أنطوان دي سانت إكزوبري Antoine de Saint-Exupéry كاتب وطيار فرنسي.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أنطوان دي سانت إكزوبري Antoine de Saint-Exupéry كاتب وطيار فرنسي.

    سانت إكزوبري (أنطوان دي ـ)
    (1900 ـ 1944)

    أنطوان دي سانت إكزوبري Antoine de Saint-Exupéry كاتب وطيار فرنسي. ولد في مدينة ليون، وفقد والده وهو في الرابعة من عمره فنشأ في كنف عائلة أرستقراطية حالماً شَغِباً. قام برحلته الجوية الأولى وهو في الثانية عشرة. أخفق في الانتساب إلى المدرسة البحرية، وانتزعته الخدمة الوطنية من مدرسة الفنون الجميلة ليلتحق بورشة الصيانة في فوج للطيران. حصل على إجازة في الطيران فبدأ العمل المهني والإنتاج الأدبي. وفرت لـه الطائرة الفرصة لقراءة العالم الخارجي والتأمل الانفرادي بالوجود الإنساني الزائل، ومكنته، في الوقت نفسه، من إقامة علاقات متينة، في إطار العمل البطولي الذي انخرط فيه مع بدايات الطيران المدني؛ وقد جاءت مساهمته في الحرب العالمية الثانية تتويجاً لهذه الحياة المغامِرة. إن نتاجه الأدبي تعبير شاعري صادق عن تجربة إنسانية فريدة في سعيها الحثيث للقاء «الآخر» ولإيجاد معنى للحياة، من خلال العمل المسؤول والمخاطرة الفاعلة. أعماله الأدبية وحياته العملية صنوان في بناء شخصيته، حصدت الأولى الجوائز الأدبية وأحرزت الثانية وسام جوقة الشرف.
    جاءت أقصوصة «الطيَّار» (1926)L’aviateur، باكورة إنتاجه، مع بداية حياته المهنية في مؤسسة طيران خاصة لنقل البريد جواً من تولوز Toulouse إلى مدينة دَكار Dakar في السنغال. أما كتابه «بريد الجنوب» (1929) Courrier Sud، فهو وليد تأملاته في عزلته في كاب جوبي Cap Jubyفي الصحراء المغربية، حيث عُيّن رئيساً لمهبط للطيران، ونابع من تجربته الخاصة ومن مآسي زملائه الذين سقط كثير منهم في تلك المغامرة.
    التحق سانت إكزوبري بزميليه ميرموزMermoz وغيومه Guillaumet في بوِنُس آيرس Buenos-Aires في العام 1929 وكلف مسؤولية افتتاح خط باتاغونيا Patagonieفي القارة الأمريكية الجنوبية. في هذه الفترة الخصبة في الجهد والنشاط نتجت رواية «طيران الليل» (1931) Vol de nuitالتي حصلت على جائزة فيمينا Fémina وهي تنم على عمق التجربتين المهنية والأدبية لديه.
    ازداد نشاط الكاتب وكثرت مغامراته بعد إفلاس مؤسسة الطيران. سقط بطائرته في الصحراء الليبية في أثناء محاولة لتحطيم رقم قياسي بين باريس وسايغون، وسقط مرة أخرى في تجربة مماثلة، بين نيويورك وأرض النار Tierra del Fuego، في أقصى القارة الأمريكية الجنوبية. أوكلت إليه شركة الطيران الفرنسية دراسات لتوسيع خطوطها؛ وحاضر في سايغون وموسكو وبرلين وكان في كل ترحاله وتجواله يدوّن خواطره وأفكاره.
    حقق إكزوبري مجده الأدبي في العام 1939 بنشره «أرض البشر» Terre des hommes، وهي مجموعة من المقالات منحته عليها الأكاديمية الفرنسية الجائزة الكبرى للرواية قبل أن يعيده النفير العام إلى الطائرة المقاتلة مع بداية الحرب العالمية الثانية. لكن تقدمه في السن منعه من المشاركة في المعركة، فقد كُلّف مهمات استطلاع أغنت تجربته الإنسانية ورؤيته الفكرية.
    بعد هزيمة عام 1940 انتقل سانت إكزوبري إلى نيويورك حيث جاهد، كاتباً ومحاضراً، في تأليب الرأي العام واستنهاض القوى انتصاراً للوطن الجريح المحتل. أصدر «طيار الحرب» (1942) Pilote de guerre (، وفيه استذكار لإحدى مهماته الاستطلاعية فوق مدينة آراس Arras في شمالي فرنسا، ولاقى الكتاب رواجاً كبيراً وصدى هائلاً. وجاءت «رسالة إلى رَهينة» (1943) Lettre à un otage لتهز مشاعر الجمهور العريض، بتحديها للفكر السائد والبربرية العنصرية المسيطرة، فهي نداء إلى جوهر «الآخر»، رغم الفروقات التي هي بنظره غنى للـ «أنا» بدل أن تكون نقيضاً لها. أما رواية «الأمير الصغير» (1943) Le Petit Prince تلك القصة الرمزية، فقد خلدت أسطورة الكاتب الطيار بمئات الترجمات وملايين النسخ في العالم أجمع. وبهدف تحرير وطنه التحق بفوج طيرانه المنتقل إلى المغرب ثم جزيرة كورسيكا، وانتزع بإصراره موافقة على المشاركة بعدد من الطلعات الاستطلاعية فوق فرنسا، وفي 31 من تموز 1944 اختفى بطائرته في طلعته الأخيرة المقررة. هذه الميتة ببزة الفرنسي المقاوم، وهذا الأفول المفاجئ أكمل الأسطورة ورفع صاحبها إلى مصاف الأبطال، وعثر على حطام الطائرة في عام 2004 في عرض البحر المتوسط، قبالة مدينة مرسيليا.
    نُشِرت دفاتر Carnets دي سانت إكزوبري ورسائله Lettres وكذلك «القلعة» Citadelleعام 1948. والأخيرة مخطوطة من مئات الصفحات تحتوي على أفكار وخواطر متعددة ومتشعبة حول إعادة بناء الصرح الإنساني الذي قوضت الحربان العالميتان أسسه الأخلاقية وهدمتا قيمَه الروحية. وقد تناول كُتّاب كثُر سيرة حياته المهنية والنضالية ونتاجه الأدبي، مما سلّط الضوء على حياته الشخصية وأدبه معاً، فبدا رجل فعلٍ وصاحب رؤية أمدت تجربته المهنية قلَمه بالصور والتخيلات، وأضفى القلم عليها بعداً إنسانياً حديثاً وضعه في مرتبة الأدباء الكلاسيكيين ذوي الرؤية المتكاملة للإنسان والكون.
    تأثر سانت إكزوبري بالفيلسوف الألماني نيتشه[ر] Nietzsche لكنه، وإن رفع زملاءَه، أبطال «أرض البشر»، إلى حد المثالية، فهو لم ينزع عنهم صفة الإنسانية. أخذ عن نثانايلNathanaël، تلميذ أندريه جيد André Gide في «الأغذية الأرضية» Les Nourritures terrestres، توقه إلى الحرية، وسعى إلى تأصيلها وتجذيرها في القيم والتراث والدفء الإنساني. انخرط في الفعل على غرار شخصيات أندره مالرو[ر] André Malraux في «الطريق الملكي» La Voie royale، لكنه لم يضفِ على هذا المسلك طابع الفردية والنرجسية المتبجحة. وعدّه الوجوديون العلمانيون existentialistes laïcs نصيراً لهم، إذ إنه يبقي الإنسان حجر الأساس في مداميك فكره لبناء الصرح الإنساني الجديد، أما رجال الدين فقد رأوا فيه حليفاً يشدد على القيم والثوابت الأخلاقية والأخوة الإنسانية، يبحث عن الجوهر والثابت عوضاً عن الطارئ والمتبدّل، يسعى إليه «صاعداً بعناد نحو الله يسأله معنى الأشياء»، «فالمهم هو السعي إلى الهدف وليس الوصول».
    أنطوان جميل زينون
يعمل...
X