حريه اقتصاديه
Economic liberalism - Libéralisme économique
الحرية الاقتصادية
تعريفها
هي مذهب أو عقيدة اقتصادية تؤكد أن النظام الاقتصادي الأمثل هو النظام القائم على حرية المبادرات الفردية. هذا التعريف المبسط لا يوضح الفروق بين مختلف المدارس الاقتصادية الليبرالية،إذ إن الأساس المشترك بين تلك المدارس هو الاعتقاد بوجود نظام طبيعي وقانون طبيعي يحكمان الحياة الاقتصادية.
والقانون الطبيعي هو قانون المنفعة الشخصية الذي يُسير النشاط الاقتصادي لأفراد المجتمع. والنظام الطبيعي هو النظام الذي يتحقق من خلال حرية المبادرات الفردية، لذلك فإن حرية المبادرات الفردية تدخل ضمن إطار القوانين الاقتصادية الطبيعية. يتصور أنصار الحرية الاقتصادية إنساناً اقتصادياً مجرداً homos economicus ويرون أن السلوك الطبيعي لهذا الفرد هو الحصول على أكبر إشباع ممكن بأقل عناء. أن سعي الأفراد وراء مصالحهم الشخصية يقودهم إلى تحقيق المصلحة العامة. وهكذا فإن المصلحة العامة لا تتعارض مع المصالح الشخصية.
أسس مذهب الحرية الاقتصادية
يستند مذهب الحرية الاقتصادية إلى الأسس الآتية:
1- الملكية الخاصة هي الأساس القانوني للحياة الاقتصادية.
2- الحرية الفردية ملازمة لقانون المنفعة الشخصية، فالفرد هو أقدر على معرفة مصالحه، لذا يجب أن تُترك له الحرية في العمل وفي الإنتاج وفي المبادلة وفي الربح.
3- المنافسة الحرة هي آلية لتنظيم العلاقات الاقتصادية القائمة بين أفراد المجتمع، لذلك يجب على الدولة الابتعاد عن أي تدخل في الحياة الاقتصادية.
فلسفة الحرية الاقتصادية
ارتبطت الدعوة إلى الحرية الاقتصادية بالدعوة إلى الحرية السياسية لذلك ظهرت الليبرالية في القرن السابع عشر في صيغة فلسفة سياسية تدعو إلى الدفاع عن حقوق الفرد في مواجهة سلطة الملوك. ويعد جون لوك John Lock من أوائل حملة لواء الدعوة إلى الحرية السياسية، إذ يرى أن السلطة السياسية تكتسب الشرعية من القبول والموافقة على أن تحكم. لذلك فهو يعارض النظام الملكي القائم على الامتياز والحق الإلهي ويعتقد بوجود حقوق طبيعية للفرد يجب على المجتمع احترامها. كما يعتقد أن المجتمعات الإنسانية تخضع لقوانين طبيعية أعلى من القوانين المدنية.
لقد كانت فكرة القانون الطبيعي من الأفكار الكبرى التي أخذت تشق طريقها في القرن الثامن عشر، فقد اتصف هذا القرن بانتشار الروح العلمية مما أدى إلى محاولة تحليل الظواهر الاقتصادية بالاستناد إلى قوانين علمية. لذلك نشأ الاعتقاد بأن الظواهر الاقتصادية هي على غرار الظواهر الطبيعية تخضع كلها لقوانين حتمية وثابتة. وانسجاماً مع هذه المقولة، فإن القانون الطبيعي تقتضيه الضرورة الطبيعية الحتمية، ومن هنا جاءت الدعوة إلى الحرية الاقتصادية التي تعني عدم الوقوف في وجه تلك القوانين الطبيعية أو التعرض لها.
المنظور التاريخي
جاء مذهب الحرية الاقتصادية رداً على التجارية[ر] التي كان أنصارها يرون في تدخل الدولة شرطاً لزيادة الثروة المتمثلة في جمع المعادن الثمينة من ذهب وفضة.
وبدأ مذهب الحرية الاقتصادية مع ظهور الطبيعيين (الفيزيوقراط) الذين كانوا يعتقدون بوجود قوانين عامة تحكم النشاط الاقتصادي أسوة بالقوانين التي تحكم الظواهر الطبيعية ولذا قالوا بوجود قانون طبيعي تقتضيه الضرورة بحكم النشاط الاقتصادي.
أما المدرسة الاتباعية (الكلاسيكية) فلم تكن تختلف عن الطبيعيين القائلين بالقانون الطبيعي. ويرى أنصار المدرسة الكلاسيكية أن المنفعة الخاصة هي الدافع الذي يحكم نشاط الفرد الاقتصادي. فقد كان سميث يرى أن الأفراد في سعيهم لتحقيق منافعهم الشخصية في جو من الحرية والمنافسة يحققون مصلحة الجماعة في الوقت ذاته. طور كل من آدم سميث ودافيد ريكاردو وروبرت مالتوس، وجان باتيست ساي وجون ستيوارت ميل وسواهم مذهب الحرية الاقتصادية انطلاقاً من مبدأ «دعه يعمل، دعه يمر» أي أن حرية الفرد تكوّن شرطاً ضرورياً لتطور المجتمع وعلى الدولة ألاّ تتدخل في النشاط الاقتصادي للفرد وإنما عليها أن تهتم فقط بتوفير الأمن وحماية النظام بين الناس.
وكان من نتيجة سيادة مذهب الحرية الاقتصادية نشأة النظام الرأسمالي القائم على اقتصاد السوق وتطوره حتى غدا النظام الاقتصادي شبه الوحيد في بداية الألفية الثالثة.
انتقادات مذهب الحرية الاقتصادية
تعرض مذهب الحرية الاقتصادية للانتقاد على يد المفكرين الاشتراكيين، إذ أثارت مأساة العمال الاجتماعية ردة فعل عنيفة في الفكر الاقتصادي فأخذ عدد من المفكرين بدراسة العلاقة بين النظام الليبرالي والبؤس الإنساني وهذا ما قادهم إلى انتقاد المذهب الكلاسيكي ومذهب الحرية الاقتصادية.
إن مفاهيم هؤلاء الاشتراكيين أقامت فكراً جديداً ودعوة جديدة منافية للحرية الاقتصادية والملكية الفردية. وتتلخص أفكارهم في الدعوة إلى الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج وإلى إحلال التنظيم الاقتصادي محل الآلية العفوية لقوى السوق.
كان كارل ماركس يعتقد أن أسلوب الإنتاج الرأسمالي يتضمن أسباب زواله بسبب التناقض بين الطابع الاجتماعي للإنتاج والشكل الخاص لتملك المنتجات بسبب ملكية الرأسماليين الفردية لوسائل الإنتاج. ويظهر هذا التناقض في أزمات فيض إنتاج تعرقل نمو الاقتصاد الرأسمالي.
إن الانتقادات التي وجهت لمذهب الحرية الاقتصادية من خلال النقد الموجه لفكر المدرسة الكلاسيكية وللنظام الرأسمالي من قبل المفكرين الاشتراكيين ولاسيما كارل ماركس أدت إلى إعادة النظر في الأسس التي قامت عليها المدرسة الكلاسيكية فظهرت أفكار جديدة مخالفة لأفكار المدرسة الكلاسيكية.
طرحت هذه الأفكار الجديدة من قبل كل من ستانلي جيفونس Stanly Jevons، وليون فالراس Léon Walras وكارل منجر Carl Menger. وقد وضعت أفكار هؤلاء الاقتصاديين أساس الكلاسيكية الجديدة.
وجاءت أفكار المدرسة الكلاسيكية الجديدة لتعزز المبادئ الليبرالية بهدف الدفاع عن النظام الرأسمالي، فالمنفعة عند هؤلاء لم تعد الدافع الذي يحكم سلوك الإنسان الاقتصادي فقط، وإنما أضحت أيضاً القانون الذي بموجبه تتحدد قيمة السلعة.
وهكذا لم يعد العمل مصدر القيمة كما كان عند الاقتصاديين الكلاسيكيين. وإنما قيمة السلعة تتحدد بمنفعة تلك السلعة في إطار ندرتها ومنفعتها الحدية أي منفعة الوحدة الأخيرة التي تحقق إشباع أقل الحاجات إلحاحاً.
هذا بصدد القيمة أما فيما يتعلق بمشكلة التوزيع، فإن النظرية الكلاسيكية الجديدة تلغي مفهوم الربح من كيانها النظري وذلك بهدف الابتعاد عن مفهوم استغلال رأس المال للعمل وبالتالي القيمة الزائدة، ومفهوم صراع الطبقات الذي كان قد طرحه كارل ماركس.
وجهت انتقادات كثيرة للنظرية الكلاسيكية الجديدة، من ضمنها أن هذه النظرية لا توضح مصدر الزيادة في القيمة التي تعد مصدر النمو الاقتصادي، لأن هذه النظرية تلغي من كيانها النظري مفهوم الربح الذي يعد مصدر التراكم الرأسمالي وبالتالي النمو الاقتصادي.
ومن أهم الانتقادات التي وجهت لتلك النظرية، مشكلة تعريف رأس المال وقياسه، إذ إن رأس المال غير مجرد فهو سلع حقيقية غير متجانسة ناتجة من العمل وتستخدم في عملية الإنتاج. ومن المستحيل تفسير قيمة رأس المال استناداً إلى مفهوم الإحلال بين عوامل الإنتاج أي استناداً إلى إنتاجياتها الحدية.
وجاءت الوقائع الاقتصادية لتدحض ادعاءات النظرية الكلاسيكية الجديدة ولتقضي على تفاؤل الاقتصاد السياسي البرجوازي أو النظرية الكلاسيكية بشأن آلية التوازن العفوي.
وتحت تأثير الأزمة الاقتصادية الحادة لعام 1929 ظهرت ضرورة الاعتراف بأن النظام الرأسمالي يعاني الأزمات الاقتصادية الدورية ونقص الاستخدام وضرورة تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية بهدف تحقيق الاستخدام الكامل. أي بطلان الادعاء بأن سعي الأفراد لتحقيق مصالحهم يخدم مصلحة الجماعة، مما أدى إلى إعلان نهاية مبدأ «دعه يعمل، دعه يمر».
أما الانتقاد القوي لمذهب الحرية الاقتصادية فقد جاء على يد اللورد كينز الذي قال: «أن تطور الرأسمالية يصطدم بتناقضات حادة لا يمكن أن تزول عفوياً وتظهر هذه التناقضات في البطالة وعدم كفاية الطلب الفعال على البضائع الذي يعني أن عرض البضائع لا يتطابق عفوياً مع الطلب عليها».
لذلك فإن النظرية الكينزية على العكس من النظريات الرأسمالية التسويغية جاءت لتعترف بتلك التناقضات وتعمل على إيجاد الحلول لها. وقد ساعدت تلك الحلول على تجاوز أزمة النظام الرأسمالي التي ظهرت بوادرها عام 1929.
فلقد هدمت النظرية الكينزية النظام الليبرالي القائم على فكرة التوازن الاقتصادي بين العرض والطلب والإنتاج والاستهلاك التي أكدها ساي من خلال قانون المنافذ وفالراس من خلال قانون التوازن العام.
كما دحضت الكينزية الفكرة القائلة إن آلية الأسعار تحقق التوازن في أعلى مستويات الإنتاج وفي شروط الاستخدام الكامل لجميع عوامل الإنتاج.
وكان كينز يرفض إمكانية حدوث التوازن العفوي بين العرض الكلي للبضائع والطلب عليها. فهو يرى إمكانية التدخل الحكومي بهدف خلق هذا التوازن ويكفي أن تغطي الاستثمارات الفرق بين الدخل العام والاستهلاك ليتم التوازن بين العرض والطلب وبين الإنتاج والاستهلاك.
وهكذا فإن فكرة النظام الطبيعي والقانون الطبيعي التي يعبر عنها قانون المنفعة الشخصية والحرية الفردية والتي كانت حجة المدافعين عن مبدأ الحرية الاقتصادية انهارت بعد ما تأكد عدم قدرة آليات السوق على تحقيق التوازن الاقتصادي عفوياً وتلقائياً وبعد وقوع الأزمات الاقتصادية الدورية التي كان أكثرها حدة الأزمة الاقتصادية لعام 1929ـ1933.
كذلك فإن الوقائع الاقتصادية أكدت عدم إمكانية الوصول إلى نظام تتحقق فيه المنافسة الكاملة، إذ إن الحرية الاقتصادية أدت، على العكس، إلى ظهور الاحتكار من خلال تركز وتمركز رؤوس الأموال.
الليبرالية الجديدة
نشأت دعوة ليبرالية جديدة néo - libéralisme قادها الاقتصادي الأمريكي ليبمان W.Lippman. بهدف إنقاذ الليبرالية ـ الحرية الاقتصادية.
حافظ الليبراليون الجدد على جوهر الليبرالية والأسس التي تقوم عليها من حيث الاعتقاد بالنظام الطبيعي وتوكيد الملكية الخاصة والحرية الفردية والمنافسة الحرة، فهم يعتقدون بضرورة تدخل الدولة بهدف إقامة النظام الطبيعي من خلال ضمان عمل المبادرات الفردية في إطار من المنافسة الحرة.
بمعنى آخر «التدخل من أجل الحرية» في مواجهة الاحتكارات، وهذا لا يعني التقليل من الحرية وإنما في صيانة هذه الحرية، فالليبراليون الجدد يعتقدون بالآليات العفوية لقوى السوق وأثرها في تنظيم النشاط الاقتصادي ولكن ذلك لا يتم إلا بضمان المنافسة الحرة شرطاً لضمان عمل تلك الآليات.
وعليه فإن الليبراليين الجدد ينادون بالتدخل من أجل الحفاظ على المنافسة الحرة وصونها بهدف تحقيق النظام الطبيعي.
إن تطور اقتصاديات السوق منذ الثلاثينات من القرن العشرين يظهر أن الدولة لم تعد تكتفي بالحياد، إذ عهدت إليها مهمة تنظيم الأنشطة الاقتصادية وضمان تحقيق النمو الاقتصادي.
كما أضحت الدولة نفسها بمنزلة الرأسمالي فأقامت الكثير من المصانع والمشروعات الاستثمارية ذات الطابع الإنتاجي.
لقد استطاعت الدول الرأسمالية أو دول اقتصاديات السوق أن تخرج من أزمتها الاقتصادية وأن تضمن نمو اقتصادياتها بتدخل الدولة في الحياة الاقتصادية واتباع السياسات الكينزية بشأن تنشيط الطلب الفعال، ولكن تلك الاقتصاديات ما لبثت أن عرفت الأزمة الاقتصادية من جديد في أوائل السبعينات.
إن ما يميز الأزمة الاقتصادية لسنوات السبعينات من الأزمة الاقتصادية في الثلاثينات هو ترافق التضخم والبطالة، وهذا دفع الليبراليين الجدد إلى تفسير الأزمة بأنها نتيجة اتساع دور الدولة وسياستها النقدية والمالية.
ومهما يكن الأمر، أمام تلك التطورات، فإن الليبرالية، حتى في صيغتها الجديدة، لم تعد أكثر من تسمية تطلق على الاقتصاديين والسياسات الاقتصادية المؤيدة لاقتصاد السوق. إذ أضحى تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية من الحقائق المسلم بها ودور الدولة وأدواتها لم تعد مجهولة ينظر إليها بازدراء.
ولكن، على الرغم من تغير مضمون العقيدة الليبرالية فإن دور الدولة في الحياة الاقتصادية، في بلدان اقتصاديات السوق التي تنادي بالحرية الاقتصادية، يختلف عنه في البلدان الاشتراكية التي تؤمن بالتوجيه المخطط للاقتصاد وبالملكية الجماعية لوسائل الإنتاج. وذلك لأن دور الدولة في اقتصاديات السوق ينحصر في ضمان التوازن والنمو الاقتصادي والقيام بالمشروعات العامة التي لا يقدم على القيام بها الأفراد نتيجة عدم ربحيتها أو بسبب حاجتها إلى رؤوس أموال ضخمة، وبذلك فإن الدولة في اقتصاديات السوق ليست أداة تهدف إلى تغيير الهياكل الاقتصادية والاجتماعية، وإنما هي عنصر منظم ومشجع للمبادرات الفردية.
جمال طلاس
Economic liberalism - Libéralisme économique
الحرية الاقتصادية
تعريفها
هي مذهب أو عقيدة اقتصادية تؤكد أن النظام الاقتصادي الأمثل هو النظام القائم على حرية المبادرات الفردية. هذا التعريف المبسط لا يوضح الفروق بين مختلف المدارس الاقتصادية الليبرالية،إذ إن الأساس المشترك بين تلك المدارس هو الاعتقاد بوجود نظام طبيعي وقانون طبيعي يحكمان الحياة الاقتصادية.
والقانون الطبيعي هو قانون المنفعة الشخصية الذي يُسير النشاط الاقتصادي لأفراد المجتمع. والنظام الطبيعي هو النظام الذي يتحقق من خلال حرية المبادرات الفردية، لذلك فإن حرية المبادرات الفردية تدخل ضمن إطار القوانين الاقتصادية الطبيعية. يتصور أنصار الحرية الاقتصادية إنساناً اقتصادياً مجرداً homos economicus ويرون أن السلوك الطبيعي لهذا الفرد هو الحصول على أكبر إشباع ممكن بأقل عناء. أن سعي الأفراد وراء مصالحهم الشخصية يقودهم إلى تحقيق المصلحة العامة. وهكذا فإن المصلحة العامة لا تتعارض مع المصالح الشخصية.
أسس مذهب الحرية الاقتصادية
يستند مذهب الحرية الاقتصادية إلى الأسس الآتية:
1- الملكية الخاصة هي الأساس القانوني للحياة الاقتصادية.
2- الحرية الفردية ملازمة لقانون المنفعة الشخصية، فالفرد هو أقدر على معرفة مصالحه، لذا يجب أن تُترك له الحرية في العمل وفي الإنتاج وفي المبادلة وفي الربح.
3- المنافسة الحرة هي آلية لتنظيم العلاقات الاقتصادية القائمة بين أفراد المجتمع، لذلك يجب على الدولة الابتعاد عن أي تدخل في الحياة الاقتصادية.
فلسفة الحرية الاقتصادية
ارتبطت الدعوة إلى الحرية الاقتصادية بالدعوة إلى الحرية السياسية لذلك ظهرت الليبرالية في القرن السابع عشر في صيغة فلسفة سياسية تدعو إلى الدفاع عن حقوق الفرد في مواجهة سلطة الملوك. ويعد جون لوك John Lock من أوائل حملة لواء الدعوة إلى الحرية السياسية، إذ يرى أن السلطة السياسية تكتسب الشرعية من القبول والموافقة على أن تحكم. لذلك فهو يعارض النظام الملكي القائم على الامتياز والحق الإلهي ويعتقد بوجود حقوق طبيعية للفرد يجب على المجتمع احترامها. كما يعتقد أن المجتمعات الإنسانية تخضع لقوانين طبيعية أعلى من القوانين المدنية.
لقد كانت فكرة القانون الطبيعي من الأفكار الكبرى التي أخذت تشق طريقها في القرن الثامن عشر، فقد اتصف هذا القرن بانتشار الروح العلمية مما أدى إلى محاولة تحليل الظواهر الاقتصادية بالاستناد إلى قوانين علمية. لذلك نشأ الاعتقاد بأن الظواهر الاقتصادية هي على غرار الظواهر الطبيعية تخضع كلها لقوانين حتمية وثابتة. وانسجاماً مع هذه المقولة، فإن القانون الطبيعي تقتضيه الضرورة الطبيعية الحتمية، ومن هنا جاءت الدعوة إلى الحرية الاقتصادية التي تعني عدم الوقوف في وجه تلك القوانين الطبيعية أو التعرض لها.
المنظور التاريخي
جاء مذهب الحرية الاقتصادية رداً على التجارية[ر] التي كان أنصارها يرون في تدخل الدولة شرطاً لزيادة الثروة المتمثلة في جمع المعادن الثمينة من ذهب وفضة.
وبدأ مذهب الحرية الاقتصادية مع ظهور الطبيعيين (الفيزيوقراط) الذين كانوا يعتقدون بوجود قوانين عامة تحكم النشاط الاقتصادي أسوة بالقوانين التي تحكم الظواهر الطبيعية ولذا قالوا بوجود قانون طبيعي تقتضيه الضرورة بحكم النشاط الاقتصادي.
أما المدرسة الاتباعية (الكلاسيكية) فلم تكن تختلف عن الطبيعيين القائلين بالقانون الطبيعي. ويرى أنصار المدرسة الكلاسيكية أن المنفعة الخاصة هي الدافع الذي يحكم نشاط الفرد الاقتصادي. فقد كان سميث يرى أن الأفراد في سعيهم لتحقيق منافعهم الشخصية في جو من الحرية والمنافسة يحققون مصلحة الجماعة في الوقت ذاته. طور كل من آدم سميث ودافيد ريكاردو وروبرت مالتوس، وجان باتيست ساي وجون ستيوارت ميل وسواهم مذهب الحرية الاقتصادية انطلاقاً من مبدأ «دعه يعمل، دعه يمر» أي أن حرية الفرد تكوّن شرطاً ضرورياً لتطور المجتمع وعلى الدولة ألاّ تتدخل في النشاط الاقتصادي للفرد وإنما عليها أن تهتم فقط بتوفير الأمن وحماية النظام بين الناس.
وكان من نتيجة سيادة مذهب الحرية الاقتصادية نشأة النظام الرأسمالي القائم على اقتصاد السوق وتطوره حتى غدا النظام الاقتصادي شبه الوحيد في بداية الألفية الثالثة.
انتقادات مذهب الحرية الاقتصادية
تعرض مذهب الحرية الاقتصادية للانتقاد على يد المفكرين الاشتراكيين، إذ أثارت مأساة العمال الاجتماعية ردة فعل عنيفة في الفكر الاقتصادي فأخذ عدد من المفكرين بدراسة العلاقة بين النظام الليبرالي والبؤس الإنساني وهذا ما قادهم إلى انتقاد المذهب الكلاسيكي ومذهب الحرية الاقتصادية.
إن مفاهيم هؤلاء الاشتراكيين أقامت فكراً جديداً ودعوة جديدة منافية للحرية الاقتصادية والملكية الفردية. وتتلخص أفكارهم في الدعوة إلى الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج وإلى إحلال التنظيم الاقتصادي محل الآلية العفوية لقوى السوق.
كان كارل ماركس يعتقد أن أسلوب الإنتاج الرأسمالي يتضمن أسباب زواله بسبب التناقض بين الطابع الاجتماعي للإنتاج والشكل الخاص لتملك المنتجات بسبب ملكية الرأسماليين الفردية لوسائل الإنتاج. ويظهر هذا التناقض في أزمات فيض إنتاج تعرقل نمو الاقتصاد الرأسمالي.
إن الانتقادات التي وجهت لمذهب الحرية الاقتصادية من خلال النقد الموجه لفكر المدرسة الكلاسيكية وللنظام الرأسمالي من قبل المفكرين الاشتراكيين ولاسيما كارل ماركس أدت إلى إعادة النظر في الأسس التي قامت عليها المدرسة الكلاسيكية فظهرت أفكار جديدة مخالفة لأفكار المدرسة الكلاسيكية.
طرحت هذه الأفكار الجديدة من قبل كل من ستانلي جيفونس Stanly Jevons، وليون فالراس Léon Walras وكارل منجر Carl Menger. وقد وضعت أفكار هؤلاء الاقتصاديين أساس الكلاسيكية الجديدة.
وجاءت أفكار المدرسة الكلاسيكية الجديدة لتعزز المبادئ الليبرالية بهدف الدفاع عن النظام الرأسمالي، فالمنفعة عند هؤلاء لم تعد الدافع الذي يحكم سلوك الإنسان الاقتصادي فقط، وإنما أضحت أيضاً القانون الذي بموجبه تتحدد قيمة السلعة.
وهكذا لم يعد العمل مصدر القيمة كما كان عند الاقتصاديين الكلاسيكيين. وإنما قيمة السلعة تتحدد بمنفعة تلك السلعة في إطار ندرتها ومنفعتها الحدية أي منفعة الوحدة الأخيرة التي تحقق إشباع أقل الحاجات إلحاحاً.
هذا بصدد القيمة أما فيما يتعلق بمشكلة التوزيع، فإن النظرية الكلاسيكية الجديدة تلغي مفهوم الربح من كيانها النظري وذلك بهدف الابتعاد عن مفهوم استغلال رأس المال للعمل وبالتالي القيمة الزائدة، ومفهوم صراع الطبقات الذي كان قد طرحه كارل ماركس.
وجهت انتقادات كثيرة للنظرية الكلاسيكية الجديدة، من ضمنها أن هذه النظرية لا توضح مصدر الزيادة في القيمة التي تعد مصدر النمو الاقتصادي، لأن هذه النظرية تلغي من كيانها النظري مفهوم الربح الذي يعد مصدر التراكم الرأسمالي وبالتالي النمو الاقتصادي.
ومن أهم الانتقادات التي وجهت لتلك النظرية، مشكلة تعريف رأس المال وقياسه، إذ إن رأس المال غير مجرد فهو سلع حقيقية غير متجانسة ناتجة من العمل وتستخدم في عملية الإنتاج. ومن المستحيل تفسير قيمة رأس المال استناداً إلى مفهوم الإحلال بين عوامل الإنتاج أي استناداً إلى إنتاجياتها الحدية.
وجاءت الوقائع الاقتصادية لتدحض ادعاءات النظرية الكلاسيكية الجديدة ولتقضي على تفاؤل الاقتصاد السياسي البرجوازي أو النظرية الكلاسيكية بشأن آلية التوازن العفوي.
وتحت تأثير الأزمة الاقتصادية الحادة لعام 1929 ظهرت ضرورة الاعتراف بأن النظام الرأسمالي يعاني الأزمات الاقتصادية الدورية ونقص الاستخدام وضرورة تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية بهدف تحقيق الاستخدام الكامل. أي بطلان الادعاء بأن سعي الأفراد لتحقيق مصالحهم يخدم مصلحة الجماعة، مما أدى إلى إعلان نهاية مبدأ «دعه يعمل، دعه يمر».
أما الانتقاد القوي لمذهب الحرية الاقتصادية فقد جاء على يد اللورد كينز الذي قال: «أن تطور الرأسمالية يصطدم بتناقضات حادة لا يمكن أن تزول عفوياً وتظهر هذه التناقضات في البطالة وعدم كفاية الطلب الفعال على البضائع الذي يعني أن عرض البضائع لا يتطابق عفوياً مع الطلب عليها».
لذلك فإن النظرية الكينزية على العكس من النظريات الرأسمالية التسويغية جاءت لتعترف بتلك التناقضات وتعمل على إيجاد الحلول لها. وقد ساعدت تلك الحلول على تجاوز أزمة النظام الرأسمالي التي ظهرت بوادرها عام 1929.
فلقد هدمت النظرية الكينزية النظام الليبرالي القائم على فكرة التوازن الاقتصادي بين العرض والطلب والإنتاج والاستهلاك التي أكدها ساي من خلال قانون المنافذ وفالراس من خلال قانون التوازن العام.
كما دحضت الكينزية الفكرة القائلة إن آلية الأسعار تحقق التوازن في أعلى مستويات الإنتاج وفي شروط الاستخدام الكامل لجميع عوامل الإنتاج.
وكان كينز يرفض إمكانية حدوث التوازن العفوي بين العرض الكلي للبضائع والطلب عليها. فهو يرى إمكانية التدخل الحكومي بهدف خلق هذا التوازن ويكفي أن تغطي الاستثمارات الفرق بين الدخل العام والاستهلاك ليتم التوازن بين العرض والطلب وبين الإنتاج والاستهلاك.
وهكذا فإن فكرة النظام الطبيعي والقانون الطبيعي التي يعبر عنها قانون المنفعة الشخصية والحرية الفردية والتي كانت حجة المدافعين عن مبدأ الحرية الاقتصادية انهارت بعد ما تأكد عدم قدرة آليات السوق على تحقيق التوازن الاقتصادي عفوياً وتلقائياً وبعد وقوع الأزمات الاقتصادية الدورية التي كان أكثرها حدة الأزمة الاقتصادية لعام 1929ـ1933.
كذلك فإن الوقائع الاقتصادية أكدت عدم إمكانية الوصول إلى نظام تتحقق فيه المنافسة الكاملة، إذ إن الحرية الاقتصادية أدت، على العكس، إلى ظهور الاحتكار من خلال تركز وتمركز رؤوس الأموال.
الليبرالية الجديدة
نشأت دعوة ليبرالية جديدة néo - libéralisme قادها الاقتصادي الأمريكي ليبمان W.Lippman. بهدف إنقاذ الليبرالية ـ الحرية الاقتصادية.
حافظ الليبراليون الجدد على جوهر الليبرالية والأسس التي تقوم عليها من حيث الاعتقاد بالنظام الطبيعي وتوكيد الملكية الخاصة والحرية الفردية والمنافسة الحرة، فهم يعتقدون بضرورة تدخل الدولة بهدف إقامة النظام الطبيعي من خلال ضمان عمل المبادرات الفردية في إطار من المنافسة الحرة.
بمعنى آخر «التدخل من أجل الحرية» في مواجهة الاحتكارات، وهذا لا يعني التقليل من الحرية وإنما في صيانة هذه الحرية، فالليبراليون الجدد يعتقدون بالآليات العفوية لقوى السوق وأثرها في تنظيم النشاط الاقتصادي ولكن ذلك لا يتم إلا بضمان المنافسة الحرة شرطاً لضمان عمل تلك الآليات.
وعليه فإن الليبراليين الجدد ينادون بالتدخل من أجل الحفاظ على المنافسة الحرة وصونها بهدف تحقيق النظام الطبيعي.
إن تطور اقتصاديات السوق منذ الثلاثينات من القرن العشرين يظهر أن الدولة لم تعد تكتفي بالحياد، إذ عهدت إليها مهمة تنظيم الأنشطة الاقتصادية وضمان تحقيق النمو الاقتصادي.
كما أضحت الدولة نفسها بمنزلة الرأسمالي فأقامت الكثير من المصانع والمشروعات الاستثمارية ذات الطابع الإنتاجي.
لقد استطاعت الدول الرأسمالية أو دول اقتصاديات السوق أن تخرج من أزمتها الاقتصادية وأن تضمن نمو اقتصادياتها بتدخل الدولة في الحياة الاقتصادية واتباع السياسات الكينزية بشأن تنشيط الطلب الفعال، ولكن تلك الاقتصاديات ما لبثت أن عرفت الأزمة الاقتصادية من جديد في أوائل السبعينات.
إن ما يميز الأزمة الاقتصادية لسنوات السبعينات من الأزمة الاقتصادية في الثلاثينات هو ترافق التضخم والبطالة، وهذا دفع الليبراليين الجدد إلى تفسير الأزمة بأنها نتيجة اتساع دور الدولة وسياستها النقدية والمالية.
ومهما يكن الأمر، أمام تلك التطورات، فإن الليبرالية، حتى في صيغتها الجديدة، لم تعد أكثر من تسمية تطلق على الاقتصاديين والسياسات الاقتصادية المؤيدة لاقتصاد السوق. إذ أضحى تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية من الحقائق المسلم بها ودور الدولة وأدواتها لم تعد مجهولة ينظر إليها بازدراء.
ولكن، على الرغم من تغير مضمون العقيدة الليبرالية فإن دور الدولة في الحياة الاقتصادية، في بلدان اقتصاديات السوق التي تنادي بالحرية الاقتصادية، يختلف عنه في البلدان الاشتراكية التي تؤمن بالتوجيه المخطط للاقتصاد وبالملكية الجماعية لوسائل الإنتاج. وذلك لأن دور الدولة في اقتصاديات السوق ينحصر في ضمان التوازن والنمو الاقتصادي والقيام بالمشروعات العامة التي لا يقدم على القيام بها الأفراد نتيجة عدم ربحيتها أو بسبب حاجتها إلى رؤوس أموال ضخمة، وبذلك فإن الدولة في اقتصاديات السوق ليست أداة تهدف إلى تغيير الهياكل الاقتصادية والاجتماعية، وإنما هي عنصر منظم ومشجع للمبادرات الفردية.
جمال طلاس