في حين أنّ صوت العطاس المزعج ” أتشو..” قد يرافقك على مدار العام فإن الناس يميلون أن يصابوا بنزلات البرد والسعال بشكل أكبر وأكثر تكرارًا حين يكون الطقس باردًا ورطبًا ،وهذه الزيادة الواضحة في المرض لا تنتهي مع زجاجات من دواء السعال، كما أنّ حالات مرضية شديدة كأمراض القلب وأمراض المناعة الذاتية مثل مرض السكري من النوع الأول والتهاب المفاصل الروماتويدي تتفاقم عند المرضى عندما يُقبِل فصل الشتاء بليله الطويل، وهنا ربما قد توصّل الباحثون إلى تفسير لذلك.
يبدو بأنّ الفصول لها تأثير واضح على كيفية عمل جيناتنا، فبعد النظر إلى التعبير الجيني لأكثر من 22000 من الجينات البشرية، اكتشف علماء من جامعة كامبريدج أن حوالي ربع تلك المورّثات أظهر علامات واضحة على التفاوت الموسمي، وقد أظهرت الدراسة أنّ الجينات التي تتدخّل في تنطيم الجهاز المناعي تكون أكثر نشاطًا خلال أشهر الشتاء.
“حقًّا إنّه اكتشاف مدهش ومثير للاهتمام “يقول البروفيسور جون تود المؤلف المساعد في الدراسة ومدير مختبر ويلكوم ترست للالتهاب ومرض السكري، “من الواضح أنّ هذه الدراسة تجيب عن سؤالنا لماذا بعض الأمراض مثل أمراض القلب والأمراض الذهنية تميل لتصبح أسوأ في فصل الشتاء ”
قام الفريق بتحليل دم لأكثر من 16ألف شخص يعيشون في كل من نصفي الكرة الأرضية، فوجدوا أنّ الجينات المسؤولة عن المناعة وخاصةً التي لها علاقة بالالتهاب كانت أكثر نشاطًا خلال فصل الشتاء، في حين أن ذلك سوف يساعد الجسم في محاربة حالات العدوى الثانوية فإن ذلك قد يسبب حالات أكثر جدية مثل التهاب المفاصل الروماتويدي والنوبات القلبية بسبب الزيادة الكبيرة والمفاجئة في العمليات الالتهابية.
إنّ نشاط الجينات الموسمي لأولئك الذين يعيشون في غامبيا لا يتناسب مع نموذج صيف\شتاء كما لوحظ في البلدان الأبعد عن خط الاستواء، إنما نشاط الجينات يكون أعلى حيث الطقس الممطر، وقد عزى الباحثون ذلك إلى أنّ بعض الأمراض المعدية مثل الملاريا تكون أكثر انتشارًا في ذلك الوقت من العام. في أيسلندا هناك تغيّر موسمي قليل في نشاط الجينات من الممكن أن يعود إلى أنه هناك 24 ساعة نهار يليها 24 ساعة ظلام.
ثمّ يتابع الدكتور كريس والارد أحد مؤلفي الدراسة شارحًا :
“جميعنا يعلم أنّ البشر يتكيفون مع التغيّرات المناخية، ودراستنا تقترح أنّ سكان المناطق الاستوائية يبدون تغيّرات موسمية مغايرة عمن يعيشون في مناطق اخرى، ولكنّ الفرق أنّ تلك التغيّرات تكون خلال فصول أقل تميُّزًا وتحديدًا مقارنةً بسكان المناطق عند درجات عرض أعلى وأدنى من خط الاستواء”
ما لم يستطع العلماء حسمه بعد هو إذا ما كان نشاط الجينات يتأثر بزيادة العدوى في فصل الشتاء أما أنّه هناك إشارة طبيعية أخرى يستخدمها الجسم ليبدأ دورته السنوية، ولكن ما تأكد منه العلماء أنّ التغيرات المناخية-مثل عدد ساعات النهار –يؤثر على الساعة البيولوجية الداخلية لأجسادنا وبالتالي على عمل جيناتنا .
المثير للاهتمام في الموضوع أن الأبحاث قد تساعدنا على إيجاد الموعد الصحيح لإعطاء اللقاح، فقد وجد الباحثون أن الجينات المرتبطة باستجابة الناس للتلقيح تميل لتكون أكثر نشاطًا خلال فصل الشتاء، لذلك التلقيح سيكون أكثر نجاحا إذا ما تم خلال فصل الشتاء، فعندها يكون الجهاز المناعي في حالة استعداد وبأتَمّ جهوزيته.
ليست بالفكرة السيئة أن تبحث عن القليل من الشمس بين الحين والآخر خلال فصل الشتاء لتشعر بتحسّن في صحتك.