Fareed Zaffour
18 أبريل 2022l
Mohammad Kujjah - مثقفو حلب
1 مارس 2022 ·
"العجيلي" في جيلين "
مقالة نشرت عام 2005 .
اعيد نشرها مع اضافة موجزة .
1 - مَن منّا لا يعرف "عبد السلام العجيلي"؟ الاسم الذي دخل ذاكرة الثقافة العربية ولن يخرج منها عبر الأجيال القادمة، الرجل الذي تُلخّص حياتُه سيرةَ وطنٍ بتجلّياته وتداعيات أحداثه خلال ثلاثة أرباع القرن.
أعمالٌ أدبية تجاوزت الأربعين عنواناً في الرواية والقصة والمحاضرة والخاطرة والذكريات.. وكل ذلك في إطارٍ إنسانيٍّ رفيع، وفي إطارٍ وطنيٍّ لا يعرف المراوغة ولا التنازل عن القناعات النقية الواضحة.
*****
2 - "عبد السلام العجيلي".. القادم من الرقة البيضاء، رقّة "الرشيد"، ومدينة التاريخ الممتد عبر آلاف السنين.. قادم من تلك الرقة المستلقية على حافة الفرات، حيث وُلدت بدايات الحضارات البشرية.
من الرقة إلى أقاصي العالم.. ومن العربية إلى لغات ولغات، تتدافع أعمال "عبد السلام العجيلي" ترجمات ودراسات وأطروحات.
3 - جاء "عبد السلام" إلى حلب صبياً يافعاً، لكي تحتضنه ثانوية المأمون، وكان اسمُها (تجهيز حلب) في مطلع ثلاثينات القرن الماضي. ودخلت مدينة حلب في تكوين "العجيلي" النفسي والثقافي والمعرفي، وارتسمت في أعماله بجلاء وعشق، حتى غدا الفضاء الروائي الحلبي جزءاً من هذه الأعمال.
وامتدت الرحلة إلى كلية الطب في دمشق، ثم إلى مجلس النواب، ثم إلى الوزارة، وخلال ذلك كله كانت عيادة "عبد السلام العجيلي" في الرقة التي لم يغادرها وبقي الوفيّ لها، وبقيت هي الوفية له. في الرقة الطبيب الإنسان، والرجل العلم، والاسم الكبير بحضوره وجذوره وعلاقاته وآفاقه الإنسانية.
4 - خلال ذلك كله كان اسم "عبد السلام العجيلي" يتدفق في ميادين الأدب، ليغدو ذلك العملاق الحاضر في الذاكرة السورية ومنها إلى الذاكرة العربية ثم الذاكرة العالمية.
في أعماله الروائية، في قصصه، في خواطر رحلاته، في محاضراته، في ذلك كله تلمح "العجيلي" الإنسان الذي يحمل على كاهله آلاف السنين من الحضارة، ويحمل في قلبه عواطف الوطن محباً ومحبوباً ويحمل في سجل أيامه صور الوطني الغيور..
*****
5 - في عمله الأخير (جيش الإنقاذ: صور منه.. كلمات عنه)، يطلّ علينا "عبد السلام العجيلي" العريق المتجدد، والقديم الحديث.
ذكريات يقترب عمرها من ستين عاماً، حينما كان ذلك الشاب الطبيب السياسي يحمل بندقيته في جبال الجليل لكي يدافع عن كرامة العرب في أرض فلسطين، لكي يرفض مواقف التجزئة والتقسيم ودهاليز وعود بلفور وسايكس بيكو.
ترك مقعدَه في المجلس النيابي، وعيادتَه، وحمل البندقية ليجاهد مع المجاهدين في أرض فلسطين. ويأتي هذا الكتاب مزيجاً من المذكرات والقصة والتوثيق التاريخي لتفاصيل يجب أن تبقى حيةً وسط طوفان الهزائم والتنازلات.
*****
6 - في الأمسية التي تسلمتُ فيها الكتاب وعليه توقيع الصديق الكبير "عبد السلام العجيلي"، تسلّمتُ في الوقت نفسه عملاً (عجيلياً) آخر، ولكنه لجيلٍ ثانٍ من آل العجيلي وليس لـعبد السلام.. إنه العمل القصصي الجميل الذي يحمل عنوان (المشربية) لمؤلفته الأديبة "شهلا العجيلي".
عرفت "شهلا العجيلي" منذ أن كانت طالبةً في قسم اللغة العربية بجامعة حلب، طالبة متألقةً تتدفق بالحيوية والنشاط اللمّاح، وتشارك في الندوات والمؤتمرات، ويكون لها في أكثر الأحيان حضورٌ لافت بالمداخلات والمناقشات التي تشهد لها دائماً بالدقة والمثابرة والحرص على البحث الدؤوب.
7 - و"شهلا" الباحثة التي تمضي في الدراسات النقدية لتنال شهادة الدكتوراه، هي في الوقت نفسه مبدعة، ففي الأمسية (العجيلية) نفسها تسلمتُ عملها الأدبي الرشيق (المشربية) وهو 14 قصة قصيرة أطولها (المشربية).
وتتراوح بقيتها بين الرؤية الفكرية والاجتماعية والوطنية، في عناوين لافتة مثل: حالة حب/ فلسفة/ الرجال أسرار، وكأن "شهلا" تريد أن تطلّ من خلف شباك (المشربية) على مجتمعها بآفاقه المتداخلة المتشابكة فتقدم إلينا ومضات ذكية جريئة شفافة لماحة.
*****
8 - لا شك أن الإبداع شيء لا يتصل بالوراثة.. ولكن التواصل والاستمرار يحملان معاني جميلةً مهما كانت أسباب ذلك التواصل وهذا الاستمرار.
لقد كان جميلاً جداً أن يجلس العملاق "عبد السلام العجيلي" إلى جانب عمله الجديد (جيش الإنقاذ) ومعه الجيل الآخر من أسرة "العجيلي" ممثلاً بابنة أخيه الصديق عبد العظيم العجيلي "شهلا" ومعها (مشربيتها).
"عبد السلام" الذي احترف الطب وعشق الأدب، فطار بجناحي الطب والأدب، ودخل عالم العمل الوطني من أوسع أبوابه، فكراً وممارسة وسلوكاً، وولج آفاق الإنسانية الرحبة بثقة وثبات..
و"شهلا" التي احترفت البحث الأدبي، وكان هواها في الإبداع الأدبي، ولا شك أن الآفاق أمامها رحبةٌ واعدة، وهي المتمكّنة من أدواتها ولغتها والواعية لمجريات الأحداث من حولها.
*****
كانت أمسية (عجيليةُ) بحق.. هذه الأسرة التي حملت تراث الفرات وجعلت من أمواجه عبيراً وفكراً وأدباً يتناثر فوق المنابر العربية والعالمية.
*****
9 - من المعلوم ان الاديب الكبير الدكتور عبد السلام العجيلي توفي بتاريخ 5 _ 4 _ 2006 , وقد شاركت في تأبينه ، ونشرت مقالات عنه اكثر من مرة ، وهو الذي كان صديقا حميما ورجلا نبيلا أصيلا محترما وشخصية استثنائية علميا واجتماعيا وثقافيا، رحمه الله رحمة واسعة.
10 - ومن المعلوم كذلك ان الدكتورة شهلا العجيلي اليوم أكاديمية رصينة واستاذة جامعية ، وناقدة حصيفة وروائية مرموقة ، من ابرز اعمالها الروائية :
عين الهر
سجاد عجمي
صيف مع العدو
سماء قريبة من بيتنا
وقد ترجمت اعمالها الى عدد من اللغات الحية.
كما صدرت لها دراسات نقدية فائقة الأهمية .
18 أبريل 2022l
Mohammad Kujjah - مثقفو حلب
1 مارس 2022 ·
"العجيلي" في جيلين "
مقالة نشرت عام 2005 .
اعيد نشرها مع اضافة موجزة .
1 - مَن منّا لا يعرف "عبد السلام العجيلي"؟ الاسم الذي دخل ذاكرة الثقافة العربية ولن يخرج منها عبر الأجيال القادمة، الرجل الذي تُلخّص حياتُه سيرةَ وطنٍ بتجلّياته وتداعيات أحداثه خلال ثلاثة أرباع القرن.
أعمالٌ أدبية تجاوزت الأربعين عنواناً في الرواية والقصة والمحاضرة والخاطرة والذكريات.. وكل ذلك في إطارٍ إنسانيٍّ رفيع، وفي إطارٍ وطنيٍّ لا يعرف المراوغة ولا التنازل عن القناعات النقية الواضحة.
*****
2 - "عبد السلام العجيلي".. القادم من الرقة البيضاء، رقّة "الرشيد"، ومدينة التاريخ الممتد عبر آلاف السنين.. قادم من تلك الرقة المستلقية على حافة الفرات، حيث وُلدت بدايات الحضارات البشرية.
من الرقة إلى أقاصي العالم.. ومن العربية إلى لغات ولغات، تتدافع أعمال "عبد السلام العجيلي" ترجمات ودراسات وأطروحات.
3 - جاء "عبد السلام" إلى حلب صبياً يافعاً، لكي تحتضنه ثانوية المأمون، وكان اسمُها (تجهيز حلب) في مطلع ثلاثينات القرن الماضي. ودخلت مدينة حلب في تكوين "العجيلي" النفسي والثقافي والمعرفي، وارتسمت في أعماله بجلاء وعشق، حتى غدا الفضاء الروائي الحلبي جزءاً من هذه الأعمال.
وامتدت الرحلة إلى كلية الطب في دمشق، ثم إلى مجلس النواب، ثم إلى الوزارة، وخلال ذلك كله كانت عيادة "عبد السلام العجيلي" في الرقة التي لم يغادرها وبقي الوفيّ لها، وبقيت هي الوفية له. في الرقة الطبيب الإنسان، والرجل العلم، والاسم الكبير بحضوره وجذوره وعلاقاته وآفاقه الإنسانية.
4 - خلال ذلك كله كان اسم "عبد السلام العجيلي" يتدفق في ميادين الأدب، ليغدو ذلك العملاق الحاضر في الذاكرة السورية ومنها إلى الذاكرة العربية ثم الذاكرة العالمية.
في أعماله الروائية، في قصصه، في خواطر رحلاته، في محاضراته، في ذلك كله تلمح "العجيلي" الإنسان الذي يحمل على كاهله آلاف السنين من الحضارة، ويحمل في قلبه عواطف الوطن محباً ومحبوباً ويحمل في سجل أيامه صور الوطني الغيور..
*****
5 - في عمله الأخير (جيش الإنقاذ: صور منه.. كلمات عنه)، يطلّ علينا "عبد السلام العجيلي" العريق المتجدد، والقديم الحديث.
ذكريات يقترب عمرها من ستين عاماً، حينما كان ذلك الشاب الطبيب السياسي يحمل بندقيته في جبال الجليل لكي يدافع عن كرامة العرب في أرض فلسطين، لكي يرفض مواقف التجزئة والتقسيم ودهاليز وعود بلفور وسايكس بيكو.
ترك مقعدَه في المجلس النيابي، وعيادتَه، وحمل البندقية ليجاهد مع المجاهدين في أرض فلسطين. ويأتي هذا الكتاب مزيجاً من المذكرات والقصة والتوثيق التاريخي لتفاصيل يجب أن تبقى حيةً وسط طوفان الهزائم والتنازلات.
*****
6 - في الأمسية التي تسلمتُ فيها الكتاب وعليه توقيع الصديق الكبير "عبد السلام العجيلي"، تسلّمتُ في الوقت نفسه عملاً (عجيلياً) آخر، ولكنه لجيلٍ ثانٍ من آل العجيلي وليس لـعبد السلام.. إنه العمل القصصي الجميل الذي يحمل عنوان (المشربية) لمؤلفته الأديبة "شهلا العجيلي".
عرفت "شهلا العجيلي" منذ أن كانت طالبةً في قسم اللغة العربية بجامعة حلب، طالبة متألقةً تتدفق بالحيوية والنشاط اللمّاح، وتشارك في الندوات والمؤتمرات، ويكون لها في أكثر الأحيان حضورٌ لافت بالمداخلات والمناقشات التي تشهد لها دائماً بالدقة والمثابرة والحرص على البحث الدؤوب.
7 - و"شهلا" الباحثة التي تمضي في الدراسات النقدية لتنال شهادة الدكتوراه، هي في الوقت نفسه مبدعة، ففي الأمسية (العجيلية) نفسها تسلمتُ عملها الأدبي الرشيق (المشربية) وهو 14 قصة قصيرة أطولها (المشربية).
وتتراوح بقيتها بين الرؤية الفكرية والاجتماعية والوطنية، في عناوين لافتة مثل: حالة حب/ فلسفة/ الرجال أسرار، وكأن "شهلا" تريد أن تطلّ من خلف شباك (المشربية) على مجتمعها بآفاقه المتداخلة المتشابكة فتقدم إلينا ومضات ذكية جريئة شفافة لماحة.
*****
8 - لا شك أن الإبداع شيء لا يتصل بالوراثة.. ولكن التواصل والاستمرار يحملان معاني جميلةً مهما كانت أسباب ذلك التواصل وهذا الاستمرار.
لقد كان جميلاً جداً أن يجلس العملاق "عبد السلام العجيلي" إلى جانب عمله الجديد (جيش الإنقاذ) ومعه الجيل الآخر من أسرة "العجيلي" ممثلاً بابنة أخيه الصديق عبد العظيم العجيلي "شهلا" ومعها (مشربيتها).
"عبد السلام" الذي احترف الطب وعشق الأدب، فطار بجناحي الطب والأدب، ودخل عالم العمل الوطني من أوسع أبوابه، فكراً وممارسة وسلوكاً، وولج آفاق الإنسانية الرحبة بثقة وثبات..
و"شهلا" التي احترفت البحث الأدبي، وكان هواها في الإبداع الأدبي، ولا شك أن الآفاق أمامها رحبةٌ واعدة، وهي المتمكّنة من أدواتها ولغتها والواعية لمجريات الأحداث من حولها.
*****
كانت أمسية (عجيليةُ) بحق.. هذه الأسرة التي حملت تراث الفرات وجعلت من أمواجه عبيراً وفكراً وأدباً يتناثر فوق المنابر العربية والعالمية.
*****
9 - من المعلوم ان الاديب الكبير الدكتور عبد السلام العجيلي توفي بتاريخ 5 _ 4 _ 2006 , وقد شاركت في تأبينه ، ونشرت مقالات عنه اكثر من مرة ، وهو الذي كان صديقا حميما ورجلا نبيلا أصيلا محترما وشخصية استثنائية علميا واجتماعيا وثقافيا، رحمه الله رحمة واسعة.
10 - ومن المعلوم كذلك ان الدكتورة شهلا العجيلي اليوم أكاديمية رصينة واستاذة جامعية ، وناقدة حصيفة وروائية مرموقة ، من ابرز اعمالها الروائية :
عين الهر
سجاد عجمي
صيف مع العدو
سماء قريبة من بيتنا
وقد ترجمت اعمالها الى عدد من اللغات الحية.
كما صدرت لها دراسات نقدية فائقة الأهمية .