مجدو
- -
مَجِدّو
تقع مجدّو (تل المتسلم حالياً) في سهل مرج ابن عامر في فلسطين؛ الذي يربط وادي الأردن بجبل الكرمل المتاخم للسهل الساحلي. وهو تل استراتيجي يرتفع نحو 60م، وتبلغ أبعاده 385×230م، ويقع على بعد 30كم جنوب شرقي حيفا.
نقبت في الموقع بعثة ألمانية برئاسة شوماخر G.Schumacher بين عامي 1903 و1905، ثم استأنفت التنقيب بعثة معهد الآثار الشرقية التابع لجامعة شيكاغو برئاسة فيشر O.S.Fisher، ثم تلاه غايGuy وغوردون لود Gordon Loud، واستمر العمل من 1925 إلى 1939.
ضمّ الموقع عشرين طبقة أثرية، يعود أقدمها إلى أواخر العصر الحجري الحديث، واستمر الاستيطان في الموقع إلى العصر الفارسي دون انقطاع.
ازدهرت المدينة في أثناء حضارة «تُلَيلات الغَسُّول» في العصر الحجري النحاسي، فظهرت مساكن مستطيلة مبنية من الحجارة، وسقوفها من القصب والطين، ولها ساحات مسوّرة، حوت مواقد للطبخ وحفراً لتخزين الحبوب، كما عثر على معبد يتألف من ساحة تحيط بها المباني، ومدخلين وبئر ومذبح؛ عثر فيه على عظام حيوانية وكسر فخارية. وقد دفن السكان موتاهم، - ولاسيما الأطفال- في جرار فخارية تحت البيوت، وعملوا في الزراعة وتربية الحيوان، وصنعوا الفخار الرمادي؛ وفخاراً مطبوعاً عليه أشكال حيوانية وزخارف نباتية.
في عصر البرونز القديم أصبحت المساكن أكبر، وبنيت المعابد التي تألفت من قاعة مستطيلة، مدخلها في جدارها الشرقي الطويل، ورفع السقف على دعائم خشبية ترتكز على قواعد حجرية، وكشف عن مدافن جماعية حفرت في الصخر، وحوت عدداً من الغرف الجانبية.
استعمل الفخار على نطاق واسع، وصُدّرت الجرار إلى مصر، وصنعت الأدوات البرونزية، كما عثر على أدوات للزينة وقطع ذهبية مصنعة محلياً وأختام أسطوانية، وظهرت في أواخر ذلك العصر زراعة الحبوب والزيتون واللوز.
في عصر البرونز الوسيط أصبحت مجدّو مدينة محصّنة، بنيت أسوارها بالحجارة واللبن، ودعمت بالأبراج، كما حصنت بواباتها الضخمة بالعضادات الحجرية، وبنيت فيها المساكن الكبيرة والقصور. وظهرت صناعة الحلي والغزل وحياكة الملابس. ازداد في ذلك العصر التدخل المصري في فلسطين، فقد عثر على جَعَارِين باسم الفرعون سنوسرت الأول (1970- 1936ق.م)، كما تذكر وثيقة مصرية توجه سنوسرت الثالث إلى فلسطين للقضاء على تمرّد فيها، وكانت مجدّو من تلك المناطق التي فتحها.
في العصر البرونزي الحديث تطورت مجدّو كثيراً، وبنيت فيها المساكن المنظمة وقصور الأمراء، كقصر الحاكم الذي اكتشف قرب بوابة المدينة، وتألف من قاعة كبيرة أحاط بها عدد من الغرف.
صنع السكان فخاراً مزخرفاً برسومات طيور وأسماك وأشكال هندسية، كما عثر على فخار مستورد من قبرص ومناطق بحر إيجة، وعثر تحت أنقاض أحد القصور على كميات كبيرة من الحلي من الذهب والخرز والحجر اللازوردي والزجاج الملون، وعلى مجموعة من العاجيات .
تعد معركة مجدّو أهم أحداث ذلك العصر، وهي أول تحقيق عسكري في العالم لمعركة خاضتها جيوش مصرية، وجاءت تفاصيلها في حوليات الفرعون المصري تُحوتْمس الثالث، حيث ذكر أنه استطاع عام 1468 ق.م أن يهزم تحالفاً لإمارات سورية وفلسطينية بقيادة ملك مجدّو وملك قادش، وشارك في هذا التحالف ما يقارب من مئة وعشرين مدينة حاولت الخروج من دائرة النفوذ المصري. وعندما دارت المعركة خارت قوى جيوش التحالف، وفرَّت لتحتمي بأسوار المدينة، وحوصرت مجدّو مدة سبعة أشهر، تمكّن الجيش المصري بعدها من تحقيق نصر حاسم أدى إلى إخضاع فلسطين والملوك الكنعانيين للسيطرة المصرية عدة قرون لاحقة.
واستولى تحوتمس على مغانم كثيرة كالخيول والعربات المصنوعة من الذهب والفضة والماشية وعدد كبير من الأسرى ومن الأسلحة والأثاث والتماثيل الثمينة وغيرها.
أما في عصر الحديد الأول فقد بقيت مجـدّو تحت السـيطرة المصـرية، حيث ورد في كتابة على إحدى بوابات معبد الكرنك أن الملك رعمسيـس الثالث (1184-1151ق.م) قد سجن بعض الأمراء السوريين في قلعة مجدّو، كما كانت المدينة إحدى المدن الفلسطينية التي أخضعها «شَيشَنْق الأول» المصري لسلطته في عام 913 ق.م.
منذ القرن التاسع قبل الميلاد وقعت مجدّو في قبضة الملك الآشوري تَغْلات فَلاصَّر (742-732 ق.م)، واحتلها صارغون الآشوري (722- 705 ق.م.)، ثم تحالفت مجدّو وبعض أمراء المدن الفلسطينية مع الفرعون طهراقا (690- 666 ق.م) للإفلات من السيطرة الآشورية، وجرت معركة مجدّو الثانية بين المصريين والآشوريين عام 609 ق.م.، ثم دمرت المدينة على يد الفرعون نَخاو، وهجرها أهلها.
أهم ما عثر عليه من ذلك العصر هو إسطبلات المدينة التي تتسع لأكثر من 450 حصاناً، واكتشفت مجموعة من القطع الفنية العاجية، كما عثر على عدد من تيجان الأعمدة، وبعض أثاث العبادة الدينية من الطين والحجر ونقود يونانية وفارسية، وهذا دليل على بقاء المدينة عامرة بالسكان في هذين العهدين.
تنبع أهمية مجدّو من موقعها الاستراتيجي على الطريق التجاري والعسكري الذي يخترق جبل الكرمل من السهل الساحلي، ويتحكم بمدخل مرج ابن عامر في شمالي فلسطين، ويسيطر على الفتحة الاستراتيجية للممر الذي يربط السهل الساحلي لفلسطين بمرج ابن عامر، ويسيطر على الطريق الآتية من مصر إلى سورية. وهذا الموقع المميز أكسب المدينة مكانة مهمة عبر العصور، حيث كان مسرحاً للعديد من الأحداث الحاسمة في تاريخ المنطقة.
إبراهيم توكلنا
- -
مَجِدّو
تقع مجدّو (تل المتسلم حالياً) في سهل مرج ابن عامر في فلسطين؛ الذي يربط وادي الأردن بجبل الكرمل المتاخم للسهل الساحلي. وهو تل استراتيجي يرتفع نحو 60م، وتبلغ أبعاده 385×230م، ويقع على بعد 30كم جنوب شرقي حيفا.
نقبت في الموقع بعثة ألمانية برئاسة شوماخر G.Schumacher بين عامي 1903 و1905، ثم استأنفت التنقيب بعثة معهد الآثار الشرقية التابع لجامعة شيكاغو برئاسة فيشر O.S.Fisher، ثم تلاه غايGuy وغوردون لود Gordon Loud، واستمر العمل من 1925 إلى 1939.
ازدهرت المدينة في أثناء حضارة «تُلَيلات الغَسُّول» في العصر الحجري النحاسي، فظهرت مساكن مستطيلة مبنية من الحجارة، وسقوفها من القصب والطين، ولها ساحات مسوّرة، حوت مواقد للطبخ وحفراً لتخزين الحبوب، كما عثر على معبد يتألف من ساحة تحيط بها المباني، ومدخلين وبئر ومذبح؛ عثر فيه على عظام حيوانية وكسر فخارية. وقد دفن السكان موتاهم، - ولاسيما الأطفال- في جرار فخارية تحت البيوت، وعملوا في الزراعة وتربية الحيوان، وصنعوا الفخار الرمادي؛ وفخاراً مطبوعاً عليه أشكال حيوانية وزخارف نباتية.
في عصر البرونز القديم أصبحت المساكن أكبر، وبنيت المعابد التي تألفت من قاعة مستطيلة، مدخلها في جدارها الشرقي الطويل، ورفع السقف على دعائم خشبية ترتكز على قواعد حجرية، وكشف عن مدافن جماعية حفرت في الصخر، وحوت عدداً من الغرف الجانبية.
استعمل الفخار على نطاق واسع، وصُدّرت الجرار إلى مصر، وصنعت الأدوات البرونزية، كما عثر على أدوات للزينة وقطع ذهبية مصنعة محلياً وأختام أسطوانية، وظهرت في أواخر ذلك العصر زراعة الحبوب والزيتون واللوز.
في عصر البرونز الوسيط أصبحت مجدّو مدينة محصّنة، بنيت أسوارها بالحجارة واللبن، ودعمت بالأبراج، كما حصنت بواباتها الضخمة بالعضادات الحجرية، وبنيت فيها المساكن الكبيرة والقصور. وظهرت صناعة الحلي والغزل وحياكة الملابس. ازداد في ذلك العصر التدخل المصري في فلسطين، فقد عثر على جَعَارِين باسم الفرعون سنوسرت الأول (1970- 1936ق.م)، كما تذكر وثيقة مصرية توجه سنوسرت الثالث إلى فلسطين للقضاء على تمرّد فيها، وكانت مجدّو من تلك المناطق التي فتحها.
في العصر البرونزي الحديث تطورت مجدّو كثيراً، وبنيت فيها المساكن المنظمة وقصور الأمراء، كقصر الحاكم الذي اكتشف قرب بوابة المدينة، وتألف من قاعة كبيرة أحاط بها عدد من الغرف.
صنع السكان فخاراً مزخرفاً برسومات طيور وأسماك وأشكال هندسية، كما عثر على فخار مستورد من قبرص ومناطق بحر إيجة، وعثر تحت أنقاض أحد القصور على كميات كبيرة من الحلي من الذهب والخرز والحجر اللازوردي والزجاج الملون، وعلى مجموعة من العاجيات .
تعد معركة مجدّو أهم أحداث ذلك العصر، وهي أول تحقيق عسكري في العالم لمعركة خاضتها جيوش مصرية، وجاءت تفاصيلها في حوليات الفرعون المصري تُحوتْمس الثالث، حيث ذكر أنه استطاع عام 1468 ق.م أن يهزم تحالفاً لإمارات سورية وفلسطينية بقيادة ملك مجدّو وملك قادش، وشارك في هذا التحالف ما يقارب من مئة وعشرين مدينة حاولت الخروج من دائرة النفوذ المصري. وعندما دارت المعركة خارت قوى جيوش التحالف، وفرَّت لتحتمي بأسوار المدينة، وحوصرت مجدّو مدة سبعة أشهر، تمكّن الجيش المصري بعدها من تحقيق نصر حاسم أدى إلى إخضاع فلسطين والملوك الكنعانيين للسيطرة المصرية عدة قرون لاحقة.
واستولى تحوتمس على مغانم كثيرة كالخيول والعربات المصنوعة من الذهب والفضة والماشية وعدد كبير من الأسرى ومن الأسلحة والأثاث والتماثيل الثمينة وغيرها.
أما في عصر الحديد الأول فقد بقيت مجـدّو تحت السـيطرة المصـرية، حيث ورد في كتابة على إحدى بوابات معبد الكرنك أن الملك رعمسيـس الثالث (1184-1151ق.م) قد سجن بعض الأمراء السوريين في قلعة مجدّو، كما كانت المدينة إحدى المدن الفلسطينية التي أخضعها «شَيشَنْق الأول» المصري لسلطته في عام 913 ق.م.
منذ القرن التاسع قبل الميلاد وقعت مجدّو في قبضة الملك الآشوري تَغْلات فَلاصَّر (742-732 ق.م)، واحتلها صارغون الآشوري (722- 705 ق.م.)، ثم تحالفت مجدّو وبعض أمراء المدن الفلسطينية مع الفرعون طهراقا (690- 666 ق.م) للإفلات من السيطرة الآشورية، وجرت معركة مجدّو الثانية بين المصريين والآشوريين عام 609 ق.م.، ثم دمرت المدينة على يد الفرعون نَخاو، وهجرها أهلها.
أهم ما عثر عليه من ذلك العصر هو إسطبلات المدينة التي تتسع لأكثر من 450 حصاناً، واكتشفت مجموعة من القطع الفنية العاجية، كما عثر على عدد من تيجان الأعمدة، وبعض أثاث العبادة الدينية من الطين والحجر ونقود يونانية وفارسية، وهذا دليل على بقاء المدينة عامرة بالسكان في هذين العهدين.
تنبع أهمية مجدّو من موقعها الاستراتيجي على الطريق التجاري والعسكري الذي يخترق جبل الكرمل من السهل الساحلي، ويتحكم بمدخل مرج ابن عامر في شمالي فلسطين، ويسيطر على الفتحة الاستراتيجية للممر الذي يربط السهل الساحلي لفلسطين بمرج ابن عامر، ويسيطر على الطريق الآتية من مصر إلى سورية. وهذا الموقع المميز أكسب المدينة مكانة مهمة عبر العصور، حيث كان مسرحاً للعديد من الأحداث الحاسمة في تاريخ المنطقة.
إبراهيم توكلنا