلى الابنة، أو من الأم إلى الابن.
ويصرح العلماء بأن العلامات الموروثة قد تؤثر في حساسية الجنين لهرمون التستوستيرون، ما قد يعمل على «تذكير» أدمغة الإناث (جعلها أكثر ذكورية) أو «تأنيث» أدمغة الذكور (جعلها أكثر أنوثة)، ما يؤدي إلى الانجذاب لنفس الجنس.
أوحت أفكار كتلك إلى تاك نجون Tuck Ngun بأن يدرس أنماط مجموعات الميثيل في 140 ألف منطقة في الحمض النووي لدى 37 ثنائيًا من التوائم الذكرية المتطابقة التي كان فيها أحد التوأمين المتطابقين مثليًا والآخر غيريًا، ودرسها في 10 ثنائيات أخرى من التوائم الذكرية المتطابقة التي كان فيها كِلا التوأمين مثليًا.
بعد تكرار التحاليل عدة مرات، وبمساعدة خوارزمية حاسوبية مستحدثة، تعرّف فريق الباحثين على خمس مناطق في الجينوم، ترتبط إضافة الميثيل إليها ارتباطًا وثيقًا بالمثلية الجنسية.
أحد تلك الجينات كان أساسيًا في التوصيل العصبي، بينما كان آخر مسؤولًا عن الوظائف المناعية.
لاختبار أهمية تلك المناطق الخمس، فصل العلماء التوائم المتطابقة التي كان أحد الزوجين في كلٍ منها مثلي الجنس إلى مجموعتين.
ثم تفقدوا العلاقات بين العلامات التخلّقية وبين التوجه الجنسي في مجموعة واحدة.
ثم اختبروا كفاءة النتائج في التنبؤ بالتوجه الجنسي لدى أفراد المجموعة الثانية.
كانت التنبؤات دقيقة بنسبة 70%.
ولكن ما يزال العلماء يصرون على أن تلك التنبؤات تنطبق فقط على عينة التوائم الذين تعرضوا للاختبار، لا على سائر أفراد المجتمع.
من غير الواضح سبب وجود أنماط مجموعات ميثيل مختلفة في التوائم المتطابقة.
وإذا كانت افتراضية رايس صحيحة، فإن العلامات التخلّقية من الأم مُسحت في أحد الولدين دون الآخر.
أو ربما لم يرث أي منهما تلك العلامات، ولكن اكتسبها أحدهما في رحم والدته.
في دراسة سابقة، ذكر نجون وزملاؤه أدلة على أن عملية إضافة الميثيل قد تتحدد نتيجة تغيرات طفيفة في بيئة الجنين عند نمو أعضائه وتكونها، كموقع الجنين في الرحم، وكمية الدم التي يتلقاها من الأم.
يقول عالم النفس جاي مايكل بايلي J. Michael Bailey من جامعة شمال غرب الولاية في إيفانستون بإيلينويز: «هذه التأثيرات البسيطة هي مربط الفرس. والتوائم المتطابقة التي يكون أحد الزوجين فيها مثليًا هي أفضل طريقة لدراسة ذلك». ويصر هو ورايس على أن هذه الدراسة تحتاج إلى أن تتكرر على عينة أكبر من الناس كي تصبح نتائجها أشد وضوحًا وتأكيدًا.
وستصبح الدراسة أكثر إقناعًا إذا رُبطت تلك المناطق التي تظهر علامات تخلّقية بتغيرات واسعة تعتمد على حساسيتها للتستوستيرون في الرحم.
ويؤكد العلماء أن هذه النتائج يجب ألّا تُستخدم في اختبارات لتحديد المثلية الجنسية من عدمها، أو في البحث عما يُسمى -تضليلًا- «علاجًا» لتلك الحالة.
لكن العلماء ليسوا قلقين من ذلك، إذ إنه من المعروف أننا لن نمتلك القدرة على التلاعب في التوجه الجنسي في المستقبل القريب.
وفقًا لدراسة أجريت عام 2008، توجد أدلة كثيرة تدعم تأثر التوجه الجنسي بالعوامل الجينية.
تُضعف المثلية النجاح التناسلي، ولذلك وجودها في التجمعات بنسب عالية نسبيًا يمثّل لغزًا، لكن نتائج هذه الدراسة أوضحت أنَّ الجينات التي تُعَرِّض الشخص للمثلية الجنسية هي في الحقيقة مفيدة للمغايرين، وهذه الفائدة تعزز نجاحهم في التزاوج.
وفقًا لدراسة أخرى أجريت عام 2009، تكون خصوبة الإناث ذوات الأقارب المثليين من ناحية الأم عالية، ما يزيد من نجاحهن التناسلي، وبذلك من المحتمل أن يرث «الجينات المثلية» بعض الأفراد في الأجيال اللاحقة من نسلهن.
يوجد بحث يعترض على فكرة أنَّ السلوك المثلي في الحيوانات يُضْعِف نجاحهم التناسلي، وتوجد الكثير من النظريات التي تقول إنه سلوك تكيفي، وهذه النظريات تختلف حسب نوعها.
وفقًا لبعض الأبحاث، تتأثر الميول المثلية بالبيئة الهرمونية التي ينمو فيها الجنين.
فالعوامل الهرمونية تؤثر في بنية الدماغ وغيرها من السمات.
نشاط هرمون التستوستيرون هو ما يجعل دماغ الجنين ينمو ليصبح دماغًا ذكريًا، وقلة تأثير هذا الهرمون هو ما يجعله ينمو ليصبح أنثويًا.
وفقًا لبحث أجري عام 2010، هذه هي الطريقة التي تُحدد بها الهوية الجنسية والتوجه الجنسي، إذ تُبرمج في بنية دماغ الجنين وهو ما زال في الرحم.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت أبحاث الدماغ وجود اختلافات بين المثليين والمغايرين من ناحية حجم بعض نويات الدماغ.
أطوال العظام هي من السمات الأخرى التي تتأثر بهرمونات الجنس التي يُعتقد أنها متعلقة بالمثلية، إذ تكون عظام الأذرع والأيدي والأرجل أقصر لدى الرجال المثليين.
ولكن ليس واضحًا: هل تسبب هذه السمات المثلية أم تُعبّر عنها؟ (أي أنَّ علاقة السبب والنتيجة غير واضحة).
هوامش:
-علم التخلّق epigentics هو العلم الأساسي المُستخدم في شرح السلوكيات والتوجهات الجنسية في هذه الدراسة؛ يدرس التغيرات التي تطرأ على «نشاط» الجين لا تركيبه؛ بمعنى أن كل خلية في جسدك لها نفس الجينات، ولكن يُعبر عن كل جين في كل خلية بطريقة مميزة، فخلايا كبدك لا تُطلق الأظافر، وخلايا جلدك لا تُنتج الإنسولين. وهو دراسة التغيرات المتسببة في «تشغيل» الجينات و«وقفها» دون التلاعب في تسلسلها.
في 2011، غنت المغنية الشهيرة Lady Gaga أغنيتها «هكذا ولدت» أو Born this way؛ وسرعان ما أصبحت هذه الأغنية أنشودةً تتكرر في مسيرات المثليين. وبالفعل، على مدار عقدين من الزمان، تمكن الباحثون من اكتشاف أدلة كثيرة على أن المثلية الجنسية ليست اختيارًا، إنما هي مزروعة في عمق بيولوجيا الفرد، وتُحدد بواسطة الجينات؛ ولكن، ما تزال مواقع «الجينات المثلية» -كما تُسمى- أمرًا محيرًا.
قد تساعدنا دراسة جديدة على فهم هذا الأمر. أجريت هذه الدراسة على توأمين ذكرين، وعُرضت في الاجتماع السنوي للمجتمع الأمريكي للجينات البشرية American Society of Human Genetics ASHG في بالتيمور في ماريلاند.
لقد وجدت هذه الدراسة أن بعض التغييرات المتعلقة بالعلامات التخلّقية epigenetics -وهي تغيرات كيميائية في الجينوم البشري تحوّل طبيعة نشاط الجين دون تغيير تتابعاته الكيميائية- قد تؤثر في التوجه الجنسي.
كان الباحثون يظنون أنهم قد اقتربوا بشدة من «جينات المثلية الجنسي» في عام 1993 حين نشر فريق يقوده دين هامر Dean Hamer مقالةً علميةً عن وجود جين للمثلية الجنسية أو أكثر على الكروموسوم X وتحديدًا على ذراعه الطويلة في الموقع 28 (Xq28).
أصبح هذا الاكتشاف العنوان الرئيسي في الكثير من الصحف العالمية، لكنّ بعض المجموعات العلمية المراجِعة عجزت عن الحصول على نفس نتائج تلك الدراسة، ولم تتمكن من إيجاد الجينات التي نُشِرت في دراسة هامر، وحتى أحد الفرق العلمية التي أقرت بما وجده هامر في دراسته، حاول في السنة التالية للدراسة البحث عن «جين هامر» في عيّنة أكبر من البشر يزيد عدد أفرادها عن عشرة أضعاف مجموعة دين هامر، لكنه لم يحصل على نفس النتائج.
إضافة إلى ذلك، أشارت دراسات التوائم إلى أنه من غير المحتمل أن نعزو السبب الكامل في المثلية إلى التتابعات الجينية.
إذ إنه في توأمين متماثلين من الذكور، إذا كان أحد التوأمين مثليًا، فإن احتمال كون الآخر مثليًا يتراوح بين 20% و 50% فقط، رغم امتلاكهما نفس الجينوم، وفي حالة التوأمين المتغايرين فالاحتمال هو 13%. تبين هذه الدراسات وجود تأثير جيني في التوجه الجنسي، ولكن ليس لدرجة تسوّغ النظر إليه على أنه ظاهرة جينية بحتة، لذلك ظهر اقتراح يفيد بأن التغيرات في التخلّق من أسباب المثلية الجنسية، سواء أكان ذلك يجعلها السبب الوحيد في المثلية، أم يجعلها سببًا إضافيًا فيها.
فخلال تطور الإنسان، تتعرض كروموسوماته لتغيرات كيميائية لا تؤثر في تتابع نيوكليوتيداته، ولكنها تشغّل الجينات وتوقفها.
أفضل مثال على ذلك هو عملية المثيلة «methylation» أي إضافة مجموعة ميثيل CH3 إلى مناطق جينية محددة.
تظل هذه العلامات التخلقية مؤثرة في الجينات طوال العمر، لكن معظمها لا ينتقل إلى البويضات أو الحيوانات المنوية عند تكوّنها إذ تبدأ الجينات في تلك الأمشاج كصفحة بيضاء دون إضافات أو علامات. ومع ذلك، أوضحت بعض الدراسات الحديثة أن بعض تلك العلامات تستمر وتبقى ليرثها الجيل القادم.
في ورقة بحثية في عام 2012، اقترح ويليام رايس «William Rice» أن هذه العلامات الفوقية المُورّثة قد تكون السبب في المثلية الجنسية حين تمر من الأب إلى الابنة، أو من الأم إلى الابن.
حيث جادل العلماء أن العلامات الموروثة قد تقوم بالتأثير على حساسية الجنين لهرمون التستوستيرون، مما قد يقوم بـ”تذكير” أدمغة الإناث (جعلها أكثر ذكورية) أو “تأنيث” أدمغة الذكور (جعلها أكثر أنوثة)، مما يؤدي إلى الانجذاب لنفس الجنس.
أوحت أفكار كتلك أن يقوم تاك نجون «Tuck Ngun» بدراسة أنمطة مجموعات الميثيل في 140 ألف منطقة من DNA ينتمي إلى 37 زوج من التوائم الذكورية المتطابقة حيث كان أحدهما مثليًا والآخر غيريًّا، وينتمي إلى 10 أزواج أخرى من التوائم الذكورية المتطابقة الذين كانوا جميعهم مثليين.
بعد تكرار التحاليل عدة مرات، وبمساعدة خوارزمية حاسوبية مستحدثة، تعرّف فريق الباحثين على خمسة مناطق في الجينوم، ترتبط إضافة مجموعة ميثيل إليهم ارتباطًا وثيقًا ب المثلية الجنسية.
أحد تلك الجينات كان مهمًا للتوصيل العصبي، بينما كان آخرًا مسؤولًا عن الوظائف المناعية.
لاختبار أهمية تلك المناطق الخمس، قام العلماء بفصل التوائم المتطابقة والتي كان أحد الفردين في كلٍ منها مثلي الجنس إلى مجموعتين.
ثم قاموا بتفقد العلاقات بين العلامات الفوق جينية وبين السلوك الجنسي في مجموعة واحدة.
ثم اختبار طريقة تنبؤ تلك النتائج للتوجه الجنسي على المجموعة الثانية.
تمكن العلماء من الوصول إلى معدل دقة 70%.
في ورقة بحثية في عام 2012، اقترح ويليام رايس «William Rice» أن هذه العلامات التخلّقية المُورّثة قد تكون السبب في المثلية الجنسية حين تمر من الأب إلى الابنة، أو من الأم إلى الابن.
ويصرح العلماء بأن العلامات الموروثة قد تؤثر في حساسية الجنين لهرمون التستوستيرون، ما قد يعمل على «تذكير» أدمغة الإناث (جعلها أكثر ذكورية) أو «تأنيث» أدمغة الذكور (جعلها أكثر أنوثة)، ما يؤدي إلى الانجذاب لنفس الجنس.
أوحت أفكار كتلك إلى تاك نجون Tuck Ngun بأن يدرس أنماط مجموعات الميثيل في 140 ألف منطقة في الحمض النووي لدى 37 ثنائيًا من التوائم الذكرية المتطابقة التي كان فيها أحد التوأمين المتطابقين مثليًا والآخر غيريًا، ودرسها في 10 ثنائيات أخرى من التوائم الذكرية المتطابقة التي كان فيها كِلا التوأمين مثليًا.
بعد تكرار التحاليل عدة مرات، وبمساعدة خوارزمية حاسوبية مستحدثة، تعرّف فريق الباحثين على خمس مناطق في الجينوم، ترتبط إضافة الميثيل إليها ارتباطًا وثيقًا بالمثلية الجنسية.
أحد تلك الجينات كان أساسيًا في التوصيل العصبي، بينما كان آخر مسؤولًا عن الوظائف المناعية.
لاختبار أهمية تلك المناطق الخمس، فصل العلماء التوائم المتطابقة التي كان أحد الزوجين في كلٍ منها مثلي الجنس إلى مجموعتين.
ثم تفقدوا العلاقات بين العلامات التخلّقية وبين التوجه الجنسي في مجموعة واحدة.
ثم اختبروا كفاءة النتائج في التنبؤ بالتوجه الجنسي لدى أفراد المجموعة الثانية.
كانت التنبؤات دقيقة بنسبة 70%.
ولكن ما يزال العلماء يصرون على أن تلك التنبؤات تنطبق فقط على عينة التوائم الذين تعرضوا للاختبار، لا على سائر أفراد المجتمع.
من غير الواضح سبب وجود أنماط مجموعات ميثيل مختلفة في التوائم المتطابقة.
وإذا كانت افتراضية رايس صحيحة، فإن العلامات التخلّقية من الأم مُسحت في أحد الولدين دون الآخر.
أو ربما لم يرث أي منهما تلك العلامات، ولكن اكتسبها أحدهما في رحم والدته.
في دراسة سابقة، ذكر نجون وزملاؤه أدلة على أن عملية إضافة الميثيل قد تتحدد نتيجة تغيرات طفيفة في بيئة الجنين عند نمو أعضائه وتكونها، كموقع الجنين في الرحم، وكمية الدم التي يتلقاها من الأم.
يقول عالم النفس جاي مايكل بايلي J. Michael Bailey من جامعة شمال غرب الولاية في إيفانستون بإيلينويز: «هذه التأثيرات البسيطة هي مربط الفرس. والتوائم المتطابقة التي يكون أحد الزوجين فيها مثليًا هي أفضل طريقة لدراسة ذلك». ويصر هو ورايس على أن هذه الدراسة تحتاج إلى أن تتكرر على عينة أكبر من الناس كي تصبح نتائجها أشد وضوحًا وتأكيدًا.
وستصبح الدراسة أكثر إقناعًا إذا رُبطت تلك المناطق التي تظهر علامات تخلّقية بتغيرات واسعة تعتمد على حساسيتها للتستوستيرون في الرحم.
ويؤكد العلماء أن هذه النتائج يجب ألّا تُستخدم في اختبارات لتحديد المثلية الجنسية من عدمها، أو في البحث عما يُسمى -تضليلًا- «علاجًا» لتلك الحالة.
لكن العلماء ليسوا قلقين من ذلك، إذ إنه من المعروف أننا لن نمتلك القدرة على التلاعب في التوجه الجنسي في المستقبل القريب.
وفقًا لدراسة أجريت عام 2008، توجد أدلة كثيرة تدعم تأثر التوجه الجنسي بالعوامل الجينية.
تُضعف المثلية النجاح التناسلي، ولذلك وجودها في التجمعات بنسب عالية نسبيًا يمثّل لغزًا، لكن نتائج هذه الدراسة أوضحت أنَّ الجينات التي تُعَرِّض الشخص للمثلية الجنسية هي في الحقيقة مفيدة للمغايرين، وهذه الفائدة تعزز نجاحهم في التزاوج.
وفقًا لدراسة أخرى أجريت عام 2009، تكون خصوبة الإناث ذوات الأقارب المثليين من ناحية الأم عالية، ما يزيد من نجاحهن التناسلي، وبذلك من المحتمل أن يرث «الجينات المثلية» بعض الأفراد في الأجيال اللاحقة من نسلهن.
يوجد بحث يعترض على فكرة أنَّ السلوك المثلي في الحيوانات يُضْعِف نجاحهم التناسلي، وتوجد الكثير من النظريات التي تقول إنه سلوك تكيفي، وهذه النظريات تختلف حسب نوعها.
وفقًا لبعض الأبحاث، تتأثر الميول المثلية بالبيئة الهرمونية التي ينمو فيها الجنين.
فالعوامل الهرمونية تؤثر في بنية الدماغ وغيرها من السمات.
نشاط هرمون التستوستيرون هو ما يجعل دماغ الجنين ينمو ليصبح دماغًا ذكريًا، وقلة تأثير هذا الهرمون هو ما يجعله ينمو ليصبح أنثويًا.
وفقًا لبحث أجري عام 2010، هذه هي الطريقة التي تُحدد بها الهوية الجنسية والتوجه الجنسي، إذ تُبرمج في بنية دماغ الجنين وهو ما زال في الرحم.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت أبحاث الدماغ وجود اختلافات بين المثليين والمغايرين من ناحية حجم بعض نويات الدماغ.
أطوال العظام هي من السمات الأخرى التي تتأثر بهرمونات الجنس التي يُعتقد أنها متعلقة بالمثلية، إذ تكون عظام الأذرع والأيدي والأرجل أقصر لدى الرجال المثليين.
ولكن ليس واضحًا: هل تسبب هذه السمات المثلية أم تُعبّر عنها؟ (أي أنَّ علاقة السبب والنتيجة غير واضحة).
هوامش:
-علم التخلّق epigentics هو العلم الأساسي المُستخدم في شرح السلوكيات والتوجهات الجنسية في هذه الدراسة؛ يدرس التغيرات التي تطرأ على «نشاط» الجين لا تركيبه؛ بمعنى أن كل خلية في جسدك لها نفس الجينات، ولكن يُعبر عن كل جين في كل خلية بطريقة مميزة، فخلايا كبدك لا تُطلق الأظافر، وخلايا جلدك لا تُنتج الإنسولين. وهو دراسة التغيرات المتسببة في «تشغيل» الجينات و«وقفها» دون التلاعب في تسلسلها.