استغلال ألوان الطبيعة لمشاهد أكثر حيوية
التعامل مع الألوان في الطبيعة يختلف اليوم عنه في بداية عهد الأفلام الملونة ، وليس من الجائز إبقاء عملية الإلتقاط فوضوية وغير مدروسة .
من هنا نقدم بعض المباديء الأساسية لاستغلال أقل البقع الملونة على طريق بعث الحياة في مشاهد كئيبة أو الوصول إلى تأثيرات دراماتيكية أو تجريدية .
غالباً ما تعمل الألوان البـراقـة عـلى جـذب انتباهنا ؛ ومع وجود فيلم ملون في الـكـامـيـرا يصبـح من الصعب مقـاومـة إغـراءات مـلء الإطار بالألوان البراقة ـ حمراء وصفراء وزرقاء ـ على أن الألوان تحتاج إلى التعامل معها بدقة وعنايـة ، وغالباً ما تؤدي الطريقة الماهرة إلى إعطاء افضـل النتـائـج فالنفحة اللونية الواحدة في لقطة رتيبة على وجه العموم ، تستطيع بعث عنصر دراماتيكي يتجاوز ما تبعثه عشرات الألوان المتنافسة .
في بداية عهد التصـويـر الفـوتـوغـرافي الملون ، كـانت الأفلام المتوفرة بطيئة ، وذات مقـدرة تحـول ضعيفـة ، لذلك وللحصول على نتـائـج فـالة كانت الألوان الفاقعـة البـراقـة والاضاءة القوية ضرورية تقريباً اما الافلام الحديثة التي تستطيع تسجيل حتى أقل التغييرات في التدرج اللوني ، مع المحـافـظة على التشبـع اللوني الكلي فستنجز مهامها بشكل جيد تحت ظروف هائلة التفاوت . والحقيقة ان الألوان البراقة والضـوء الفظ قد تكون بالغة التسلط إلى حد ما ، وكثيراً جداً ما تستدعي التعامل معها بدقة وعناية في سبيل تجنب الألوان المتضاربة والمبالغات في التباين الضوئي .
- مشاهدة الألوان :
من المشكلات المعنية هنا ان العين تشاهد بمقدرة على الاختيار تفوق مقدرة الكاميرا . فالعرض المتفاوت والممتع المثير بالألوان الطبيعية في متجر لبيع الأزهار قد يبدو مـلينـا بـالامـكـانـات الفوتوغرافية ، الا ان الكثيرين ممن يحاولون تسجيل مشهد من هذا القبيل ، ينتهون إلى نتائـج
مخيبة للآمـال ، ذلك ان الألوان تتضـارب وتـخـلـخـل تـوازن الصورة كما يبدو انهـا تفقد تلألؤهـا الأساسي كله ، بينما يتنافس كل لون مع الآخر لتكـون السيطرة له وحده من المحتمل عدم ملاحظة ذلك قبل الالتقاط وذلك بسبب التصرف الذي تبديه العين في اختيـارهـا لمـواقـع الاهتمام كل على حده حيث ترفض غريزيا ان تركز على عناصر متضاربة .
هذا ، وقد يكون مفتاح النجاح في التعامل مع الألوان هو في تعلم المشاهدة كما تشاهد الكاميرا . بحيث يتم اخـتـيـار الألوان التي تسهم بتحقيق التأثير المرغوب وإستثناء تلك التي لا تفعل ذلك وهنالك أهمية مماثلة تنصب على تحـديـد بقعـة اللون الصغيرة الواحدة التي ستبعث الحيوية في المشهد ، وتبتدع صورة مثيرة للأحاسيس بالفعل .
هذا ، وتشتـرك الكـائـنـات البشرية مع الكثير من الحيوانات الأخـرى بإدراك غريزي لأهمية الألوان البراقة ، حيث أن انتباهنا ينجذب اليها بشكل لا مجال لتجنبه تقريباً ولا بد من الانتباه لهذه الناحية خلال الالتقاط .
تجدر الإشارة هنا إلى أن الألوان الصافية البراقة نادرة نسبياً في العالم الطبيعي فالسيطرة هي للألوان الخفيفة - من خضراء وبنيـة ورمـاديـة - والحقيقة ان الكثير من المخلوقات والنباتات تكون مموهة بحذاقة وتعتـزج مـع المنظر الطبيعي بتـطفـل الا ان بعض الاشكال الحياتية تحتاج إلى الوان قوية حتى تبـرز بشجـاعـة وتجذب الاهتمام اليها ، أمثـال زهرة ذات لون اصفر براق ، او ثمرة توت ذات لون احمر فاقع .
هذا ، وتشتـرك الكـائـنـات البشرية مع الكثير من الحيوانات الأخـرى بإدراك غريزي لأهمية الألوان البراقة ، حيث أن انتباهنا ينجذب اليها بشكل لا مجال لتجنبه تقريباً ، ولا بد من الانتباه لهذه الناحية خلال الالتقاط .
ففي منظر طبيعي جبلي مليء بالتشكيلات الصخرية الضخمة والدراماتيكية ولكنها تميل إلى اللون الرمادي على سبيل المثال ، سيتركز اهتمامنا فوراً على الشكل الدقيق لمتسلق بسترة حمراء . قد تكـون لهذه الحـال فـائـدتـهـا وسيئتهـا إذا كان المتسلق هـو موضوع الصـورة ، لا تستدعي الـحـاجـة اعتمـاد الاطار الضيق لجعل هذا المتسلق مسيطراً على تلك الصورة والحقيقة ان الصورة قد تستفيد بالفعـل من تركه صغيراً في الاطار ، وجعله هكـذا متعـارضـا مـع المحيـط الدراماتيكي ، محافظاً مع ذلك على كونه مركز اهتمام الناظر .
- مركز الاهتمام :
من غرائب الأمور أن سيطرة النفحة اللونية . ـ كـالمتسلق في سترته البراقة ـ قد تزداد بروزاً لمجرد انها صغيرة ضمن الاطار . هذا هو المكان حيث القوة النفسانية لبقعـة صغيرة بـراقة الألوان تستدعي التعامل معها بحـذر . فإذا كـان مـا يقصـده المصور الفوتوغرافي هـو إظهار ازلية وضخامة الطبيعة ، لا أهمية لمدى صغر المتسلق الأحمر في الاطار أو مدى عظمة التشكيل الجيولوجي ...
يبقى الخطر بـان الناظر إلى الصورة الفوتوغرافية سيركز اهتمـامـه فـوراً على بقعة اللون الواحـدة . كذلك لا أهميـة لمدى عنصر الإثارة في الوجه ، او مدى ما في الملامح من تعبير ذلك ان اللقطة الخفية لبائع في متجر ازهار قد تقع بسهولة تحت سيطرة الألوان البراقة للأزهار بحد ذاتها في أوضاع من هذا القبيل إذا تكون الطريق نحو لقطة جيدة هي في تشكيل الصـورة بـدقـة وعـنـايـة ، بحيث ان الألوان المعيقة تحسن موضوع الاهتمام الرئيسي ، فإذا عدنا إلى مشهد الجبل . على المتسلق الأحمر أن يكون صغيراً قدر المستطاع ، وان يوضع في الاطار بطريقة توازنه في المشهد مع ما يحيط به - منخفضا وإلى احـد الجوانب ربما ـ اما في حالة بائع الأزهار فيمكن للكاميرا ان تنطبق عليه فتسجله قريبا ، بحيث ان الازهار رغم استمرار ظهورها ، لا تحتل الا جزءاً صغيراً من الإطار بالمقارنة مع ما يحتله الموضوع الرئيسي بل وقد تكون النتيجة اشد فعالية حتى لو تضمن الاطار ازهـاراً من لون واحد فقط ولا وجود الا لمركز اهتمام واحد فقط .
- الألوان والحركة :
. نقطة أخرى علينا التنبه لهـا هي ان للألوان المختلفة تاثيرات نفسـانيـة مختلفـة صحيح أن التجاوبات الفردية تجاه الألوان لا تتفاوت الا قليلا ، ولكن يبدو بالفعل ان هناك الواناً معينة تميل لبعث عواطف وطباع معينة وقد حدث للفنانين منذ أمد طويل ان أدركوا هذه المزايا التعبيرية للون . فبيكـاسـو ، في لوحته المسماة « عصر ازرق ، على سبيل المثـال ، استعمـل الأزرق لبعث عنصري الكـابـة والتشاؤم في لوحته عندما رسمها وفي لوحته اللاحقة « عصر وردي » ، استعمل الألوان القرنفلية لبعث مزيد من الأحـاسـيس الغـنـائـيـة والرومانطيقية كما أن هناك رسامين آخرين استخدموا الألوان الحمراء والصفراء القوية للايحاء بالنشوة والانشراح ، بل وحتى الغضب والعنف في أعمالهم .
يبدو فعلا على وجه العموم ان للألوان تـأثيـراتـهـا العـاطفية وكـالـرسـامين ، بـاسـتـطاعـة
المصورين الفـوتـوغـرافيين استخدام ذلك لمنفعتهم ، حيث يتم الايـحـاء بـالـدرامـاتيـكيـة والنشوة والانشراح في صورة ما بتضمينها نفحة حمراء بارزة - رايـة يحملها متظاهر ، أو بذلة مصارع ثيران مثـلا ـ ولكن علينا اختيار وجهة المشاهدة وترتيب المحتوى للتاكيد على أن اللون يسهم في التـاثيـر الذي يبعثـه المشهد .
عنـدمـا نلتقـط بـالألوان ، من الأهمية الانتباه لكيفيـة تـرابـط الألوان مع بعضها البعض وهذا صحيح على وجه الخصوص عنـدمـا يتعلق الأمـر بـالبقعـة الصغيـرة قـويـة اللون عنـدمـا تستخدم للتأثير على المحتوى فتماماً مثلما ان الموسيقى قد تكون متناغمة » أو « متعارضة ، ، كذلك هي الألوان ، قد تتلاءم جيداً مع بعضها البعض منتجـة تـاثيـراً ممتعاً او تتضارب متعـارضـة . والطريقة التخطيطية المعتادة لعـرض ذلك هـو دولاب الألوان الذي تتشكـل فيـه الوان الطيف اللوني ضمن دائـرة ، والألوان التي تلي بعضها بعضاً ـ ازرق واخضر مثلا ـ منمـازجة بشكل متناغم وتلك المـتـقـابـلة متعارضة كأحمر وازرق عندما يحدث لألوان متقابلة أو متكاملة ان تتواجد متجـاورة مع بعضها البعض ، فهي تنفصل بقوة شديدة من الناحية البصرية .
وهكذا ، عنـدمـا نعمل على تشكيل مـحـتـوى صـورة فوتوغرافية ، علينا إبقاء هذه العلاقات في ذهننـا . إذ يمكن استخدامها إما لضبط او تعديل التأثير القوي للألوان ، أو على العكس ، لإحداث تاثير دراماتيكي . فالحياة الساكنة لوعاء معـدوم التدرج اللوني يحتوي على ثمار برتقال وليمون حامض على سبيل المثال ، ستنتج صورة براقة الألوان متناغمة ، أما في الوعاء القرنفلي ، فقد تتضارب الألوان بشكل مرعب .
لكن باستخدام مجرد نفحة من الألوان المتعارضة ، نستـطيـع إبتداع صـور قـويـة ومثيـرة وممتعة ، فالأحمر والأخضر بشكل خاص يتضاربـان بعنف ، إلا أن التأثير يمكن ضبطه واستخدامه لزيادة التـاثـيـر في المـنـاظر الطبيعية . فالمنطقة الصغيرة للأزهـار الـحـمـراء على سـبيـل المثال ، تشع نابضة بالحياة إيجابياً مقابل خلفية من الأعشاب الخضراء هنا ، يصبح التناقض بين المـوضـوع والخلفية هو الميزة الرئيسية في الصورة عندما يستخدم ذلك عمداً ... تماماً على عكس النتائج التي تأتي من الوان متضـاربـة مـوضـوعـة عشوائياً ومضطربة لا تـرابـط بينها . على ان النفحة الخضراء مقابل خلفية بلون احمر براق نـاتي شاذة على وجـه الـعمـوم وذلك بسبب التأثير والعاطفي للأحمر ، وربما لاننا اقل اعتياداً على مشاهدة هذا النوع من العلاقات اللونية في العالم من حولنا .
- إحياء المشهد :
باستطاعة النفحـة اللونية إنجاح الصورة او إتلافها ، عندما تتناغم مع ما يحيط بها تؤمن التركيز لمحتوى متوازن . وعندما تتعارض مع المحيط ، تستطيع البروز كملاحظة يجري التشديد عليهـا في محتـوى دراماتيكي متعـمـد . على ان المشكلة في حـالات كثيرة لن تكون مشكلة ضبط تاثيرات اللون القوي ، بل مشكلة إدخال لون الى مشهد كثيب او يفتقر إلى الحيوية ، خصوصاً في ظروف الضوء الضعيف .
هذا . وبينما الشمس البراقة كثيراً ما تكون شكلا صعباً من أشكال الإضاءة بسبب توهجها المتشابه المتماثل وظلالها الفظة يستطيع الضوء الضعيف بدوره خفض المشهد إلى مجموعة كثيبة من الظليات نصف المتشكلة . وقد يبدو على الشفق الأحمر بـوجه خاص انه يعطي المصور فرصة ضئيلة ، إلا إذا كان هناك غروب دراماتيكي .
لكن مع السعي وراء المشرقات الصغيرة ذات الألوان البراقة فبـاستـطاعـة الشفق الأحمر حنيذاك ان يكون مكتظاً بإمكانات التصوير الفوتوغرافي الجيدة ، كاي وقت آخـر قد يحدث صدفة أن يمـر احـدهم مجتـازاً الشارع الكئيب داخـل مدينة وهو بثياب فاقعة الألوان أو تمـر شاحنة زاهية الطلاء من خلال منظر طبيعي لا حيـاة فيه . ولكن هذه بالذات هي المزايا التي تستطيع التـاثيـر على صورة فوتوغرافية ليس مهماً أن تنطبق العين على المنطقة الملونـة حيث سيتبـع ذلك التقاط بقيـة المنظر . المهم ان النقطة مركز الاهتمام قد إلتقطت :
للمحتوى اهميته طبعاً ، وحتى تنجح النفحة اللونية بإحياء المشهد كله عوضاً عن التطواف في داخله دون تـوقيـع دقيق ينبغي إعتماد الدقة والعنـاية لوضعها في مكان معين وعلى الرغم من عدم وجـود قوانين صارمة تحدد هذا المكان ، لوحظ انها تنجح بإنجاز المقصود منها ربما عندما توضع في مكان يبعد عن الاطار بثلث الطول والعرض . كذلك قد يتحقق النجاح عندما توضع النفحة اللونية على قطر منحرف من الصورة . فالشاحنة على سبيل المثال يمكن دمجها في المنظر الطبيعي بقوة عندما توضع على طريق يخترق الصورة منحرفاً على بعد .
- ضوء في الظلمة :
من الاحتمالات الأخرى وفي مناظر داخل مدينة على وجه الخصوص ، إدخال مصدر ضوئي ضمن اطار الصـورة ، فـاشـارة السير مثلا ، يمكن استخدامها لاحـيـاء شـارع كئيب . هنا . ستذهب فائدة الضوء الواحـد هباءاً اذا تضمن الاطار عدداً آخر من اشارات النيـون ومصـابيـح الشارع كذلك . هذا ، وعندما تدخل اضواء اصطناعية ضمن الاطار ، لا بد من الانتباه إلى أن هذه لا تناسب الفيلم المتوازن مع نور النهار وقد يحدث لأضواء الشارع من نوع « الفلوريسنت او - الزئبق ، أن تـظـهـر بـلون اخضر غريب على الفيلم إلا لدى الاستعانة بمرشحات مناسبة رغم ان هذه الأضواء قد تظهر بيضاء اللون أمام العين كذلك تـوجـد لاضـواء و التانغستن المنـزليـة مسـحـة لون برتقالي مميزة ، رغم ان هـذه يمـكـن استغلالها بشكل مفيد ... فالنافذة الواحدة المضاءة في كوخ منعزل ضمن منظر طبيعي عند الغسق على سبيل المثال ، ستضيف حرارة الى الصورة نتيجة لما تضفيه من لون حمراوي » .
على ان مـدى التـاثيـر الذي تبعثه النفحة اللونية قد يتوقف على ما نعتمده من معدات في نهاية المطاف . فقد تستطيع مثلا عزل منطقة مشرقة ملونة ضمن تدرج لوني واحـد بصنـع اطار ضيـق قريب ، مع الاستعانة بعدسة تركيز طويل . كما انه قد يكون لنـوع الفيلم تـاثيـر هـامشي ، فـافـلام الشفافية الملونة البطيئة ـ امثال كوداكروم وساكوراكروم ذات تشبع لوني يفوق ما للافلام السريعة امثال اکتاکروم ۲۰۰ او ٤٠٠ - كذلك فإن افلام السلبية الملونة امثال « گوداکـالار » .وساكوراکالار » وغيرهم تعطي فـرصــة إضافية في مرحلة الطبع . فإذا كنا نطبع لقطاتنا بأنفسنا أو كنا على معرفة وثيقة بمختبر تحميض يساعدنا على ما نريد ، ينبغي أن نتمكن من زيادة قوة لون مرغوب باستعمال مرشحات مناسبة خلال مرحلة التكبير .
علينـا ايضـاً الانتباه إلى أن الألوان قد تبدو بالفعل نـابضة بالحياة أكثر مع التباين الضوئي المنخفض في يوم مكلل بالسحب طالما أن هناك مستوى جيد من التنوير .
فاللون الفـاتـح كالأصفر ، قد يبرز بقوة أشد عندما يلتقط مقابـل خلفية ذات تدرج لوني أكثـر تعتيمـاً . فـي هـذه النـاحـيـة مـن التـصـويـر الفوتوغرافي ـ مثلما هي الحال مع النواحي المماثلة – سيتعـلم المصور الفوتوغرافي المبـدع استخدام أساليب ومهـارات إضافة لفهم تجـاوب الفيلم مع الضوء ، وذلك حتى يوسع مجال ضبطه للصورة⏹
التعامل مع الألوان في الطبيعة يختلف اليوم عنه في بداية عهد الأفلام الملونة ، وليس من الجائز إبقاء عملية الإلتقاط فوضوية وغير مدروسة .
من هنا نقدم بعض المباديء الأساسية لاستغلال أقل البقع الملونة على طريق بعث الحياة في مشاهد كئيبة أو الوصول إلى تأثيرات دراماتيكية أو تجريدية .
غالباً ما تعمل الألوان البـراقـة عـلى جـذب انتباهنا ؛ ومع وجود فيلم ملون في الـكـامـيـرا يصبـح من الصعب مقـاومـة إغـراءات مـلء الإطار بالألوان البراقة ـ حمراء وصفراء وزرقاء ـ على أن الألوان تحتاج إلى التعامل معها بدقة وعنايـة ، وغالباً ما تؤدي الطريقة الماهرة إلى إعطاء افضـل النتـائـج فالنفحة اللونية الواحدة في لقطة رتيبة على وجه العموم ، تستطيع بعث عنصر دراماتيكي يتجاوز ما تبعثه عشرات الألوان المتنافسة .
في بداية عهد التصـويـر الفـوتـوغـرافي الملون ، كـانت الأفلام المتوفرة بطيئة ، وذات مقـدرة تحـول ضعيفـة ، لذلك وللحصول على نتـائـج فـالة كانت الألوان الفاقعـة البـراقـة والاضاءة القوية ضرورية تقريباً اما الافلام الحديثة التي تستطيع تسجيل حتى أقل التغييرات في التدرج اللوني ، مع المحـافـظة على التشبـع اللوني الكلي فستنجز مهامها بشكل جيد تحت ظروف هائلة التفاوت . والحقيقة ان الألوان البراقة والضـوء الفظ قد تكون بالغة التسلط إلى حد ما ، وكثيراً جداً ما تستدعي التعامل معها بدقة وعناية في سبيل تجنب الألوان المتضاربة والمبالغات في التباين الضوئي .
- مشاهدة الألوان :
من المشكلات المعنية هنا ان العين تشاهد بمقدرة على الاختيار تفوق مقدرة الكاميرا . فالعرض المتفاوت والممتع المثير بالألوان الطبيعية في متجر لبيع الأزهار قد يبدو مـلينـا بـالامـكـانـات الفوتوغرافية ، الا ان الكثيرين ممن يحاولون تسجيل مشهد من هذا القبيل ، ينتهون إلى نتائـج
مخيبة للآمـال ، ذلك ان الألوان تتضـارب وتـخـلـخـل تـوازن الصورة كما يبدو انهـا تفقد تلألؤهـا الأساسي كله ، بينما يتنافس كل لون مع الآخر لتكـون السيطرة له وحده من المحتمل عدم ملاحظة ذلك قبل الالتقاط وذلك بسبب التصرف الذي تبديه العين في اختيـارهـا لمـواقـع الاهتمام كل على حده حيث ترفض غريزيا ان تركز على عناصر متضاربة .
هذا ، وقد يكون مفتاح النجاح في التعامل مع الألوان هو في تعلم المشاهدة كما تشاهد الكاميرا . بحيث يتم اخـتـيـار الألوان التي تسهم بتحقيق التأثير المرغوب وإستثناء تلك التي لا تفعل ذلك وهنالك أهمية مماثلة تنصب على تحـديـد بقعـة اللون الصغيرة الواحدة التي ستبعث الحيوية في المشهد ، وتبتدع صورة مثيرة للأحاسيس بالفعل .
هذا ، وتشتـرك الكـائـنـات البشرية مع الكثير من الحيوانات الأخـرى بإدراك غريزي لأهمية الألوان البراقة ، حيث أن انتباهنا ينجذب اليها بشكل لا مجال لتجنبه تقريباً ولا بد من الانتباه لهذه الناحية خلال الالتقاط .
تجدر الإشارة هنا إلى أن الألوان الصافية البراقة نادرة نسبياً في العالم الطبيعي فالسيطرة هي للألوان الخفيفة - من خضراء وبنيـة ورمـاديـة - والحقيقة ان الكثير من المخلوقات والنباتات تكون مموهة بحذاقة وتعتـزج مـع المنظر الطبيعي بتـطفـل الا ان بعض الاشكال الحياتية تحتاج إلى الوان قوية حتى تبـرز بشجـاعـة وتجذب الاهتمام اليها ، أمثـال زهرة ذات لون اصفر براق ، او ثمرة توت ذات لون احمر فاقع .
هذا ، وتشتـرك الكـائـنـات البشرية مع الكثير من الحيوانات الأخـرى بإدراك غريزي لأهمية الألوان البراقة ، حيث أن انتباهنا ينجذب اليها بشكل لا مجال لتجنبه تقريباً ، ولا بد من الانتباه لهذه الناحية خلال الالتقاط .
ففي منظر طبيعي جبلي مليء بالتشكيلات الصخرية الضخمة والدراماتيكية ولكنها تميل إلى اللون الرمادي على سبيل المثال ، سيتركز اهتمامنا فوراً على الشكل الدقيق لمتسلق بسترة حمراء . قد تكـون لهذه الحـال فـائـدتـهـا وسيئتهـا إذا كان المتسلق هـو موضوع الصـورة ، لا تستدعي الـحـاجـة اعتمـاد الاطار الضيق لجعل هذا المتسلق مسيطراً على تلك الصورة والحقيقة ان الصورة قد تستفيد بالفعـل من تركه صغيراً في الاطار ، وجعله هكـذا متعـارضـا مـع المحيـط الدراماتيكي ، محافظاً مع ذلك على كونه مركز اهتمام الناظر .
- مركز الاهتمام :
من غرائب الأمور أن سيطرة النفحة اللونية . ـ كـالمتسلق في سترته البراقة ـ قد تزداد بروزاً لمجرد انها صغيرة ضمن الاطار . هذا هو المكان حيث القوة النفسانية لبقعـة صغيرة بـراقة الألوان تستدعي التعامل معها بحـذر . فإذا كـان مـا يقصـده المصور الفوتوغرافي هـو إظهار ازلية وضخامة الطبيعة ، لا أهمية لمدى صغر المتسلق الأحمر في الاطار أو مدى عظمة التشكيل الجيولوجي ...
يبقى الخطر بـان الناظر إلى الصورة الفوتوغرافية سيركز اهتمـامـه فـوراً على بقعة اللون الواحـدة . كذلك لا أهميـة لمدى عنصر الإثارة في الوجه ، او مدى ما في الملامح من تعبير ذلك ان اللقطة الخفية لبائع في متجر ازهار قد تقع بسهولة تحت سيطرة الألوان البراقة للأزهار بحد ذاتها في أوضاع من هذا القبيل إذا تكون الطريق نحو لقطة جيدة هي في تشكيل الصـورة بـدقـة وعـنـايـة ، بحيث ان الألوان المعيقة تحسن موضوع الاهتمام الرئيسي ، فإذا عدنا إلى مشهد الجبل . على المتسلق الأحمر أن يكون صغيراً قدر المستطاع ، وان يوضع في الاطار بطريقة توازنه في المشهد مع ما يحيط به - منخفضا وإلى احـد الجوانب ربما ـ اما في حالة بائع الأزهار فيمكن للكاميرا ان تنطبق عليه فتسجله قريبا ، بحيث ان الازهار رغم استمرار ظهورها ، لا تحتل الا جزءاً صغيراً من الإطار بالمقارنة مع ما يحتله الموضوع الرئيسي بل وقد تكون النتيجة اشد فعالية حتى لو تضمن الاطار ازهـاراً من لون واحد فقط ولا وجود الا لمركز اهتمام واحد فقط .
- الألوان والحركة :
. نقطة أخرى علينا التنبه لهـا هي ان للألوان المختلفة تاثيرات نفسـانيـة مختلفـة صحيح أن التجاوبات الفردية تجاه الألوان لا تتفاوت الا قليلا ، ولكن يبدو بالفعل ان هناك الواناً معينة تميل لبعث عواطف وطباع معينة وقد حدث للفنانين منذ أمد طويل ان أدركوا هذه المزايا التعبيرية للون . فبيكـاسـو ، في لوحته المسماة « عصر ازرق ، على سبيل المثـال ، استعمـل الأزرق لبعث عنصري الكـابـة والتشاؤم في لوحته عندما رسمها وفي لوحته اللاحقة « عصر وردي » ، استعمل الألوان القرنفلية لبعث مزيد من الأحـاسـيس الغـنـائـيـة والرومانطيقية كما أن هناك رسامين آخرين استخدموا الألوان الحمراء والصفراء القوية للايحاء بالنشوة والانشراح ، بل وحتى الغضب والعنف في أعمالهم .
يبدو فعلا على وجه العموم ان للألوان تـأثيـراتـهـا العـاطفية وكـالـرسـامين ، بـاسـتـطاعـة
المصورين الفـوتـوغـرافيين استخدام ذلك لمنفعتهم ، حيث يتم الايـحـاء بـالـدرامـاتيـكيـة والنشوة والانشراح في صورة ما بتضمينها نفحة حمراء بارزة - رايـة يحملها متظاهر ، أو بذلة مصارع ثيران مثـلا ـ ولكن علينا اختيار وجهة المشاهدة وترتيب المحتوى للتاكيد على أن اللون يسهم في التـاثيـر الذي يبعثـه المشهد .
عنـدمـا نلتقـط بـالألوان ، من الأهمية الانتباه لكيفيـة تـرابـط الألوان مع بعضها البعض وهذا صحيح على وجه الخصوص عنـدمـا يتعلق الأمـر بـالبقعـة الصغيـرة قـويـة اللون عنـدمـا تستخدم للتأثير على المحتوى فتماماً مثلما ان الموسيقى قد تكون متناغمة » أو « متعارضة ، ، كذلك هي الألوان ، قد تتلاءم جيداً مع بعضها البعض منتجـة تـاثيـراً ممتعاً او تتضارب متعـارضـة . والطريقة التخطيطية المعتادة لعـرض ذلك هـو دولاب الألوان الذي تتشكـل فيـه الوان الطيف اللوني ضمن دائـرة ، والألوان التي تلي بعضها بعضاً ـ ازرق واخضر مثلا ـ منمـازجة بشكل متناغم وتلك المـتـقـابـلة متعارضة كأحمر وازرق عندما يحدث لألوان متقابلة أو متكاملة ان تتواجد متجـاورة مع بعضها البعض ، فهي تنفصل بقوة شديدة من الناحية البصرية .
وهكذا ، عنـدمـا نعمل على تشكيل مـحـتـوى صـورة فوتوغرافية ، علينا إبقاء هذه العلاقات في ذهننـا . إذ يمكن استخدامها إما لضبط او تعديل التأثير القوي للألوان ، أو على العكس ، لإحداث تاثير دراماتيكي . فالحياة الساكنة لوعاء معـدوم التدرج اللوني يحتوي على ثمار برتقال وليمون حامض على سبيل المثال ، ستنتج صورة براقة الألوان متناغمة ، أما في الوعاء القرنفلي ، فقد تتضارب الألوان بشكل مرعب .
لكن باستخدام مجرد نفحة من الألوان المتعارضة ، نستـطيـع إبتداع صـور قـويـة ومثيـرة وممتعة ، فالأحمر والأخضر بشكل خاص يتضاربـان بعنف ، إلا أن التأثير يمكن ضبطه واستخدامه لزيادة التـاثـيـر في المـنـاظر الطبيعية . فالمنطقة الصغيرة للأزهـار الـحـمـراء على سـبيـل المثال ، تشع نابضة بالحياة إيجابياً مقابل خلفية من الأعشاب الخضراء هنا ، يصبح التناقض بين المـوضـوع والخلفية هو الميزة الرئيسية في الصورة عندما يستخدم ذلك عمداً ... تماماً على عكس النتائج التي تأتي من الوان متضـاربـة مـوضـوعـة عشوائياً ومضطربة لا تـرابـط بينها . على ان النفحة الخضراء مقابل خلفية بلون احمر براق نـاتي شاذة على وجـه الـعمـوم وذلك بسبب التأثير والعاطفي للأحمر ، وربما لاننا اقل اعتياداً على مشاهدة هذا النوع من العلاقات اللونية في العالم من حولنا .
- إحياء المشهد :
باستطاعة النفحـة اللونية إنجاح الصورة او إتلافها ، عندما تتناغم مع ما يحيط بها تؤمن التركيز لمحتوى متوازن . وعندما تتعارض مع المحيط ، تستطيع البروز كملاحظة يجري التشديد عليهـا في محتـوى دراماتيكي متعـمـد . على ان المشكلة في حـالات كثيرة لن تكون مشكلة ضبط تاثيرات اللون القوي ، بل مشكلة إدخال لون الى مشهد كثيب او يفتقر إلى الحيوية ، خصوصاً في ظروف الضوء الضعيف .
هذا . وبينما الشمس البراقة كثيراً ما تكون شكلا صعباً من أشكال الإضاءة بسبب توهجها المتشابه المتماثل وظلالها الفظة يستطيع الضوء الضعيف بدوره خفض المشهد إلى مجموعة كثيبة من الظليات نصف المتشكلة . وقد يبدو على الشفق الأحمر بـوجه خاص انه يعطي المصور فرصة ضئيلة ، إلا إذا كان هناك غروب دراماتيكي .
لكن مع السعي وراء المشرقات الصغيرة ذات الألوان البراقة فبـاستـطاعـة الشفق الأحمر حنيذاك ان يكون مكتظاً بإمكانات التصوير الفوتوغرافي الجيدة ، كاي وقت آخـر قد يحدث صدفة أن يمـر احـدهم مجتـازاً الشارع الكئيب داخـل مدينة وهو بثياب فاقعة الألوان أو تمـر شاحنة زاهية الطلاء من خلال منظر طبيعي لا حيـاة فيه . ولكن هذه بالذات هي المزايا التي تستطيع التـاثيـر على صورة فوتوغرافية ليس مهماً أن تنطبق العين على المنطقة الملونـة حيث سيتبـع ذلك التقاط بقيـة المنظر . المهم ان النقطة مركز الاهتمام قد إلتقطت :
للمحتوى اهميته طبعاً ، وحتى تنجح النفحة اللونية بإحياء المشهد كله عوضاً عن التطواف في داخله دون تـوقيـع دقيق ينبغي إعتماد الدقة والعنـاية لوضعها في مكان معين وعلى الرغم من عدم وجـود قوانين صارمة تحدد هذا المكان ، لوحظ انها تنجح بإنجاز المقصود منها ربما عندما توضع في مكان يبعد عن الاطار بثلث الطول والعرض . كذلك قد يتحقق النجاح عندما توضع النفحة اللونية على قطر منحرف من الصورة . فالشاحنة على سبيل المثال يمكن دمجها في المنظر الطبيعي بقوة عندما توضع على طريق يخترق الصورة منحرفاً على بعد .
- ضوء في الظلمة :
من الاحتمالات الأخرى وفي مناظر داخل مدينة على وجه الخصوص ، إدخال مصدر ضوئي ضمن اطار الصـورة ، فـاشـارة السير مثلا ، يمكن استخدامها لاحـيـاء شـارع كئيب . هنا . ستذهب فائدة الضوء الواحـد هباءاً اذا تضمن الاطار عدداً آخر من اشارات النيـون ومصـابيـح الشارع كذلك . هذا ، وعندما تدخل اضواء اصطناعية ضمن الاطار ، لا بد من الانتباه إلى أن هذه لا تناسب الفيلم المتوازن مع نور النهار وقد يحدث لأضواء الشارع من نوع « الفلوريسنت او - الزئبق ، أن تـظـهـر بـلون اخضر غريب على الفيلم إلا لدى الاستعانة بمرشحات مناسبة رغم ان هذه الأضواء قد تظهر بيضاء اللون أمام العين كذلك تـوجـد لاضـواء و التانغستن المنـزليـة مسـحـة لون برتقالي مميزة ، رغم ان هـذه يمـكـن استغلالها بشكل مفيد ... فالنافذة الواحدة المضاءة في كوخ منعزل ضمن منظر طبيعي عند الغسق على سبيل المثال ، ستضيف حرارة الى الصورة نتيجة لما تضفيه من لون حمراوي » .
على ان مـدى التـاثيـر الذي تبعثه النفحة اللونية قد يتوقف على ما نعتمده من معدات في نهاية المطاف . فقد تستطيع مثلا عزل منطقة مشرقة ملونة ضمن تدرج لوني واحـد بصنـع اطار ضيـق قريب ، مع الاستعانة بعدسة تركيز طويل . كما انه قد يكون لنـوع الفيلم تـاثيـر هـامشي ، فـافـلام الشفافية الملونة البطيئة ـ امثال كوداكروم وساكوراكروم ذات تشبع لوني يفوق ما للافلام السريعة امثال اکتاکروم ۲۰۰ او ٤٠٠ - كذلك فإن افلام السلبية الملونة امثال « گوداکـالار » .وساكوراکالار » وغيرهم تعطي فـرصــة إضافية في مرحلة الطبع . فإذا كنا نطبع لقطاتنا بأنفسنا أو كنا على معرفة وثيقة بمختبر تحميض يساعدنا على ما نريد ، ينبغي أن نتمكن من زيادة قوة لون مرغوب باستعمال مرشحات مناسبة خلال مرحلة التكبير .
علينـا ايضـاً الانتباه إلى أن الألوان قد تبدو بالفعل نـابضة بالحياة أكثر مع التباين الضوئي المنخفض في يوم مكلل بالسحب طالما أن هناك مستوى جيد من التنوير .
فاللون الفـاتـح كالأصفر ، قد يبرز بقوة أشد عندما يلتقط مقابـل خلفية ذات تدرج لوني أكثـر تعتيمـاً . فـي هـذه النـاحـيـة مـن التـصـويـر الفوتوغرافي ـ مثلما هي الحال مع النواحي المماثلة – سيتعـلم المصور الفوتوغرافي المبـدع استخدام أساليب ومهـارات إضافة لفهم تجـاوب الفيلم مع الضوء ، وذلك حتى يوسع مجال ضبطه للصورة⏹
تعليق