لاادريه Agnosticism - Agnosticisme
اللاأدرية
اللاأدرية Agnosticism هي مجموعة من المذاهب والنظريات والتصورات التي تلتقي حول فكرة واحدة أنها تنكر كلياً أو جزئياً إمكان معرفة العالم، وتجتمع في محاولة للحد من العلم ورفض التفكير المنطقي وشد الانتباه بعيداً عن إدراك القوانين الموضوعية للطبيعة، وخاصة قوانين المجتمع الإنساني. ومع أن تاريخ اللاأدرية بهذا المعنى يرتبط بالشكية [ر]، ومن ثم تصبح اللاأدرية مذهباً قديماًً، إلا أن العالم الإنكليزي توماس هكسلي Thomas Huxley (1825- 1895) كان أول من صاغ اصطلاحها على إنكار معرفة المطلق. ولم يستخدم المصطلح استخداماً واسعاً كما استخدم في فلسفة القرن التاسع عشر. فكل فيلسوف ينكر المعرفة، أو يؤمن بوجود حقائق لا سبيل إلى معرفتها فهو لاأدري؛ لأن الفيلسوف اللاأدري عامة يقف موقفاً وسطاً بين نزعة الشك المطلق ونزعة القطع الجازم، لأنه لا ينكر مواقف الآخرين إنكاراً تاماً، كما أنه لا يصر على مواقفه إصراراً عنيداً، إنما يعلق الحكم من دون إثبات أو إنكار ويقول «لا أدري».
يجب التمييز بين نوعين من اللاأدرية، نوع يقول إنه لا معيار يمكن أن يصل بالإنسان إلى معرفة الحقيقة، أي إنه لا يمكن الجزم أن هناك معياراً يكون هو المعيار الصحيح الذي يجب الأخذ به، والنوع الآخر يقول إنه لا معيار صحيح للحقيقة. والفرق بين هذين النوعين من اللاأدرية يكمن في أن الأول يقوم على افتراض وجود حقيقة، ولكن ليس بوسع الإنسان أن يعرفها، والثاني يقول إنه لا توجد حقيقة على الإطلاق، وبالتالي فإن المعرفة مستحيلة منطقياً. وقد تكون المسألتان متشابهتين، ولا تعارض كلياً بين القول أنه قد لا يوجد معيار صحيح للمعرفة، والقول أنه لا يوجد معيار صحيح للمعرفة على الإطلاق.
إن النظريات التي تحتضن الموقف اللاأدري متعددة، وقد ظهرت اللاأدرية في صورة الشكية في الفلسفة اليونانية، خاصة عند بيرون (365 - 275ق.م) Pyrrhon الذي يرى أن الإنسان لا يستطيع أن يعرف أي شيء عن الأشياء، ومن ثم فمن الأفضل أن يتوقف عن الحكم عليها. ويرى أرقاسيلاوس (315 - 241ق.م) Arcesilaus أنه ليس هناك علاقة يمكن تميزها بين الإدراكات الصحيحة أو الباطلة، أما قارنيدس القوريني (213 - 128ق.م) Carneades of Cyrene فقد طور الهجوم على القطعية، وأنهى قول الرواقية [ر] إن الانطباعات الحسية أمر بديهي وعلينا قبوله، ورأى أن المعرفة الصادقة مستحيلة، وجميع أنواع المعارف ليست أكثر من تأكيد احتمالي. وقد جاءت اللاأدرية في الفلسفة اليونانية نتيجة للسخط على الفوضى العقلية الناتجة من الصراع بين المذاهب القطعية، واكتسبت شكلها التقليدي عند هيوم [ر] (1711 - 1776) Hume David وكَانْت [ر] (1724 - 1804)Kant . وقد حدد كاَنْت قدرات الإنسان المعرفية وأكد أن معرفة الأشياء في ذاتها غير متاحة من حيث المبدأ، والمعرفة ممكنة فقط بالظاهر أي بالطريقة التي تتكشف بها الأشياء في خبرتنا، والمعرفة النظرية متاحة فقط في الرياضيات والعلم الطبيعي. أما هيوم فرأى أن المعرفة لا تكمن في فهم الوجود بل في قدرتها على أن تكون دليلاً للحياة العملية، والموضوع الوحيد الصالح للمعرفة هو الرياضيات، أما جميع الموضوعات الأخرى فإنها تتعلق بوقائع لا يمكن البرهنة عليها منطقياً، وليست الوقائع سوى مجرى من الانطباعات أسبابها مجهولة وغير قابلة للمعرفة، أما مشكلة وجود العالم الموضوعي أو عدم وجوده فإنها مشكلة مستعصية على الحل، والشيء الوحيد والضروري فهمه هو أن مصدر اليقين ليس المعرفة بل الإيمان.
وعموماً فإن الموقف اللاأدري يرتبط بالضرورة بأي نظرية تقول بعدم إمكان تسويغ الأحكام الموضوعية ولا توجد أحكام صحيحة، وإن وجدت فلا يمكنها أن تكون سديدة، ولا يمكن البرهنة على المبادئ التي يُنطلق منها لمعرفة العالم الموضوعي، ولا يوجد أساس علمي للمعرفة الموضوعية، وليست المعرفة في نهاية الأمر سوى مسألة ذوق أو شعور أو عرف، ومن الواضح أن هذه الأنماط المختلفة من اللاأدرية ليست جميعها من نمط واحد.
عصام عبود
اللاأدرية
اللاأدرية Agnosticism هي مجموعة من المذاهب والنظريات والتصورات التي تلتقي حول فكرة واحدة أنها تنكر كلياً أو جزئياً إمكان معرفة العالم، وتجتمع في محاولة للحد من العلم ورفض التفكير المنطقي وشد الانتباه بعيداً عن إدراك القوانين الموضوعية للطبيعة، وخاصة قوانين المجتمع الإنساني. ومع أن تاريخ اللاأدرية بهذا المعنى يرتبط بالشكية [ر]، ومن ثم تصبح اللاأدرية مذهباً قديماًً، إلا أن العالم الإنكليزي توماس هكسلي Thomas Huxley (1825- 1895) كان أول من صاغ اصطلاحها على إنكار معرفة المطلق. ولم يستخدم المصطلح استخداماً واسعاً كما استخدم في فلسفة القرن التاسع عشر. فكل فيلسوف ينكر المعرفة، أو يؤمن بوجود حقائق لا سبيل إلى معرفتها فهو لاأدري؛ لأن الفيلسوف اللاأدري عامة يقف موقفاً وسطاً بين نزعة الشك المطلق ونزعة القطع الجازم، لأنه لا ينكر مواقف الآخرين إنكاراً تاماً، كما أنه لا يصر على مواقفه إصراراً عنيداً، إنما يعلق الحكم من دون إثبات أو إنكار ويقول «لا أدري».
يجب التمييز بين نوعين من اللاأدرية، نوع يقول إنه لا معيار يمكن أن يصل بالإنسان إلى معرفة الحقيقة، أي إنه لا يمكن الجزم أن هناك معياراً يكون هو المعيار الصحيح الذي يجب الأخذ به، والنوع الآخر يقول إنه لا معيار صحيح للحقيقة. والفرق بين هذين النوعين من اللاأدرية يكمن في أن الأول يقوم على افتراض وجود حقيقة، ولكن ليس بوسع الإنسان أن يعرفها، والثاني يقول إنه لا توجد حقيقة على الإطلاق، وبالتالي فإن المعرفة مستحيلة منطقياً. وقد تكون المسألتان متشابهتين، ولا تعارض كلياً بين القول أنه قد لا يوجد معيار صحيح للمعرفة، والقول أنه لا يوجد معيار صحيح للمعرفة على الإطلاق.
إن النظريات التي تحتضن الموقف اللاأدري متعددة، وقد ظهرت اللاأدرية في صورة الشكية في الفلسفة اليونانية، خاصة عند بيرون (365 - 275ق.م) Pyrrhon الذي يرى أن الإنسان لا يستطيع أن يعرف أي شيء عن الأشياء، ومن ثم فمن الأفضل أن يتوقف عن الحكم عليها. ويرى أرقاسيلاوس (315 - 241ق.م) Arcesilaus أنه ليس هناك علاقة يمكن تميزها بين الإدراكات الصحيحة أو الباطلة، أما قارنيدس القوريني (213 - 128ق.م) Carneades of Cyrene فقد طور الهجوم على القطعية، وأنهى قول الرواقية [ر] إن الانطباعات الحسية أمر بديهي وعلينا قبوله، ورأى أن المعرفة الصادقة مستحيلة، وجميع أنواع المعارف ليست أكثر من تأكيد احتمالي. وقد جاءت اللاأدرية في الفلسفة اليونانية نتيجة للسخط على الفوضى العقلية الناتجة من الصراع بين المذاهب القطعية، واكتسبت شكلها التقليدي عند هيوم [ر] (1711 - 1776) Hume David وكَانْت [ر] (1724 - 1804)Kant . وقد حدد كاَنْت قدرات الإنسان المعرفية وأكد أن معرفة الأشياء في ذاتها غير متاحة من حيث المبدأ، والمعرفة ممكنة فقط بالظاهر أي بالطريقة التي تتكشف بها الأشياء في خبرتنا، والمعرفة النظرية متاحة فقط في الرياضيات والعلم الطبيعي. أما هيوم فرأى أن المعرفة لا تكمن في فهم الوجود بل في قدرتها على أن تكون دليلاً للحياة العملية، والموضوع الوحيد الصالح للمعرفة هو الرياضيات، أما جميع الموضوعات الأخرى فإنها تتعلق بوقائع لا يمكن البرهنة عليها منطقياً، وليست الوقائع سوى مجرى من الانطباعات أسبابها مجهولة وغير قابلة للمعرفة، أما مشكلة وجود العالم الموضوعي أو عدم وجوده فإنها مشكلة مستعصية على الحل، والشيء الوحيد والضروري فهمه هو أن مصدر اليقين ليس المعرفة بل الإيمان.
وعموماً فإن الموقف اللاأدري يرتبط بالضرورة بأي نظرية تقول بعدم إمكان تسويغ الأحكام الموضوعية ولا توجد أحكام صحيحة، وإن وجدت فلا يمكنها أن تكون سديدة، ولا يمكن البرهنة على المبادئ التي يُنطلق منها لمعرفة العالم الموضوعي، ولا يوجد أساس علمي للمعرفة الموضوعية، وليست المعرفة في نهاية الأمر سوى مسألة ذوق أو شعور أو عرف، ومن الواضح أن هذه الأنماط المختلفة من اللاأدرية ليست جميعها من نمط واحد.
عصام عبود