مالك طوق
Malik ibn Tawk - Malik ibn Tawk
مالك بن طوق
(…ـ 259هـ/ … ـ873م)
مالك بن طوق بن عتاب التغلبي، ولي إمرة دمشق للمتوكّل العبّاسيّ، وكان من الفرسان الأجواد، كان ينادى للإفطار على باب داره بالخضراء وهي مفتّحة الأبواب عند الغروب في شهر رمضان: الإفطار يرحمكم الله. ثمّ بنى مدينة الرحبة، وسُميّت باسمه، وسبب بنائها أنّ هارون الرشيد اجتاز الفرات في حرّاقة ومعه مرافقون منهم مالك بن طوق، فلمّا اقتربوا من الدواليب التي على الشطّ قال مالك: يا أمير المؤمنين لو خرجتَ إلى الشطّ لنجوز هذه البقعة. فقال هارون الرشيد: أحسبك تخاف هذه الدواليب! فقال مالك: يكفي الله أمير المؤمنين كلَّ محظور، ولكن إن رأى أمير المؤمنين ذلك رأياً وإلاّ فالأمر له. فقال الرشيد: قد تطيّرتُ بقولك، وقدّم السفينة وصعد إلى الشطّ، فلمّا بلغت الحرّاقة موضع الدواليب دارت دورة ثمّ انقلبت بكلّ ما فيها، فعجب هارون الرشيد، وسجد لله شكراً، وأمر بإخراج مال عظيم يفرّق على الفقراء في جميع الأماكن، وقال لمالك: وجبت لك عليّ حاجة فسل. فقال: يقطعني أمير المؤمنين في هذا الموضع أرضاً أبنيها مدينة تنسب إليّ. فقال الرشيد: قد فعلت. وأمر أن يعان في بنائها بالمال والرجال، فلما عمرها واستوثقت أموره فيها، وتحوّل الناس إليها، أنفذ إليه الرشيد يطلب منه مالاً، فتعلّل ودافع ومانع وتحصّن فأنفذ إليه الرشيد الجيوش، وطالت الوقائع بينه وبين عسكر الرشيد، إلى أن ظفر به صاحب الرشيد وحمله مكبّلاً، فمكث في السجن عشرة أيّام، ثمّ أمر بإخراجه فأخرج من الحبس إلى مجلس أمير المؤمنين والوزراء والحجاب والأمراء بين يدي الرشيد، فلما مَثُل بين يديه قبّل الأرض ولم ينطق، فعجب الرشيد من صمته وغاظه ذلك، فأمر بضرب عنقه، وبُسط النطع وجُرّد السيف وقُدّم مالك، فقال الوزير يحيى: ويلك يا مالك لم لا تتكلّم، فإنّ أمير المؤمنين يسمع كلامك! فرفع رأسه وقال: يا أمير المؤمنين أخرست عن الكلام دهشة، وقد أدهشت عن السلام والتحيّة، فأمّا إذ أذن أمير المؤمنين فإنّي أقول: السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، الحمد لله الذي خلق الإنسان من سلالة من طين، يا أمير المؤمنين جبر الله بك صدع الدين، ولمّ بك شعث الأمّة، وأخمد بك شهاب الباطل، وأوضح بك سبيل الحقّ، إنّ الذنوب تخرس الألسنة الفصيحة، وتصدع الأفئدة، وأيم الله، لقد عظمت الجريمة، وانقطعت الحجّة، ولم يبق إلاّ عفوك أو انتقامك، ثم التفت يميناً وشمالاً وأنشأ يقول:
فبكى هارون الرشيد بكاء تبسّمٍ وقال: لقد سكتَّ على همّة، وتكلّمتَ على حلمٍ وحكمة، وقد عفوتُ لك عن الصبوة ووهبتك للصبية، فارجع إلى مالك، ولا تعاود فعالك. فقال: سمعاً لأمير المؤمنين وطاعة. ثمّ انصرف من عنده بالخلع والجوائز.
وقد مدح أبو تمام مالك بن طوق قائلاً من قصيدة:
عبد الكريم عيد الحشاش
Malik ibn Tawk - Malik ibn Tawk
مالك بن طوق
(…ـ 259هـ/ … ـ873م)
مالك بن طوق بن عتاب التغلبي، ولي إمرة دمشق للمتوكّل العبّاسيّ، وكان من الفرسان الأجواد، كان ينادى للإفطار على باب داره بالخضراء وهي مفتّحة الأبواب عند الغروب في شهر رمضان: الإفطار يرحمكم الله. ثمّ بنى مدينة الرحبة، وسُميّت باسمه، وسبب بنائها أنّ هارون الرشيد اجتاز الفرات في حرّاقة ومعه مرافقون منهم مالك بن طوق، فلمّا اقتربوا من الدواليب التي على الشطّ قال مالك: يا أمير المؤمنين لو خرجتَ إلى الشطّ لنجوز هذه البقعة. فقال هارون الرشيد: أحسبك تخاف هذه الدواليب! فقال مالك: يكفي الله أمير المؤمنين كلَّ محظور، ولكن إن رأى أمير المؤمنين ذلك رأياً وإلاّ فالأمر له. فقال الرشيد: قد تطيّرتُ بقولك، وقدّم السفينة وصعد إلى الشطّ، فلمّا بلغت الحرّاقة موضع الدواليب دارت دورة ثمّ انقلبت بكلّ ما فيها، فعجب هارون الرشيد، وسجد لله شكراً، وأمر بإخراج مال عظيم يفرّق على الفقراء في جميع الأماكن، وقال لمالك: وجبت لك عليّ حاجة فسل. فقال: يقطعني أمير المؤمنين في هذا الموضع أرضاً أبنيها مدينة تنسب إليّ. فقال الرشيد: قد فعلت. وأمر أن يعان في بنائها بالمال والرجال، فلما عمرها واستوثقت أموره فيها، وتحوّل الناس إليها، أنفذ إليه الرشيد يطلب منه مالاً، فتعلّل ودافع ومانع وتحصّن فأنفذ إليه الرشيد الجيوش، وطالت الوقائع بينه وبين عسكر الرشيد، إلى أن ظفر به صاحب الرشيد وحمله مكبّلاً، فمكث في السجن عشرة أيّام، ثمّ أمر بإخراجه فأخرج من الحبس إلى مجلس أمير المؤمنين والوزراء والحجاب والأمراء بين يدي الرشيد، فلما مَثُل بين يديه قبّل الأرض ولم ينطق، فعجب الرشيد من صمته وغاظه ذلك، فأمر بضرب عنقه، وبُسط النطع وجُرّد السيف وقُدّم مالك، فقال الوزير يحيى: ويلك يا مالك لم لا تتكلّم، فإنّ أمير المؤمنين يسمع كلامك! فرفع رأسه وقال: يا أمير المؤمنين أخرست عن الكلام دهشة، وقد أدهشت عن السلام والتحيّة، فأمّا إذ أذن أمير المؤمنين فإنّي أقول: السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، الحمد لله الذي خلق الإنسان من سلالة من طين، يا أمير المؤمنين جبر الله بك صدع الدين، ولمّ بك شعث الأمّة، وأخمد بك شهاب الباطل، وأوضح بك سبيل الحقّ، إنّ الذنوب تخرس الألسنة الفصيحة، وتصدع الأفئدة، وأيم الله، لقد عظمت الجريمة، وانقطعت الحجّة، ولم يبق إلاّ عفوك أو انتقامك، ثم التفت يميناً وشمالاً وأنشأ يقول:
أرى الموت بين النطع والسيف كامناً يلاحظني مـن حيـث ما أَتَلَفّتُ وأكبـر ظنّي أنّـك اليـوم قاتـلي وأيُّ امرئٍ ممّا قضـى الله يُفْلِتُ يعـزّ على الأوس بـن تغلب وقفة يُهزّ عليّ السيفَ فيهـا وأسكِتُ وأيّ امـرئ يُـدلي بعـذرٍ وحجّةٍ وسيفُ المنايا بين عينيه مُصلتُ وما بيَ خـوف أن أمـوت وإنّني لأعلمُ أنّ المـوت شـيءٌ مُوَقّتُ ولكنّ خلفي صبيةٌ قـد تـركتهم وأكـبادهـم من خشيـةٍ تَتفتّتُ كأنّي أراهـم حيـن أُنعـى إليـهم وقد خمّشوا تلك الوجوه وصوّتوا فإن عشتُ عاشـوا خافضين بغبطةٍ أذود الردى عَنْهُمْ وإن متّ موّتوا |
وقد مدح أبو تمام مالك بن طوق قائلاً من قصيدة:
لا جود في الأقوام يُعلم ما خلا جوداً حليفاً في بني عتّابِ |