توافق المنطق السريالي والمفاهيمية المطلقة في التجربة التشكيلية لماري توما وأيمن بعلبكي Mary Tuma Ayman Baalbaki
بشرى بن فاطمة
053 4 دقائق
تتسم التجارب التشكيلية العربية المعاصرة بالاختلاف عن التجربة الغربية في منطقها التعبيري ومنطلقها التصوري للواقع والخيال ومدى استيعابه وتفكيكه وتوظيف الفلسفة البصرية في موازينه من خلال التمازج الأسلوبي للتكامل في المعنى وتحرير الرمز والدلالة وهو ما يجعل التجريب حكمة المنجز الفني التي تتيح له أن يتحمّل منطق الجرأة والإثارة بالغموض.
فهي كتجربة متفرّدة بخصوصيات تفاصيلها، غارقة في واقعيتها ومنطقها الجمالي للمشهد من السطح إلى العمق والعكس، لتحريرها من بؤسها بالرمزيات الدلالية والنبش في علاماتها لاقتلاعها من مآسيها وقراءة خيالها وموقفها بصريا وهو ما يثيرها لتعمّم منافذ الأمل في التكنيك والمفهوم.
*Ayman Baalbaki Peugeot 404
ولعل البحث والنضج والتحول المرحلي أكسبها التمازج والتنوع والتنويع وتداخل الأساليب ومرونة استيعابها للمعنى الدلالي التشكيلي ما أكسبها الخصوصية.
وهو ما سعت له الفلسطينية الايرلاندية ماري توما واللبناني أيمن بعلبكي في بعض التصورات التي انطلقت من السريالية كرؤية للموقف الفني وتصوراته وعبّرت عنها مفاهيميا كأسلوب عرض واستدراج حسي وفكري واستدلال فني وجمالي تجريبي.
Mary Tuma
Ayman Baalbaki
فالأساليب الفنية لما بعد الحداثة ومنها المفاهيمية لم تفصل التجربة التشكيلية والبصرية عن واقعها ولا عن تمكين الأساليب الحديثة من استيعاب منطقها بكل تعبيراته ودلالاته وتداخلاته وما تتحمّله من كثافة في المعنى والأسلوب.
فهذه التجربة استطاعت أن تكسب التعبير واقعه العميق ذهنيا وحسيا ومعنويا وفق مقاصد ودلالات تمازجت مع السياقات وتوجهها المستقل بقواعده وقيمه وتركيبته البنيوية في الأداء والتجسيد والتجلي فهي بصدمتها وصداماتها بهلوسات الخامة والتركيب والأداء لم تختلف عن السريالية ولا عن حالاتها المجنونة في التصورات.
*Mary Tuma
لأن امتلاك الأسلوب السريالي المعاصر يحيل على الحلم الذي يمشي على حواف الواقع متشحا بعتمة موغلة في تشاؤمها الباحث عن بريق النور، أما المفاهيمية فهي انعتاق كامل من قوالب الانتماء الى الشكل في بحث عن بساطة التصورات التي تعبّر بلا تكلف مادي انطلاقا من فهم ذلك الواقع واختلاج الفكرة بحواس التفكّر.
والفارق بينهما هو التحول من الصدمة بالصورة إلى صدام الفكرة والمفهوم وهنا تمكنت التجربة السريالية والمفاهيمية في تمازجها من استيعاب ضرورات الصور وما وراء المعنى وتدفق الخيال مع العرض والأداء بالحرفية وهي التي بحث عنها كل من ماري توما وأيمن بعلبكي، فرغم أن التجربيتن مختلفتي الانتماء والمعايشة والتعبير في منهجه ومساره إلا أن ما يجمع بينها هو أنها تعبّر عن المكان وعن الوجود عن الذات والكيان عن الوطن والمنفى عن المتاح والمسبي في عمق التشرد الغارق في الوحشية والإنسانية المشتّتة بين مفهومي البقاء والفناء.
*Ayman Baalbaki Peugeot 404/detailsتفاصيل
فابتكار المنطق السريالي ومزجه بالتصور المفهومي التشكيلي في التجربتين حمل أهميته التعبيرية الجادة والملتزمة بقضاياها ومواقفها الجمالية التي تسطع بغرابة مكوناتها الفنية لتثير فكرة اللامعقول من الواقع من مواضيعه ومضامينه وظروفه ومآسيه مجادلة به الخيال.
فتجربتهما حملت هوية انتمائها ومن خلال المنهج السريالي عمّقت المتخيّل لتدمجه تعبيريا معها برسم خطوط التصور ومداه الغرائبي لتكوّن صورها بتأثر مداها الواسع ولتؤسس للفكرة والتفكير وتفكيك الرؤى وتجميعها بصريا وتركيبها مع معطيات الأحداث.
حيث تبدو تجربة الفنان اللبناني أيمن بعلبكي مشحونة بالواقع ولكن في رغبة متمرّدة يتخلص من جمود ذلك الواقع وقسوة الانتظار في فكرة التشرّد حيث تجسّد أعماله تطرّف الحرب والتهجير والاقتلاع من الأمكنة وتأثيراتها الحسية والنفسية التي بدورها تصبح ملاذا للموت والدمار والخراب.
فالصورة التي تعلق في ذاكرة المعاناة هي تلك الأجساد التي يكسوها الهلع والمنهكة بثقل ما تحمل والمبتعدة بصمت صاخب، فحشد الأفكار والصور والتفاصيل يشبع حركة التشابك الفكرية وتطابقها مع الخيال الذي لا ينفصل عن واقعه وانتمائه وتفاصيله الدقيقة البسيطة والمعقدة في الفهم والشرح والتصوير، لتخضع فكرة التهجير لرمزية المفهوم الذي يجادل وجوديا الموت اللامرغوب إذ يصارعها بالتشبث بالبقاء حتى من المبالغة في علاماته اليومية في السيارات في ديك الصباح والانتساب للأمكنة في ضباب الفزع والعتمة في مفاهيم السيارات واستمرارية البحث عن الأمان ليستذكر منها عمق التشبث الحسي الذي يقوده لملامسة النور.
*Ayman Baalbaki
وهو ما يفسّر كم الأشياء التي يحملها وثقل الذاكرة التي تستذكر وتحلم تنتفض وتلتفت للموت بسخرية تستوطن القتامة وتراكم الأشياء وتراص الأغراض التي تثير ثقلا مفهومه وصوره السريالية ليتجاوز المادي نحو المعنوي كثقل الأوطان المهزوزة بالخوف والصدام بزحمة الانتظار في الملاجئ والمنافي.
أما في تجربة الايرلاندية الفلسطينية ماري توما فإنها تعتبر المفاهيمية عمقا لأحلام خيالها وجنون تجربتها التي تجسّدها في الفكرة الوطن وذاكرة الانتماء وجغرافيا الوجود بكل ما فيها من تناقضات المعايشة والتهجير التقسيم والانكسار التواصل بين الأرض والسماء الروح والجسد وعلاقتها بالموت والبقاء وخلود الذاكرة في فكرة الأثواب السوداء الطويلة وانسيابها لتعبّر عن المنازل التي تسكنها الأرواح الصاعدة إلى السماء وهي تنهي درب المعايشة والمقاومة لتطلق رمزية الخلود من فكرة الانتماء والهوية.
إن ماري تستوطن الذاكرة من المادي الى المعنوي وهي تثير مساحة وأفق الوطن الذي يتشابك فيه الجسد مع حدوده الضيّقة وتناقضات الأفق فالأثواب تتمزّق وتترتّق لتنفلت أبعد وأوسع في ثنائية التماس الفراغي بين السماء الأرض وحكمة التكوين والوجود.
فهي تثير المتغيّرات التي تنتاب الجسد مع تفاعل الزمن والأحداث والمقاومة والاندثار والتلاشي والصمود بين العقل والاحساس والتواصل والانفصال كلها تفرض على الفن كوابيس الواقع فيتحرّر منها بالفكرة والجمال والأمل والموقف.
*Mary Tuma
فالعلامة المفاهيمية ودلالتها تراوغ الألم في الأرض وتسيّره وفق أنوثتها في تطلعات بصرية للذاكرة والتراث وعراقة الانسان واكتمال بحثه الخصب في التاريخ، كما في عملها الذي صاغته في تجميع الدراجات الهوائية ورمزيّتها الصبيانية وتطلعات الطفولة في احلامها وتشبّثها بالحياة.
إن التجربة المعاصرة في الفنون استطاعت أن تسيطر على مواقفها وتندفع في تعبيراتها وتندمج مع الأساليب الحديثة، رغم واقعها وتداخلاته الكثيفة وأحداثه وتراكماتها الحسية إلا أنها تمكنت من أن تكوّن لها فرص التلاقي الإبداعي، في هذه التجارب المختلفة بين السريالية والمفاهيمية أو الواقعية المفرطة والفيديو آرت والبوب آرت فتفاعلت وتوافقت بابتكاراتها وعبّرت بمرونة حوّلت ما لا يرى إلى منجز له فلسفته البصرية والجمالية.
بشرى بن فاطمة
053 4 دقائق
تتسم التجارب التشكيلية العربية المعاصرة بالاختلاف عن التجربة الغربية في منطقها التعبيري ومنطلقها التصوري للواقع والخيال ومدى استيعابه وتفكيكه وتوظيف الفلسفة البصرية في موازينه من خلال التمازج الأسلوبي للتكامل في المعنى وتحرير الرمز والدلالة وهو ما يجعل التجريب حكمة المنجز الفني التي تتيح له أن يتحمّل منطق الجرأة والإثارة بالغموض.
فهي كتجربة متفرّدة بخصوصيات تفاصيلها، غارقة في واقعيتها ومنطقها الجمالي للمشهد من السطح إلى العمق والعكس، لتحريرها من بؤسها بالرمزيات الدلالية والنبش في علاماتها لاقتلاعها من مآسيها وقراءة خيالها وموقفها بصريا وهو ما يثيرها لتعمّم منافذ الأمل في التكنيك والمفهوم.
*Ayman Baalbaki Peugeot 404
ولعل البحث والنضج والتحول المرحلي أكسبها التمازج والتنوع والتنويع وتداخل الأساليب ومرونة استيعابها للمعنى الدلالي التشكيلي ما أكسبها الخصوصية.
وهو ما سعت له الفلسطينية الايرلاندية ماري توما واللبناني أيمن بعلبكي في بعض التصورات التي انطلقت من السريالية كرؤية للموقف الفني وتصوراته وعبّرت عنها مفاهيميا كأسلوب عرض واستدراج حسي وفكري واستدلال فني وجمالي تجريبي.
Mary Tuma
Ayman Baalbaki
فالأساليب الفنية لما بعد الحداثة ومنها المفاهيمية لم تفصل التجربة التشكيلية والبصرية عن واقعها ولا عن تمكين الأساليب الحديثة من استيعاب منطقها بكل تعبيراته ودلالاته وتداخلاته وما تتحمّله من كثافة في المعنى والأسلوب.
فهذه التجربة استطاعت أن تكسب التعبير واقعه العميق ذهنيا وحسيا ومعنويا وفق مقاصد ودلالات تمازجت مع السياقات وتوجهها المستقل بقواعده وقيمه وتركيبته البنيوية في الأداء والتجسيد والتجلي فهي بصدمتها وصداماتها بهلوسات الخامة والتركيب والأداء لم تختلف عن السريالية ولا عن حالاتها المجنونة في التصورات.
*Mary Tuma
لأن امتلاك الأسلوب السريالي المعاصر يحيل على الحلم الذي يمشي على حواف الواقع متشحا بعتمة موغلة في تشاؤمها الباحث عن بريق النور، أما المفاهيمية فهي انعتاق كامل من قوالب الانتماء الى الشكل في بحث عن بساطة التصورات التي تعبّر بلا تكلف مادي انطلاقا من فهم ذلك الواقع واختلاج الفكرة بحواس التفكّر.
والفارق بينهما هو التحول من الصدمة بالصورة إلى صدام الفكرة والمفهوم وهنا تمكنت التجربة السريالية والمفاهيمية في تمازجها من استيعاب ضرورات الصور وما وراء المعنى وتدفق الخيال مع العرض والأداء بالحرفية وهي التي بحث عنها كل من ماري توما وأيمن بعلبكي، فرغم أن التجربيتن مختلفتي الانتماء والمعايشة والتعبير في منهجه ومساره إلا أن ما يجمع بينها هو أنها تعبّر عن المكان وعن الوجود عن الذات والكيان عن الوطن والمنفى عن المتاح والمسبي في عمق التشرد الغارق في الوحشية والإنسانية المشتّتة بين مفهومي البقاء والفناء.
*Ayman Baalbaki Peugeot 404/detailsتفاصيل
فابتكار المنطق السريالي ومزجه بالتصور المفهومي التشكيلي في التجربتين حمل أهميته التعبيرية الجادة والملتزمة بقضاياها ومواقفها الجمالية التي تسطع بغرابة مكوناتها الفنية لتثير فكرة اللامعقول من الواقع من مواضيعه ومضامينه وظروفه ومآسيه مجادلة به الخيال.
فتجربتهما حملت هوية انتمائها ومن خلال المنهج السريالي عمّقت المتخيّل لتدمجه تعبيريا معها برسم خطوط التصور ومداه الغرائبي لتكوّن صورها بتأثر مداها الواسع ولتؤسس للفكرة والتفكير وتفكيك الرؤى وتجميعها بصريا وتركيبها مع معطيات الأحداث.
حيث تبدو تجربة الفنان اللبناني أيمن بعلبكي مشحونة بالواقع ولكن في رغبة متمرّدة يتخلص من جمود ذلك الواقع وقسوة الانتظار في فكرة التشرّد حيث تجسّد أعماله تطرّف الحرب والتهجير والاقتلاع من الأمكنة وتأثيراتها الحسية والنفسية التي بدورها تصبح ملاذا للموت والدمار والخراب.
فالصورة التي تعلق في ذاكرة المعاناة هي تلك الأجساد التي يكسوها الهلع والمنهكة بثقل ما تحمل والمبتعدة بصمت صاخب، فحشد الأفكار والصور والتفاصيل يشبع حركة التشابك الفكرية وتطابقها مع الخيال الذي لا ينفصل عن واقعه وانتمائه وتفاصيله الدقيقة البسيطة والمعقدة في الفهم والشرح والتصوير، لتخضع فكرة التهجير لرمزية المفهوم الذي يجادل وجوديا الموت اللامرغوب إذ يصارعها بالتشبث بالبقاء حتى من المبالغة في علاماته اليومية في السيارات في ديك الصباح والانتساب للأمكنة في ضباب الفزع والعتمة في مفاهيم السيارات واستمرارية البحث عن الأمان ليستذكر منها عمق التشبث الحسي الذي يقوده لملامسة النور.
*Ayman Baalbaki
وهو ما يفسّر كم الأشياء التي يحملها وثقل الذاكرة التي تستذكر وتحلم تنتفض وتلتفت للموت بسخرية تستوطن القتامة وتراكم الأشياء وتراص الأغراض التي تثير ثقلا مفهومه وصوره السريالية ليتجاوز المادي نحو المعنوي كثقل الأوطان المهزوزة بالخوف والصدام بزحمة الانتظار في الملاجئ والمنافي.
أما في تجربة الايرلاندية الفلسطينية ماري توما فإنها تعتبر المفاهيمية عمقا لأحلام خيالها وجنون تجربتها التي تجسّدها في الفكرة الوطن وذاكرة الانتماء وجغرافيا الوجود بكل ما فيها من تناقضات المعايشة والتهجير التقسيم والانكسار التواصل بين الأرض والسماء الروح والجسد وعلاقتها بالموت والبقاء وخلود الذاكرة في فكرة الأثواب السوداء الطويلة وانسيابها لتعبّر عن المنازل التي تسكنها الأرواح الصاعدة إلى السماء وهي تنهي درب المعايشة والمقاومة لتطلق رمزية الخلود من فكرة الانتماء والهوية.
إن ماري تستوطن الذاكرة من المادي الى المعنوي وهي تثير مساحة وأفق الوطن الذي يتشابك فيه الجسد مع حدوده الضيّقة وتناقضات الأفق فالأثواب تتمزّق وتترتّق لتنفلت أبعد وأوسع في ثنائية التماس الفراغي بين السماء الأرض وحكمة التكوين والوجود.
فهي تثير المتغيّرات التي تنتاب الجسد مع تفاعل الزمن والأحداث والمقاومة والاندثار والتلاشي والصمود بين العقل والاحساس والتواصل والانفصال كلها تفرض على الفن كوابيس الواقع فيتحرّر منها بالفكرة والجمال والأمل والموقف.
*Mary Tuma
فالعلامة المفاهيمية ودلالتها تراوغ الألم في الأرض وتسيّره وفق أنوثتها في تطلعات بصرية للذاكرة والتراث وعراقة الانسان واكتمال بحثه الخصب في التاريخ، كما في عملها الذي صاغته في تجميع الدراجات الهوائية ورمزيّتها الصبيانية وتطلعات الطفولة في احلامها وتشبّثها بالحياة.
إن التجربة المعاصرة في الفنون استطاعت أن تسيطر على مواقفها وتندفع في تعبيراتها وتندمج مع الأساليب الحديثة، رغم واقعها وتداخلاته الكثيفة وأحداثه وتراكماتها الحسية إلا أنها تمكنت من أن تكوّن لها فرص التلاقي الإبداعي، في هذه التجارب المختلفة بين السريالية والمفاهيمية أو الواقعية المفرطة والفيديو آرت والبوب آرت فتفاعلت وتوافقت بابتكاراتها وعبّرت بمرونة حوّلت ما لا يرى إلى منجز له فلسفته البصرية والجمالية.