حدود دوليه
International borders - Frontières internationaux
الحدود الدولية
تعريف الحدود
يعرّف قاموس مصطلحات القانون الدولي الحدود على أنها:« الخط الفاصل الذي تبدأ أو تنتهي عنده أقاليم دول متجاورة». ويرى عدد من الفقهاء أن مصطلح الخط limite ومصطلح الحد أو التخم frontiére، يشكلان مفهوم الحدود المطروح هنا.
والحدود فواصل طبيعية أو اصطناعية بين أقاليم مختلفة هي دول في غالبيتها، وتأتي أهميتها من حيث أنها تشكل الحد الذي تبدأ فيه سيادة دولة على إقليمها، وتستطيع من خلاله ممارسة سلطاتها عليه، ومن ورائه تنتهي هذه السيادة أو هذه السلطات (حسبما إذا كان الحد برياً أو بحرياً). وأي تعدٍ أو اختلاف على واقع هذه الحدود يسبب مشكلة قانونية في ممارسة الدولة لسيادتها أو لسلطاتها على إقليمها.
والحدود الطبيعية هي الفواصل الجغرافية من جبال أو أنهار أو بحار أو بحيرات، والتي تفصل بين قطعتين من الأرض. والحدود الاصطناعية هي الخطوط التي يتراءى للأقاليم المتجاورة أنها تصلح فاصلاً بين سياداتها. وترسيم الحدود لا يقتصر على الحدود الأرضية، بل يمتد ليشمل الحدود المائية، والتي يعد ترسيمها في كثير من الأحيان أكثر صعوبة من سابقتها، وسبباً للكثير من المشكلات بين الدول، وأخيراً ينعكس ترسيم الحدود طبيعية كانت أم اصطناعية على تحديد المجال الجوي للإقليم المعني.
ويرى شارل روسو أن قيام الحدود يولد نظاماً قانونياً يرافقه، هو نظام الجوار والذي يطرح عدة مسائل:
1- موضوع سكان طرفي الحدود، من حيث مالهم من حقوق(كحق المرور والعمل) وما عليهم من واجبات (كتأدية الخدمة العسكرية).
2- تعد هذه المناطق مكان التقاء للمرافق العامة(مراكز أمن ودوائر للجمارك).
3- يقع على عاتق الدول المتجاورة التزامات وحقوق يجب مراعاتها، كحق الملاحقة القضائية مثلاً.
التطور التاريخي لمفهوم الحدود
لم تعرف الحضارات القديمة مفهوم الحدود، وتعتبر معاهدة فردان Verdun الموقعة عام843 م ومعاهدة مرسين Mersin الموقعة عام 870 م، من أولى المعاهدات التي اهتمت بهذا المفهوم.
على أن الحدود التي تعرف حالياً ليست دائماً طبيعية، بل هي حدود، دخل في تكوينها عوامل تاريخية ذات منشأ سياسي، ولا تبتعد التقسيمات الاستعمارية عن تقرير حدود الكثير من الدول، فتقسيم سايكس بيكو لبلاد الشام في بداية القرن العشرين جعل من هذه المنطقة خمس دول: سورية، لبنان، فلسطين، الأردن، العراق، ولا تعرف حدود هذه الدول إلا على الخرائط.
على أن تحديد الإقليم بحدود واضحة لم يعن عملية اعتراف الأمم المتحدة «بالكيان الصهيوني» في قرار جمعيتها العامة رقم 273 تاريخ 11/5/1949 القاضي بقبوله عضواً فيها، فقد تمت الإشارة فقط إلى ضرورة مراعاة أحكام القرار 181 تاريخ 29/11/1947، القاضي بتقسيم فلسطين، مما يدل مرة أخرى على تدخل السياسة في تكييف معطيات قانونية، يعدها أرباب القانون الدولي من بدهياته، وخاصة فيما يتعلق بأركان تكوين الدولة.
وتعد معاهدات الصلح من أهم الوسائل التي عرفها التاريخ المعاصر لتحديد الحدود الدولية، فمعاهدة فرساي لعام 1919 التي جاءت عقب الحرب العالمية الأولى، ومعاهدات السلم التي عقدت في 15/2/1947، عقب الحرب العالمية الثانية، ساعدت كثيراً على رسم أو إعادة رسم حدود الكثير من دول أوربا الشرقية والغربية.
طرق تعيين الحدود
عرف القانون الدولي ثلاثة طرق لتعيين الحدود:
- تعيين الحدود بصورة منفردة: تحدد دولة ما حدودها بفصل إقليمها عن المجال الدولي، وهذا ما تقوم به الدول عادة فيما يتعلق بحدودها البحرية، وإن كان التعاقد الدولي يحل شيئاً فشيئاً محل التصرف بإرادة منفردة.
- التعيين الاتفاقي للحدود: تقوم دول متجاورة بعقد اتفاقات ترسم حدودها، بصورة تنهي معها غالباً نزاعات على أقاليم معينة.
- تعيين الحدود بطريقة قضائية أو عن طريق التحكيم الدولي: وذلك عند فشل المفاوضات بين الدول للتوصل إلى اتفاق ترسيم وديّ (توصلت ليبيا وتشاد إلى اتفاق حول الحدود بينهما في 15/4/1994، عقب الحكم الصادر في 4/4/1994 عن محكمة العدل الدولية في الخلاف بين الدولتين بهذا الشأن.
طرق ترسيم الحدود
- الأخذ بالحدود التاريخية القديمة: وهذا ما حصل عند انفصال السويد عن النروج عام 1905، بعد انفصام عرى الاتحاد الحقيقي الذي كان قائماً بينهما، وفي بعض الأحيان تحتفظ الدول الحديثة الولادة بالحدود الداخلية القديمة، كما حصل عند انفصال دول أمريكا اللاتينية إلى مجموعة من الدول.
- قد تختار بعض الأقاليم حدوداً مصطنعة جديدة تفصل بينها، وهي خطوط وهمية، ويكون ذلك إما عن طريق إحداثيات فلكية وفق خطوط العرض والطول، وإما عن طريق إحداثيات هندسية تتكون من خط مستقيم يصل بين نقطتين أو من قوس دائرة.
- اختيار حدود طبيعية جغرافية: ومن فوائد هذه الطريقة أنها أكثر الطرق وضوحاً وأقلها إثارة للاعتراضات بين الدول، وهي تعتمد فيما يتعلق بالمناطق الجبلية على رسم خط فاصل يصل بين قمم سلسلة من الجبال، ويدعى هذا الخط بخط القمم.
وتحسب الحدود فيما يتعلق بالمجاري المائية الصالحة للملاحة، بخط الوسط للمياه، يتبع تعرجات المجرى، أما إذا كان المجرى غير صالح للملاحة، فيرسم الحد مع خط الوسط عندما تهبط المياه إلى أقصى مستوى لها، علماً بأنه قد يرسم الحد بحيث يرافق إحدى ضفاف النهر، ليدخل هذا الأخير بكامله في حدود دولة دون الأخرى.
ويعد خط الوسط في رسم الحد في البحيرات الطريقة الأكثر شيوعاً، وفي حال وجود جزر فغالباً ما يتم الالتفاف حول الجزيرة بغية تجنب تقسيمها.
أما فيما يتعلق بالحدود البحرية، فقد جاءت اتفاقية جمايكة لعام 1982، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 1994، لتقول إن المياه الإقليمية لأي دولة لا يجب أن تتجاوز 12 ميلاً بحرياً، انطلاقاً من خطوط الأساس التي تحددها الاتفاقية ذاتها. وتعد المسافة التي حددتها الدولة لذاتها هي حدود الدولة نظرياً، لأن سيادتها تقف عند هذا الحد، أما فيما يتعلق بالمنطقة المجاورة والتي حددت أيضاً بمسافة تساوي مسافة البحر الإقليمي على أن لا تجاوزا معاً الـ 24 ميلاً بحرياً، والمنطقة الاقتصادية الخالصة والمحددة بـ 200 ميل بحري، والجرف القاري المحدد بـ 200 ميل بحري محسوبة من خطوط الأساس[ر. البحار (قانون -)] فللدولة عليها سلطات محددة وليس سيادة، مما دعا بعض الفقهاء للقول إنها تقع خارج حدود الدولة، بينما يرى بعضهم الآخر أن الحدود البحرية لأي دولة، تنتهي عند آخر نقطة تمارس عليها سلطة، وعند بداية البحر العام الذي هو ملك للبشرية جمعاء.
الحدود المعترف بها، ونظرية الحدود الآمنة
إن الاعتراف بالحدود القائمة بين دولتين أو أكثر يؤدي إلى استقرار مبدئي في العلاقات بين هذه الأقاليم، إلا أن الحدود، وإن كانت دائمة، إلا أنها ليست أبدية، ونزاعاتها واردة، حتى بعد استقرارها في معاهدات واتفاقات. فقد تعتمد بعض الدول، وخاصة بعد استكمال أسباب بنائها والاستقرار فيها، إلى المطالبة بحدود تاريخية كانت تفصلها عن إقليم آخر، وتختلف عن الحدود المصطنعة التي ارتضتها عند قيامها. فالصين التي يفصلها عن الاتحاد السوڤييتي السابق 5000 كم من الحدود، كانت قد أثارت موضوع عدم تكافؤ المعاهدات التي نظمت هذه الحدود، كما أن تايلند أثارت موضوع الخطأ في تعيين حدودها مع كمبودية،عند إثارة موضوع معبد برياه فهيار.
على أن وضوح الحدود أو الاعتراف بها دولياً، لم يشكل بحد ذاته عائقاً لولادة نظرية جديدة هي نظرية الحدود الآمنة والشريط الأمني، والتي تجد جذورها في نظرية الضرورة، حيث تنادي مجموعة من الدول لتبرير احتلالها أو تدخلها ضمن أراضي إقليم أو أقاليم مجاورة بضرورة هذا التدخل لحماية أمنها، وهذا ما فعلته إسرائيل عام 1967، حين احتلت أراضٍ عربية في الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان، وتمكنت من خلال الضغوط الأمريكية من استصدار قرار مجلس الأمن 242 لعام 1967، الذي ورد في متنه واجب إسرائيل الانسحاب من أراضٍ (وليس من الأراضي) احتلتها عام 1967، فوجدت بذلك، ولأول مرة، نظرية الحدود الآمنة أو الحدود التي تسهل الدفاع عنها لتبرير رفض انسحاب إسرائيل من كل شبر من الأراضي المحتلة، إِعمالاً لقواعد القانون الدولي. و هذا ما فعلته إسرائيل أيضاً عام 1982، عندما احتلت في جنوبي لبنان شريطاً يبلغ طوله 20كم بعمق 8كم، مستندة إلى أن هذا العمل ما جاء إلا للحفاظ على أمن مستعمراتها في الشمال الفلسطيني، إلا أن خروجها عام 2000 من هذا الجنوب، جاء ليثبت أن آخر ما كان يفكر فيه الصهاينة هو الأمن، وأن الهدف الحقيقي كان احتلال المنطقة، وخاصة لحل مشكلة المياه التي تعاني إسرائيل قلّتها. ومن جهة أخرى، لا بد من التنويه إلى أن نظام الجوار يخلق بعض المشكلات بين الدول، تدفع بعضها إلى خرق حدود بعضها الآخر، وفي غالب الأحيان الاستقرار في أراضيه بحجة ملاحقة ثوار أو قمع عمليات تهريب، وهذا ما فعلته تركيا في خرقها لحدود شمال العراق واستقرار بعض وحدات من جيشها هناك، في محاولة لإنشاء شريط أمني، منعاً للهجمات المتكررة من الأكراد، وفي محاولة لضرب معاقلهم في العراق.
على أن نظرية الحدود الآمنة والشريط الحدودي الأمني تبدوان غير واقعتين في ظل نظام التسلح الحديث ونظم المراقبة، حيث أصبحت الصواريخ عابرة للقارات، ونظام سلاح الطيران البالغ التطور أكثر من رادع، وحيث تفكر بعض الدول في تطوير نظام «حرب النجوم»، وكل هذا يدحض نظرية الحدود الآمنة ليدخلها خانة الاحتلال العسكري، ويعيد لاستقرار الحدود دوره عاملاً من عوامل استقرار العلاقات الدولية، ويجعل من أي خرق لحدود دولة ما اعتداء على سيادتها، وبالتالي عدواناً يدينه المجتمع العالمي ويرفضه القانون الدولي.
أمل يازجي
International borders - Frontières internationaux
الحدود الدولية
تعريف الحدود
يعرّف قاموس مصطلحات القانون الدولي الحدود على أنها:« الخط الفاصل الذي تبدأ أو تنتهي عنده أقاليم دول متجاورة». ويرى عدد من الفقهاء أن مصطلح الخط limite ومصطلح الحد أو التخم frontiére، يشكلان مفهوم الحدود المطروح هنا.
والحدود فواصل طبيعية أو اصطناعية بين أقاليم مختلفة هي دول في غالبيتها، وتأتي أهميتها من حيث أنها تشكل الحد الذي تبدأ فيه سيادة دولة على إقليمها، وتستطيع من خلاله ممارسة سلطاتها عليه، ومن ورائه تنتهي هذه السيادة أو هذه السلطات (حسبما إذا كان الحد برياً أو بحرياً). وأي تعدٍ أو اختلاف على واقع هذه الحدود يسبب مشكلة قانونية في ممارسة الدولة لسيادتها أو لسلطاتها على إقليمها.
والحدود الطبيعية هي الفواصل الجغرافية من جبال أو أنهار أو بحار أو بحيرات، والتي تفصل بين قطعتين من الأرض. والحدود الاصطناعية هي الخطوط التي يتراءى للأقاليم المتجاورة أنها تصلح فاصلاً بين سياداتها. وترسيم الحدود لا يقتصر على الحدود الأرضية، بل يمتد ليشمل الحدود المائية، والتي يعد ترسيمها في كثير من الأحيان أكثر صعوبة من سابقتها، وسبباً للكثير من المشكلات بين الدول، وأخيراً ينعكس ترسيم الحدود طبيعية كانت أم اصطناعية على تحديد المجال الجوي للإقليم المعني.
ويرى شارل روسو أن قيام الحدود يولد نظاماً قانونياً يرافقه، هو نظام الجوار والذي يطرح عدة مسائل:
1- موضوع سكان طرفي الحدود، من حيث مالهم من حقوق(كحق المرور والعمل) وما عليهم من واجبات (كتأدية الخدمة العسكرية).
2- تعد هذه المناطق مكان التقاء للمرافق العامة(مراكز أمن ودوائر للجمارك).
3- يقع على عاتق الدول المتجاورة التزامات وحقوق يجب مراعاتها، كحق الملاحقة القضائية مثلاً.
التطور التاريخي لمفهوم الحدود
لم تعرف الحضارات القديمة مفهوم الحدود، وتعتبر معاهدة فردان Verdun الموقعة عام843 م ومعاهدة مرسين Mersin الموقعة عام 870 م، من أولى المعاهدات التي اهتمت بهذا المفهوم.
على أن الحدود التي تعرف حالياً ليست دائماً طبيعية، بل هي حدود، دخل في تكوينها عوامل تاريخية ذات منشأ سياسي، ولا تبتعد التقسيمات الاستعمارية عن تقرير حدود الكثير من الدول، فتقسيم سايكس بيكو لبلاد الشام في بداية القرن العشرين جعل من هذه المنطقة خمس دول: سورية، لبنان، فلسطين، الأردن، العراق، ولا تعرف حدود هذه الدول إلا على الخرائط.
على أن تحديد الإقليم بحدود واضحة لم يعن عملية اعتراف الأمم المتحدة «بالكيان الصهيوني» في قرار جمعيتها العامة رقم 273 تاريخ 11/5/1949 القاضي بقبوله عضواً فيها، فقد تمت الإشارة فقط إلى ضرورة مراعاة أحكام القرار 181 تاريخ 29/11/1947، القاضي بتقسيم فلسطين، مما يدل مرة أخرى على تدخل السياسة في تكييف معطيات قانونية، يعدها أرباب القانون الدولي من بدهياته، وخاصة فيما يتعلق بأركان تكوين الدولة.
وتعد معاهدات الصلح من أهم الوسائل التي عرفها التاريخ المعاصر لتحديد الحدود الدولية، فمعاهدة فرساي لعام 1919 التي جاءت عقب الحرب العالمية الأولى، ومعاهدات السلم التي عقدت في 15/2/1947، عقب الحرب العالمية الثانية، ساعدت كثيراً على رسم أو إعادة رسم حدود الكثير من دول أوربا الشرقية والغربية.
طرق تعيين الحدود
عرف القانون الدولي ثلاثة طرق لتعيين الحدود:
- تعيين الحدود بصورة منفردة: تحدد دولة ما حدودها بفصل إقليمها عن المجال الدولي، وهذا ما تقوم به الدول عادة فيما يتعلق بحدودها البحرية، وإن كان التعاقد الدولي يحل شيئاً فشيئاً محل التصرف بإرادة منفردة.
- التعيين الاتفاقي للحدود: تقوم دول متجاورة بعقد اتفاقات ترسم حدودها، بصورة تنهي معها غالباً نزاعات على أقاليم معينة.
- تعيين الحدود بطريقة قضائية أو عن طريق التحكيم الدولي: وذلك عند فشل المفاوضات بين الدول للتوصل إلى اتفاق ترسيم وديّ (توصلت ليبيا وتشاد إلى اتفاق حول الحدود بينهما في 15/4/1994، عقب الحكم الصادر في 4/4/1994 عن محكمة العدل الدولية في الخلاف بين الدولتين بهذا الشأن.
طرق ترسيم الحدود
- الأخذ بالحدود التاريخية القديمة: وهذا ما حصل عند انفصال السويد عن النروج عام 1905، بعد انفصام عرى الاتحاد الحقيقي الذي كان قائماً بينهما، وفي بعض الأحيان تحتفظ الدول الحديثة الولادة بالحدود الداخلية القديمة، كما حصل عند انفصال دول أمريكا اللاتينية إلى مجموعة من الدول.
- قد تختار بعض الأقاليم حدوداً مصطنعة جديدة تفصل بينها، وهي خطوط وهمية، ويكون ذلك إما عن طريق إحداثيات فلكية وفق خطوط العرض والطول، وإما عن طريق إحداثيات هندسية تتكون من خط مستقيم يصل بين نقطتين أو من قوس دائرة.
- اختيار حدود طبيعية جغرافية: ومن فوائد هذه الطريقة أنها أكثر الطرق وضوحاً وأقلها إثارة للاعتراضات بين الدول، وهي تعتمد فيما يتعلق بالمناطق الجبلية على رسم خط فاصل يصل بين قمم سلسلة من الجبال، ويدعى هذا الخط بخط القمم.
وتحسب الحدود فيما يتعلق بالمجاري المائية الصالحة للملاحة، بخط الوسط للمياه، يتبع تعرجات المجرى، أما إذا كان المجرى غير صالح للملاحة، فيرسم الحد مع خط الوسط عندما تهبط المياه إلى أقصى مستوى لها، علماً بأنه قد يرسم الحد بحيث يرافق إحدى ضفاف النهر، ليدخل هذا الأخير بكامله في حدود دولة دون الأخرى.
ويعد خط الوسط في رسم الحد في البحيرات الطريقة الأكثر شيوعاً، وفي حال وجود جزر فغالباً ما يتم الالتفاف حول الجزيرة بغية تجنب تقسيمها.
أما فيما يتعلق بالحدود البحرية، فقد جاءت اتفاقية جمايكة لعام 1982، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 1994، لتقول إن المياه الإقليمية لأي دولة لا يجب أن تتجاوز 12 ميلاً بحرياً، انطلاقاً من خطوط الأساس التي تحددها الاتفاقية ذاتها. وتعد المسافة التي حددتها الدولة لذاتها هي حدود الدولة نظرياً، لأن سيادتها تقف عند هذا الحد، أما فيما يتعلق بالمنطقة المجاورة والتي حددت أيضاً بمسافة تساوي مسافة البحر الإقليمي على أن لا تجاوزا معاً الـ 24 ميلاً بحرياً، والمنطقة الاقتصادية الخالصة والمحددة بـ 200 ميل بحري، والجرف القاري المحدد بـ 200 ميل بحري محسوبة من خطوط الأساس[ر. البحار (قانون -)] فللدولة عليها سلطات محددة وليس سيادة، مما دعا بعض الفقهاء للقول إنها تقع خارج حدود الدولة، بينما يرى بعضهم الآخر أن الحدود البحرية لأي دولة، تنتهي عند آخر نقطة تمارس عليها سلطة، وعند بداية البحر العام الذي هو ملك للبشرية جمعاء.
الحدود المعترف بها، ونظرية الحدود الآمنة
إن الاعتراف بالحدود القائمة بين دولتين أو أكثر يؤدي إلى استقرار مبدئي في العلاقات بين هذه الأقاليم، إلا أن الحدود، وإن كانت دائمة، إلا أنها ليست أبدية، ونزاعاتها واردة، حتى بعد استقرارها في معاهدات واتفاقات. فقد تعتمد بعض الدول، وخاصة بعد استكمال أسباب بنائها والاستقرار فيها، إلى المطالبة بحدود تاريخية كانت تفصلها عن إقليم آخر، وتختلف عن الحدود المصطنعة التي ارتضتها عند قيامها. فالصين التي يفصلها عن الاتحاد السوڤييتي السابق 5000 كم من الحدود، كانت قد أثارت موضوع عدم تكافؤ المعاهدات التي نظمت هذه الحدود، كما أن تايلند أثارت موضوع الخطأ في تعيين حدودها مع كمبودية،عند إثارة موضوع معبد برياه فهيار.
على أن وضوح الحدود أو الاعتراف بها دولياً، لم يشكل بحد ذاته عائقاً لولادة نظرية جديدة هي نظرية الحدود الآمنة والشريط الأمني، والتي تجد جذورها في نظرية الضرورة، حيث تنادي مجموعة من الدول لتبرير احتلالها أو تدخلها ضمن أراضي إقليم أو أقاليم مجاورة بضرورة هذا التدخل لحماية أمنها، وهذا ما فعلته إسرائيل عام 1967، حين احتلت أراضٍ عربية في الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان، وتمكنت من خلال الضغوط الأمريكية من استصدار قرار مجلس الأمن 242 لعام 1967، الذي ورد في متنه واجب إسرائيل الانسحاب من أراضٍ (وليس من الأراضي) احتلتها عام 1967، فوجدت بذلك، ولأول مرة، نظرية الحدود الآمنة أو الحدود التي تسهل الدفاع عنها لتبرير رفض انسحاب إسرائيل من كل شبر من الأراضي المحتلة، إِعمالاً لقواعد القانون الدولي. و هذا ما فعلته إسرائيل أيضاً عام 1982، عندما احتلت في جنوبي لبنان شريطاً يبلغ طوله 20كم بعمق 8كم، مستندة إلى أن هذا العمل ما جاء إلا للحفاظ على أمن مستعمراتها في الشمال الفلسطيني، إلا أن خروجها عام 2000 من هذا الجنوب، جاء ليثبت أن آخر ما كان يفكر فيه الصهاينة هو الأمن، وأن الهدف الحقيقي كان احتلال المنطقة، وخاصة لحل مشكلة المياه التي تعاني إسرائيل قلّتها. ومن جهة أخرى، لا بد من التنويه إلى أن نظام الجوار يخلق بعض المشكلات بين الدول، تدفع بعضها إلى خرق حدود بعضها الآخر، وفي غالب الأحيان الاستقرار في أراضيه بحجة ملاحقة ثوار أو قمع عمليات تهريب، وهذا ما فعلته تركيا في خرقها لحدود شمال العراق واستقرار بعض وحدات من جيشها هناك، في محاولة لإنشاء شريط أمني، منعاً للهجمات المتكررة من الأكراد، وفي محاولة لضرب معاقلهم في العراق.
على أن نظرية الحدود الآمنة والشريط الحدودي الأمني تبدوان غير واقعتين في ظل نظام التسلح الحديث ونظم المراقبة، حيث أصبحت الصواريخ عابرة للقارات، ونظام سلاح الطيران البالغ التطور أكثر من رادع، وحيث تفكر بعض الدول في تطوير نظام «حرب النجوم»، وكل هذا يدحض نظرية الحدود الآمنة ليدخلها خانة الاحتلال العسكري، ويعيد لاستقرار الحدود دوره عاملاً من عوامل استقرار العلاقات الدولية، ويجعل من أي خرق لحدود دولة ما اعتداء على سيادتها، وبالتالي عدواناً يدينه المجتمع العالمي ويرفضه القانون الدولي.
أمل يازجي