مازني (ابراهيم محمد)
Al-Mazini (Ibrahim ibn Mohammad-) - Al-Mazini (Ibrahim ibn Mohammad-)
المازني (إبراهيم بن محمد ـ)
(1308ـ 1368هـ/1890ـ 1949م)
إبراهيم بن محمد بن عبد القادر المازني الأديب الكبير، الشاعر الناقد الناثر. مولده ووفاته في القاهرة. نشأ في بيئة اجتماعية محافظة لأب أزهري، يعمل محامياً شرعياً. وقد توفِّي والده وهو طفل صغير، فشبّ في ضيق وضنك. وحرصت أمه على تعليمه، فأخرجته من الكتّاب إلى المدرسة. وعندما أنهى تعليمه الابتدائي والثانوي، التحق بكلية الطب، ثم تركها إلى مدرسة المعلمين، فتخرج فيها، وعمل مدرّساً للتاريخ، ثم كُلف تدريس اللغة الإنكليزية بدار العلوم، وبعد ذلك ترك التدريس؛ ليتفرغ للصحافة والأدب.
كان المازني كثير المطالعة؛ صبوراً عليها، ألمّ بالتراث العربي، وأولع باللغة العربية حتى صار عضواً في المجمع العلمي العربي بدمشق، ومجمع اللغة العربية في القاهرة وأتقن اللغة الإنكليزية، فقرأ أدبها ونقدها، وبرع في الترجمة عنها، فجمع بين الثقافة العربية الأصيلة والثقافة الغربية، وصدر عنهما في أدبه ونقده فضلاً عن تجاربه في الحياة.
عُرف المازني بظرفه وطيب عشرته وزهده بالمظاهر ومتاع الدنيا، وجمعه بين التواضع والاعتزاز بالنفس، فكان صاحب روح حلوة طيبة ونفس سمحة وقلب عطوف. بدأ نشاطه الأدبي ثائراً صاخباً؛ ناقماً على الحياة؛ رافضاً التقليد في الأدب ومناهج دراسته وتدريسه، وانتهى متفكّراً متأملاً في الحياة؛ ناقداً للمظاهر السلبية مع شيء من التشاؤم.
نظم المازني الشعر، وأصدر ديوانين صغيرين، وقدّم العقاد للأول منهما، وحاول فيهما تطبيق رأيه في الشعر؛ إلا أنه أخفق في الخروج من صورة الشعر العربي التقليدي، وغاية ما وصل إليه المسمّطات القريبة في شكلها من الموشح مع بعض الأفكار والأغراض الجديدة. وجاء معظم شعره تعبيراً عن نفسه المتألمة والمتشائمة؛ لذلك تنكر لشعره، وانصرف عنه لإحساسه أنه لن يبرّز فيه، ولن يجاري شعراء عصره.
أما نثره الإبداعي فكان فيه نسيج وحدِه وصاحب أسلوب مميز، لا يلتزم في مقالاته وقصصه بحدود أو قواعد، وانفرد بين أقرانه بتوظيف السخرية للتعبير عن فلسفته في الحياة، فأحسن تصوير الشخصيات وتحليل النفوس، ووصف الطبائع البشرية في المآزق، واتخذ من اختلاف العقول والأمزجة مادة خصبة لألوان الفكاهة وصورها، فحفلت كتاباته القصصية بالقيم الإنسانية والجمالية؛ مستخدماً أقرب لفظ وأسهل أسلوب، فمع امتلاكه للعربية لم يتقعّر مثل بعض أدباء زمانه، بل مال إلى الوضوح مع الفصاحة، فأتى بالسهل الممتنع؛ وبذلك أكسب المازني الشكل القصصي في الأدب العربي الحديث روح الفكاهة الآسرة التي جعلت القصة القصيرة مزجاً من الوصف والعرض، موضوعها وهدفها ظاهران، وبطلها واضح لا يختفي وسط ضجيج الحوادث والشخصيات، فجمع أدبه بين الدعابة الساخرة والروح الشعرية الساحرة.
وكان المازني أحد فرسان النقد والدراسة الأدبية، وعمل على نقل المفاهيم النقدية الغربية إلى الأدب العربي، فهاجم التقليد، وألّف مع عبد الرحمن شكري والعقاد جماعة الديوان لتحطيم أصنام الأدب، وشارك العقاد في كتاب «الديوان» الذي حمل لواء الدعوة لمذهب جديد في الأدب.وانخرط في معارك أدبية مع بعض أعلام الأدب في عصره، هادفاً من ذلك كله توجيه الأدب العربي نحوالفن الحقيقي والروح الإنسانية السامية.
ترك المازني مؤلفات كثيرة من الشعر والمقالة والقصة، والنقد الأدبي والدراسة الأدبية والترجمة منها «حصاد الهشيم» و«قبض الريح» و«صندوق الدنيا» و«إبراهيم الكاتب» ودراسة لشعر بشار بن برد وأخرى لشعر حافظ إبراهيم، وترجم مختارات من الأدب الإنكليزي، و«الكتاب الأبيض».
من شعره قوله:
ومن نثره قوله في تقديم كتابه «صندوق الدنيا»:
«كنت أجلس إلى الصندوق في أيام طفولتي وأنظر ما فيه، فصرت أحمله على ظهري، وأجوب به الدنيا، وأجمع مناظرها وصور العيش فيها، عسى أن يستوقفني نفر من أطفال الدنيا الكبار، فأحطّ (الدكّة)، وأضع الصندوق على قوائمه، وأدعوهم أن ينظروا، ويعجبوا، ويتسلَّوا بملاليم قليلة، يجودون بها على هذا الأشعث الأغبر…».
محمود سالم محمد
Al-Mazini (Ibrahim ibn Mohammad-) - Al-Mazini (Ibrahim ibn Mohammad-)
المازني (إبراهيم بن محمد ـ)
(1308ـ 1368هـ/1890ـ 1949م)
إبراهيم بن محمد بن عبد القادر المازني الأديب الكبير، الشاعر الناقد الناثر. مولده ووفاته في القاهرة. نشأ في بيئة اجتماعية محافظة لأب أزهري، يعمل محامياً شرعياً. وقد توفِّي والده وهو طفل صغير، فشبّ في ضيق وضنك. وحرصت أمه على تعليمه، فأخرجته من الكتّاب إلى المدرسة. وعندما أنهى تعليمه الابتدائي والثانوي، التحق بكلية الطب، ثم تركها إلى مدرسة المعلمين، فتخرج فيها، وعمل مدرّساً للتاريخ، ثم كُلف تدريس اللغة الإنكليزية بدار العلوم، وبعد ذلك ترك التدريس؛ ليتفرغ للصحافة والأدب.
كان المازني كثير المطالعة؛ صبوراً عليها، ألمّ بالتراث العربي، وأولع باللغة العربية حتى صار عضواً في المجمع العلمي العربي بدمشق، ومجمع اللغة العربية في القاهرة وأتقن اللغة الإنكليزية، فقرأ أدبها ونقدها، وبرع في الترجمة عنها، فجمع بين الثقافة العربية الأصيلة والثقافة الغربية، وصدر عنهما في أدبه ونقده فضلاً عن تجاربه في الحياة.
عُرف المازني بظرفه وطيب عشرته وزهده بالمظاهر ومتاع الدنيا، وجمعه بين التواضع والاعتزاز بالنفس، فكان صاحب روح حلوة طيبة ونفس سمحة وقلب عطوف. بدأ نشاطه الأدبي ثائراً صاخباً؛ ناقماً على الحياة؛ رافضاً التقليد في الأدب ومناهج دراسته وتدريسه، وانتهى متفكّراً متأملاً في الحياة؛ ناقداً للمظاهر السلبية مع شيء من التشاؤم.
نظم المازني الشعر، وأصدر ديوانين صغيرين، وقدّم العقاد للأول منهما، وحاول فيهما تطبيق رأيه في الشعر؛ إلا أنه أخفق في الخروج من صورة الشعر العربي التقليدي، وغاية ما وصل إليه المسمّطات القريبة في شكلها من الموشح مع بعض الأفكار والأغراض الجديدة. وجاء معظم شعره تعبيراً عن نفسه المتألمة والمتشائمة؛ لذلك تنكر لشعره، وانصرف عنه لإحساسه أنه لن يبرّز فيه، ولن يجاري شعراء عصره.
أما نثره الإبداعي فكان فيه نسيج وحدِه وصاحب أسلوب مميز، لا يلتزم في مقالاته وقصصه بحدود أو قواعد، وانفرد بين أقرانه بتوظيف السخرية للتعبير عن فلسفته في الحياة، فأحسن تصوير الشخصيات وتحليل النفوس، ووصف الطبائع البشرية في المآزق، واتخذ من اختلاف العقول والأمزجة مادة خصبة لألوان الفكاهة وصورها، فحفلت كتاباته القصصية بالقيم الإنسانية والجمالية؛ مستخدماً أقرب لفظ وأسهل أسلوب، فمع امتلاكه للعربية لم يتقعّر مثل بعض أدباء زمانه، بل مال إلى الوضوح مع الفصاحة، فأتى بالسهل الممتنع؛ وبذلك أكسب المازني الشكل القصصي في الأدب العربي الحديث روح الفكاهة الآسرة التي جعلت القصة القصيرة مزجاً من الوصف والعرض، موضوعها وهدفها ظاهران، وبطلها واضح لا يختفي وسط ضجيج الحوادث والشخصيات، فجمع أدبه بين الدعابة الساخرة والروح الشعرية الساحرة.
وكان المازني أحد فرسان النقد والدراسة الأدبية، وعمل على نقل المفاهيم النقدية الغربية إلى الأدب العربي، فهاجم التقليد، وألّف مع عبد الرحمن شكري والعقاد جماعة الديوان لتحطيم أصنام الأدب، وشارك العقاد في كتاب «الديوان» الذي حمل لواء الدعوة لمذهب جديد في الأدب.وانخرط في معارك أدبية مع بعض أعلام الأدب في عصره، هادفاً من ذلك كله توجيه الأدب العربي نحوالفن الحقيقي والروح الإنسانية السامية.
ترك المازني مؤلفات كثيرة من الشعر والمقالة والقصة، والنقد الأدبي والدراسة الأدبية والترجمة منها «حصاد الهشيم» و«قبض الريح» و«صندوق الدنيا» و«إبراهيم الكاتب» ودراسة لشعر بشار بن برد وأخرى لشعر حافظ إبراهيم، وترجم مختارات من الأدب الإنكليزي، و«الكتاب الأبيض».
من شعره قوله:
سلِ الخُلصاءَ ما صنعُوا بعهدي | أضاعُوهُ، وكم هزلوا بجدّي |
ركـبت إليهم ظـهر الأمـاني | على ثـقةٍ فعدْتُ أذمُّ وجدي |
وصـلتُ بحبلِهم حبـلي فـلمَّا | نأَوا عنِّي قطعْتُ حبالَ وُدّي |
«كنت أجلس إلى الصندوق في أيام طفولتي وأنظر ما فيه، فصرت أحمله على ظهري، وأجوب به الدنيا، وأجمع مناظرها وصور العيش فيها، عسى أن يستوقفني نفر من أطفال الدنيا الكبار، فأحطّ (الدكّة)، وأضع الصندوق على قوائمه، وأدعوهم أن ينظروا، ويعجبوا، ويتسلَّوا بملاليم قليلة، يجودون بها على هذا الأشعث الأغبر…».
محمود سالم محمد