اتباعيه جديده (في فنون وعماره)
Neoclassicism - Néo-classicisme
الاتباعية الجديدة في الفنون والعمارة
يطلق مصطلح الاتباعية الجديدة أو الاتباعية المحدثة le néoclassicisme في الفنون والعمارة على الطراز الفني والمعماري الذي غلب في الحقبة ما بين نحو منتصف القرن الثامن عشر ومنتصف القرن التاسع عشر، وذلك الطراز المنبثق بتأثير من نزوع جديد نحو الحضارة الاتباعية بعد أن تنكر عدد من الفنانين لطراز الروكوكو le rococo المفرط في الأناقة والتنميق، وآثروا العودة إلى صيغ العصر الاتباعي القديم وموضوعاته.
كانت الثورة الفرنسية عام 1789 منطلقاً لتحول مهم في أوربة، ولا يصدق ذلك على الأوضاع السياسية والعسكرية فحسب، بل إنه يصدق كذلك في حال البنى الاجتماعية والفكرية والثقافية. ولم يقف الفن بعيداً عن هذا التحوّل المفاجئ في عالم الاختراع التقني، فقد استفاد المعماريون من الحديد في بناء الجسور والمعامل والمحطات والأسواق الكبرى وواجه المصورون أمام آلة التصوير الضوئي (الفوتوغرافي) التي طوّرها الفرنسي داغير Daguerre (1789-1851) انحسار التصوير الزيتي للوجوه، وشهد القرن التاسع عشر حماسة جديدة في السعي إلى كشف آثار الحضارات القديمة، ولاسيما حضارات الشرق الأوسط.
شهد عهد لويس الخامس عشر (1710-1774) اهتماماً جديداً بالفن الاتباعي في فرنسة، وكان صالون مدام دي بومبادور Pompadour يضم الكثير من الكتّاب والفنانين، من أمثال بوشيه Boucher، ممن أصروا على العودة إلى الاتباعية. غير أن تغيراً طرأ على هذا الاتجاه في عهد لويس السادس عشر (1754-1793) بتأثير ماري أنطوانيت في شؤون الفن. وبقي تيار الاتباعية يجري ببطء يدفعه شاب طموح هو جاك لويس دافيد David (1748-1825) الذي اشترك في الثورة الفرنسية وفي القضاء على لويس السادس عشر وإنهاء الملكية.
وفي عهد نابليون دفع الحنين إلى إقامة إمبراطورية مقدسة جديدة، بالمشرفين على الفكر والمشرفين على الفن، من أمثال دافيد، إلى الإلحاح على بعث التراث الروماني القديم. ودعم هذا الاتجاه ظهور مكتشفات أثرية في إيطالية في هيركولانم Herculanum (1738)، وبومبيي Pompéi (1748) أعادت إلى الذاكرة أمجاد الإغريق والرومان في الحضارة والفن، ووفرت الفرصة للموازنة بين فن رصين مثالي قديم وفن زخرفي ماجن مفرط في التأنق هو فن الروكوكو الذي كان مخصصاً لخدمة البلاط قبل الثورة.
وزاد الاهتمام بالخرائب والأطلال القديمة، وازداد في رومة على وجه الخصوص، الإقبال على دراسة هذه الأطلال وعلى محاولات حفظ بعض الآثار المهملة، وكان الفنان كانوفا Canova [ر] من أشهر من تمسك بالأسلوب الاتباعي في النحت، وتأثر المعماريون في باريس أمثال برسييه Charles Percier (1764-1838) وفونتين P.F.L.Fontaine (1762-1853) بالفن الإتروسكي [ر] والفن في مصر، وبدت ألوان الغرف الزرقاء تحاكي تلك التي في بومبيي. وجنح الرسامون أمثال رنيو J.B. Regnault (1754-1829) إلى الموضوعات الأسطورية، وكان برودون P.Prud'hon (1758-1823) من أكثر المصورين تأثراً بهذه الموضوعات القديمة.
الاتباعية الجديدة في العمارة:
استمر الإقبال في العمارة على أسلوب الفن الاتباعي في فرنسة قبيل الثورة الفرنسية وحتى الجمهورية الأولى، وقد مر هذا الفن في هذه الحقبة بالأسلوب الإمبراطوري Style empire الذي تمثل خاصة بالفنون التطبيقية وبالأثاث والأدوات، وهو في حد ذاته مزيج من تأثير الفن الروماني القديم والفن المصري.
وكان على المعماريين، قبل أي شيء آخر، أن يستفيدوا من مبتكرات الصناعة، وأن يطوروا الأصول التقنية باستعمال الحديد مثلاً، ولكن اهتماماتهم الأولى كانت منصبة على الشكل الخارجي الذي يجب أن يقوم على الأسس المعمارية الاتباعية، كوجود الحامل والمحمول والأعمدة والجبهة والإفريز والرواق، وقد فرض هذا الطراز في جميع العمارات مهما اختلفت وظائفها سواء أكانت معبداً أو مسرحاً أم مستشفى أم سوقاً للخضار، فالمهم هو التقليد الحرفي للشكل الاتباعي الخارجي.
وفي فرنسة كان ثمة اتجاهان متناقضان. تزعمت مدرسة البوليتكنيك الشهيرة الاتجاه الأول القائم على مبدأ الجمال العقلاني، وكان من أبرز أعلام هذا الاتجاه المهندس الفرنسي بالتار V.Baltard (1805-1874) والمهندس دوك Duc
(1802-1879) الذي أقام العدل في باريس. أما الاتجاه الثاني فتتزعمه مدرسة الفنون الجميلة التي كانت تنادي بالمبادئ الاتباعية في العمارة، وبهذا يقول المهندس الفرنسي لودو Ledoux (1736-1806): «الجمال ليس إلا التناسب الاتباعي». ومن آثار دعوة هذه المدرسة إقامة عمود الفاندوم Vendome وقوس نصر كاروزيل Carrousel وقوس نصر النجمة Etoile وكنيسة المادلين Madeleine، وقد ابتدئ بهذه العمارات في عام 1806.
ومن أشهر المعماريين الاتباعيين آنذاك شارل برسييه الذي اشتهر بإنشاء بعض واجهات اللوفر، كما صمم قوس نصر كاروزيل (1806-1808).
أما سوفلو G.Sufflot (1713-1780) فقد أقام البانتيون Banthéon في باريس، كما خطط فينيون Vignon كنسية المادلين.
وانتشرت العمارة الاتباعية في أنحاء أوربة، ففي برلين ما تزال بوابة براندنبورغ Brandenborg التي صممها لانغهانز Langhans قائمة إذ أعيد بناؤها بعد تهدمها في أثناء الحرب العالمية الثانية. وفي إنكلترة أقام جون فان بروغ John Van Brogh (1664- 1726) قصر بلنهيم Blenheim، كما أقام لورد بورلنغتون Burlington قصر تشيزيك Chiswick House في لندن.
الاتباعية الجديدة في النحت:
يعد النحات الإيطالي كانوفا A.Canova (1757-1822) رائد النحت الاتباعي في عصره. ومن أشهر أعماله «الحب والنفس» والتمثال الرأسي «القنصل الأول- نابليون» والتمثال الكبير «نابليون يحمل النصر» وقد بدا فيه نابليون عارياً كالإغريق وبدا النحت أشبه بأسلوب النحات اليوناني ليسيبي Lysippe (370ق.م -...) ولقد تأثر بكانوفا في فرنسة بعض النحاتين من أمثال شينار J.Chinard في تمثاله النصفي «مدام ريكامبيه». وجاء برادييه Bradier في تمثاله سافو Sapho وفرانسوا جوزيف بوسيو Bosio في تمثال «الفارس» الذي يمثل لويس الرابع عشر.
أما في ألمانية فيعد قبر الكونت فون ديرمارك الذي زيّنه غوتو فرد شادو Schadow من أبرز الآثار النحتية الاتباعية.
وقد اشتهر في إنكلترة جون فلاكسمان J. Flaxman (1755-1826) وفي السويد دون توبيا سيرجيل Sergelle (1740-1814) في تمثاله «الحب والنفس».
الاتباعية الجديدة في التصوير:
تقوم الاتباعية الجديدة في التصوير على نبالة الموضوع، وصرامة الخطوط، ورصانة الألوان، وانتفاء العاطفة.