رواية “تاهيتي” تكشف العقل المدبر لسرقة لوحة فان كوخ
علا سعدي
032 2 دقائق
بعد 8 سنوات على سرقة لوحة “زهور الخشخاش” الشهيرة من متحف مصري، ما زال الغموض يلف القضية التي شغلت الوسط الفني العالمي، لكن الأدب قرر أن يقول كلمته، مع صدور رواية “تاهيتي” للكاتب المصري الشاب عمرو حسين. الرواية -الصادرة في نوفمبر2017، تنطلق من أحداث السرقة الغريبة، ما يدفعك إلى التهام الصفحات التهاماً.
أحداث الرواية حصلت بالفعل، وتحديداً في 22 أغسطس 2010، لتصبح السرقة الثانية لـ “لوحة زهور الخشخاش Poppy Flowers ” – والمشهورة عالمياً باسم “زهرية وزهور Vase and Flowers ” – من متحف محمد محمود خليل وحرمه بالقاهرة. نجح الكاتب في مزج الأحداث الواقعية مع الأحداث المتخيلة، فيتصور القارئ أن ذلك ما حدث فعلاً، وأن تلك السرقة تمت كما تخيلها عمرو حسين. وجاء وصف متحف محمد محمود خليل وحرمه، بطوابقه الثلاثة والمداخل والمخارج وأيضاً الأعمال الفنية داخله، دقيقاً وغير ممل. ويُعد وصف مدينة البندقية “فينيسيا” بإيطاليا من أفضل أجزاء الرواية.
خطة السرقة: العقل المدبر يبدأ العد التنازلي
“باولو جارديني” تاجر اللوحات الأصلية والنادرة، الذي ارتبط اسمه بالفنون خاصة التصوير الزيتي، هو العقل المدبر لكثير من السرقات الفنية لأندر اللوحات، التي لم يستطع أحد تتبعها أو فك غموضها. يُطلب منه سرقة “لوحة زهور الخشخاش” من متحف محمد محمود خليل وحرمه، مقابل حصوله على إحدى لوحات غوغان الملقبة بـ “في الأيام الخوالي”. يلتقي “جارديني” في مصر بـ”آدم” أستاذ التصوير الزيتي، ونائب رئيس قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة، الأربعيني، والذي غرست به والدته الإسكتلندية حب الفن والموسيقى والجمال منذ نعومة أظافره.
المجرم الحقيقي: الإهمال والفساد وتردي الذوق العام
إذا كيف تتم السرقة” وما علاقة “جارديني” بـ”آدم”؟ وما مصير اللوحة؟ ومصير كل منهم؟ هذا ما يستعرضه الكاتب في أسلوب سردي وحواري بسيط وسهل الفهم. ويعدد في سياق الرواية أعمالاً فنية عدة، كما يتطرق إلى تدني المستوى الثقافي وتردي الذائقة للأعمال الفنية الراقية.
كما يتطرق لوضع كليات الفنون الجميلة وطلابها، ومدى التدهور والانغلاق الفكري الذي أصابهم، ويكشف حجم الوساطة والفساد في الجامعة من خلال شخصيات زملاء الدكتور “آدم”، الدكتورة “سلوى”، ودكتور” عماد” رئيس القسم.
وفوق كل هذا تتم أحداث سرقة المتحف لتفضح كم التسيب والاستهتار، الذي ضرب بجذوره عمق المصالح الحكومية، من خلال التعامل مع المقتنيات الفنية للمتحف، وافتقار المتحف للبديهيات الأمنية والفنية والعلمية. اللوحة النادرة: سيناريو السرقة للمرة الثانية “زهور الخشخاش” لوحة زيتية حجمها 65* 54 سم (ما يعني سهولة حملها ونقلها)، ويعتقد الخبراء أن فان غوخ رسمها العام ١٨٨٧، أي قبل ٣ سنوات من انتحاره، وتقدر قيمتها بـ ٥٥ مليون دولار. وهذه ليست المرة الأولى التي تتم فيها سرقة اللوحة، إذ سُرقت في ٤ يونيو/حزيران العام ١٩٧٧ من المتحف نفسه، لتتم استعادتها بعد ١٠ سنوات من الكويت بطريقة أشبه بسيناريو فيلم درامي. وسرقة اللوحات أمر معهود في الأوساط الفنية، إذ سبق وسُرق لفان غوخ نفسه ٤ لوحات، استعادت السلطات الإيطالية اثنتين منهما بعد ١٤ عاماً على سرقتهما. وحالياً لا تزال لوحتان مختفيتين حتى كتابة هذه السطور؛ من بينها “زهور الخشخاش”، والأخرى “رسام في طريقه للعمل”. وكشفت التحقيقات المصرية انتشار ٤٣ كاميرا رقمية في المتحف معظمها معطل، وبناء عليه تم توجيه تهمة الإهمال والتقاعس لـ ١١ موظفاً بينهم مسؤول كبير في وزارة الثقافة، وقضت المحكمة بسجنهم ٣ سنوات مع غرامات مالية. ومن أبرز المحكوم عليهم مدير أمن المتحف نفسه ومديرة المتحف. وتبين أن عدد حراس المتحف كان يصل إلى حارس واحد في بعض الأيام، وبأنّ القيمين عليه لا يسجلون أسماء الزوار ولا يفتشونهم قبل وبعد الخروج. كما ثبت أن ٣٧ كاميرا مراقبة كانت معطلة منذ سنوات وكذلك أجهزة الإنذار على اللوحات. واستخدم اللصوص مشرطاً لقص اللوحة من الإطار المحيط بها، علماً أن المتحف المذكور يضم مجموعة كبيرة من أعمال الفن الأوروبي للقرنين التاسع عشر والعشرين. ويضم لوحات لمونيه ورينوار وغيرهما من المبدعين. قد تبدو رواية “تاهيتي” متواضعة بشكل ما، مقارنة بتناول دان براون للأعمال الفنية الكلاسيكية والحديثة في أعماله الروائية، إلا أنها تعد رواية فريدة من نوعها في الأدب العربي، لإلقائها ضوءاً على مشهد الفن التشكيلي في مصر وفتحها باب النقاش حول هذا الجانب الهام من الشخصية الفنية المصرية.
علا سعدي
032 2 دقائق
بعد 8 سنوات على سرقة لوحة “زهور الخشخاش” الشهيرة من متحف مصري، ما زال الغموض يلف القضية التي شغلت الوسط الفني العالمي، لكن الأدب قرر أن يقول كلمته، مع صدور رواية “تاهيتي” للكاتب المصري الشاب عمرو حسين. الرواية -الصادرة في نوفمبر2017، تنطلق من أحداث السرقة الغريبة، ما يدفعك إلى التهام الصفحات التهاماً.
أحداث الرواية حصلت بالفعل، وتحديداً في 22 أغسطس 2010، لتصبح السرقة الثانية لـ “لوحة زهور الخشخاش Poppy Flowers ” – والمشهورة عالمياً باسم “زهرية وزهور Vase and Flowers ” – من متحف محمد محمود خليل وحرمه بالقاهرة. نجح الكاتب في مزج الأحداث الواقعية مع الأحداث المتخيلة، فيتصور القارئ أن ذلك ما حدث فعلاً، وأن تلك السرقة تمت كما تخيلها عمرو حسين. وجاء وصف متحف محمد محمود خليل وحرمه، بطوابقه الثلاثة والمداخل والمخارج وأيضاً الأعمال الفنية داخله، دقيقاً وغير ممل. ويُعد وصف مدينة البندقية “فينيسيا” بإيطاليا من أفضل أجزاء الرواية.
خطة السرقة: العقل المدبر يبدأ العد التنازلي
“باولو جارديني” تاجر اللوحات الأصلية والنادرة، الذي ارتبط اسمه بالفنون خاصة التصوير الزيتي، هو العقل المدبر لكثير من السرقات الفنية لأندر اللوحات، التي لم يستطع أحد تتبعها أو فك غموضها. يُطلب منه سرقة “لوحة زهور الخشخاش” من متحف محمد محمود خليل وحرمه، مقابل حصوله على إحدى لوحات غوغان الملقبة بـ “في الأيام الخوالي”. يلتقي “جارديني” في مصر بـ”آدم” أستاذ التصوير الزيتي، ونائب رئيس قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة، الأربعيني، والذي غرست به والدته الإسكتلندية حب الفن والموسيقى والجمال منذ نعومة أظافره.
المجرم الحقيقي: الإهمال والفساد وتردي الذوق العام
إذا كيف تتم السرقة” وما علاقة “جارديني” بـ”آدم”؟ وما مصير اللوحة؟ ومصير كل منهم؟ هذا ما يستعرضه الكاتب في أسلوب سردي وحواري بسيط وسهل الفهم. ويعدد في سياق الرواية أعمالاً فنية عدة، كما يتطرق إلى تدني المستوى الثقافي وتردي الذائقة للأعمال الفنية الراقية.
كما يتطرق لوضع كليات الفنون الجميلة وطلابها، ومدى التدهور والانغلاق الفكري الذي أصابهم، ويكشف حجم الوساطة والفساد في الجامعة من خلال شخصيات زملاء الدكتور “آدم”، الدكتورة “سلوى”، ودكتور” عماد” رئيس القسم.
وفوق كل هذا تتم أحداث سرقة المتحف لتفضح كم التسيب والاستهتار، الذي ضرب بجذوره عمق المصالح الحكومية، من خلال التعامل مع المقتنيات الفنية للمتحف، وافتقار المتحف للبديهيات الأمنية والفنية والعلمية. اللوحة النادرة: سيناريو السرقة للمرة الثانية “زهور الخشخاش” لوحة زيتية حجمها 65* 54 سم (ما يعني سهولة حملها ونقلها)، ويعتقد الخبراء أن فان غوخ رسمها العام ١٨٨٧، أي قبل ٣ سنوات من انتحاره، وتقدر قيمتها بـ ٥٥ مليون دولار. وهذه ليست المرة الأولى التي تتم فيها سرقة اللوحة، إذ سُرقت في ٤ يونيو/حزيران العام ١٩٧٧ من المتحف نفسه، لتتم استعادتها بعد ١٠ سنوات من الكويت بطريقة أشبه بسيناريو فيلم درامي. وسرقة اللوحات أمر معهود في الأوساط الفنية، إذ سبق وسُرق لفان غوخ نفسه ٤ لوحات، استعادت السلطات الإيطالية اثنتين منهما بعد ١٤ عاماً على سرقتهما. وحالياً لا تزال لوحتان مختفيتين حتى كتابة هذه السطور؛ من بينها “زهور الخشخاش”، والأخرى “رسام في طريقه للعمل”. وكشفت التحقيقات المصرية انتشار ٤٣ كاميرا رقمية في المتحف معظمها معطل، وبناء عليه تم توجيه تهمة الإهمال والتقاعس لـ ١١ موظفاً بينهم مسؤول كبير في وزارة الثقافة، وقضت المحكمة بسجنهم ٣ سنوات مع غرامات مالية. ومن أبرز المحكوم عليهم مدير أمن المتحف نفسه ومديرة المتحف. وتبين أن عدد حراس المتحف كان يصل إلى حارس واحد في بعض الأيام، وبأنّ القيمين عليه لا يسجلون أسماء الزوار ولا يفتشونهم قبل وبعد الخروج. كما ثبت أن ٣٧ كاميرا مراقبة كانت معطلة منذ سنوات وكذلك أجهزة الإنذار على اللوحات. واستخدم اللصوص مشرطاً لقص اللوحة من الإطار المحيط بها، علماً أن المتحف المذكور يضم مجموعة كبيرة من أعمال الفن الأوروبي للقرنين التاسع عشر والعشرين. ويضم لوحات لمونيه ورينوار وغيرهما من المبدعين. قد تبدو رواية “تاهيتي” متواضعة بشكل ما، مقارنة بتناول دان براون للأعمال الفنية الكلاسيكية والحديثة في أعماله الروائية، إلا أنها تعد رواية فريدة من نوعها في الأدب العربي، لإلقائها ضوءاً على مشهد الفن التشكيلي في مصر وفتحها باب النقاش حول هذا الجانب الهام من الشخصية الفنية المصرية.