جهاد أبو هاشم
"هذه سفيرتنا إلى النجوم".. هكذا كان يهتف الشاعر الراحل سعيد عقل متحدثاً عن أسطورة الفن التي غنت للحب والمحبة والفراق، وغنت للقرية والمدينة والأرض والوطن.. للأمومة والطفولة، غنت لبنان والسلام، مثلما غنت القدس ومكة والإسكندرية وبغداد ودمشق وعمّان وقائمة تطول من المدن العربية.
في مجلد صادر أخيراً بعنوان "وطن اسمه فيروز"، تكرّم مؤسسة الفكر العربي فيروز في عيدها الثامن والثمانين، إذ يكتب 37 مثقفاً عربياً عن قوة لبنان الناعمة، ويتحدث كل منهم عن فيروز من زاوية اختصاصه ومنظوره الخاص، ويورد "النهار العربي" قصصاً من الكتاب وردت بأقلام نقاد ومثقفين، تناولوا قصصاً، منها ما قد يعرفه القارئ للمرة الأولى، عن بدايات "جارة القمر"، وتعرّفها إلى الأخوين الرحباني، وصداقتها بأم كلثوم، واختيارها اسم فيروز.
الصبية الخجولة
ذات مرة، قال نزار قباني عن فيروز "قصيدتي بصوتها اكتست حلة أخرى من الشعر".
عن تعرفها إلى زوجها عاصي الرحباني، يروي الشاعر اللبناني هنري زغيب: "الصبية الخجولة التي سمعها حليم الرومي ذات يوم في الإذاعة اللبنانية واستدعاها إلى مكتبه، وكان فيه شاب ناحل ساهم العينين، ليقول لها: يا بنتي، أعرفك بالعازف والملحن عاصي الرحباني، تدربي معه وسيعطيك من ألحانه"، ليتزوجا في 23 يناير 1955".
ويستذكر أن لا حصر للأغاني الأولى التي أدتها فيروز إبان سنواتها الباكرة في الإذاعة اللبنانية من ألحان حليم الرومي وجورج فرح وجورج ضاهر وسواهم، سوى أن الأغنية التي أطلقت شهرتها هي "عتاب" التي صدرت من الإذاعة اللبنانية عام 1951، لكن انتشارها الأوسع كان بصدورها مسجلة من إذاعة دمشق عام 1952.
المترجم والباحث اللبناني حسين جواد قبيسي نقل في مقالته "فيروز من صوتها نأكل اللوز والسكر"، قصة نادرة عن كتاب "فيروز جارة القمر" قد تستأثر بانتباه القارئ، وهي أن الأخوين رحباني تعرفا إلى صباح قبل فيروز، لكنهما لم يجدا فيها ما وجدوه في فيروز: صوتها الوديع والصداح في آن معاً، ونبرة الحنان والرقة والدفء التي تسكنه.
صداقة فيروز وأم كلثوم
يلتقط الكاتب والباحث المصري في الموسيقى العربية كريم جمال بعض التصريحات لفيروز (نهاد حداد) من حوارها مع مجلة "الموعد" عام 1980، وتناولت فيها علاقتها بأم كلثوم، قالت فيها: "هناك صداقة طيبة بيني وبين المطربة الكبيرة أم كلثوم، التقينا للمرة الأولى عندما غنت في بعلبك، ثم عندما زرت مصر، وكان لها خارج صوتها العظيم حضور أخاذ، لعله لا يقل قدرة عن صوتها في حبها والإعجاب بها".
وقالت: "كل أغاني السيدة أم كلثوم جميلة، وتتميز بمقاطع تبلغ حداً رائعاً من جمال الأداء، ولكن ذلك لا يعني أن ما يناسب أم كلثوم يناسبني أو أن ما يناسبني يناسبها، هناك اختلاف في النظرة إلى الفن من حيث ما هو لحن وكلام وزمن، أقول هذا وأعني الأغنية، لذا فإن حبي لأغاني أم كلثوم هو حب المستمع المعجب، لا حب المستمع الذي يتمنى أن يكون له ما لها".
وفي مقالة للدكتورة رفيف رضا صيداوي من مؤسسة الفكر العربي بعنوان "فيروز مطربة الماضي والحاضر والمستقبل"، ذكرت قصة تغييب الموسيقار محمد عبد الوهاب اسم فيروز أثناء تعداده الأصوات العربية الخارقة، في لقاء إذاعي معه في سبعينات القرن المنصرم، حينها سأله مقدم البرنامج مستغرباً: وماذا عن فيروز؟ فرد عبد الوهاب بلهجته المصرية المميزة "يا ابني احنا بنتكلم عن اللي في الأرض، مش علي اللي في السما، ده صوت ملائكي مش صوت بشر عاديين".
طفلة لم تعرف خلالها اللعب
يذكر الكاتب والناقد اللبناني هاشم قاسم تفاصيل عن بداياتها وعملها، فقد ولدت في منزل صغير من منازل بيروت العتيقة، وهناك أمضت طفولتها وصباها، وتمثلت صلابتها منذ البداية بطفولتها الصعبة، فهي لم تعرف خلالها اللعب، ولم تحتضن دمية ولم تتذوق حلوى، وعندما عملت في بدايتها في الإذاعة اللبنانية وقبضت مئة ليرة لبنانية بدل راتبها الشهري، هرعت إلى السوق وعادت بأكياس محملة من كل صنف ولون، كما لو كانت تريد التعويض عن الحرمان الذي عاشته.
وفي الكتاب الذي يقع في نحو 350 صفحة، يذكر قاسم عنها قولها "لم يكن في بيتنا سجادة، كان هناك حصير، لكن ذلك لم يحز في نفسي، وما زلت أحن للحصر".
وتناول الكاتب والناشر اللبناني سليمان بختي بيتها القديم المتواضع في محلة زقاق البلاط في بيروت، ولا تزال معالمه قائمة، بانتظار العمل لتحويله إلى متحف تكريماً لها وتخليداً لذكراها.
ويروي أن حليم الرومي خيّرها بين اسمين فنيين: شهرزاد أو فيروز، فاختارت الاسم الأخير لوجود مطربة في مصر تحمل اسم شهرزاد.
هل ندمت؟
للروائية الجزائرية أحلام مستغانمي قول شهير عن فيروز "فيروز المطربة التي لم ترتدِ منذ نصف قرن سوى صوتها، وكلما صمتت تركتنا للبرد، كأنها تغني لتكسونا، بينما يعني الآخرون ليكتسوا بمالنا".
هل ندمت فيروز على أغنية ما؟ يقول الكاتب والإعلامي اللبناني نبيه البرجي إنه قرأ ذات يوم أنها خائفة من أن تكون بعض الأغاني التي أدتها هي التي ندمت!
ويضيف البرجي "رجاءً، لا تدقوا على بابها، اتركوا فيروز لفيروز، هكذا فهمنا كصحافيين"، ويذكر التاريخ أنها أدت أكثر من 1500 أغنية، لكن إطلالاتها الإعلامية قليلة، مع رفضها التام الحديث في السياسة، رغم حرصها الدائم على تقديم الأغاني الوطنية.
"هذه سفيرتنا إلى النجوم".. هكذا كان يهتف الشاعر الراحل سعيد عقل متحدثاً عن أسطورة الفن التي غنت للحب والمحبة والفراق، وغنت للقرية والمدينة والأرض والوطن.. للأمومة والطفولة، غنت لبنان والسلام، مثلما غنت القدس ومكة والإسكندرية وبغداد ودمشق وعمّان وقائمة تطول من المدن العربية.
في مجلد صادر أخيراً بعنوان "وطن اسمه فيروز"، تكرّم مؤسسة الفكر العربي فيروز في عيدها الثامن والثمانين، إذ يكتب 37 مثقفاً عربياً عن قوة لبنان الناعمة، ويتحدث كل منهم عن فيروز من زاوية اختصاصه ومنظوره الخاص، ويورد "النهار العربي" قصصاً من الكتاب وردت بأقلام نقاد ومثقفين، تناولوا قصصاً، منها ما قد يعرفه القارئ للمرة الأولى، عن بدايات "جارة القمر"، وتعرّفها إلى الأخوين الرحباني، وصداقتها بأم كلثوم، واختيارها اسم فيروز.
الصبية الخجولة
ذات مرة، قال نزار قباني عن فيروز "قصيدتي بصوتها اكتست حلة أخرى من الشعر".
عن تعرفها إلى زوجها عاصي الرحباني، يروي الشاعر اللبناني هنري زغيب: "الصبية الخجولة التي سمعها حليم الرومي ذات يوم في الإذاعة اللبنانية واستدعاها إلى مكتبه، وكان فيه شاب ناحل ساهم العينين، ليقول لها: يا بنتي، أعرفك بالعازف والملحن عاصي الرحباني، تدربي معه وسيعطيك من ألحانه"، ليتزوجا في 23 يناير 1955".
ويستذكر أن لا حصر للأغاني الأولى التي أدتها فيروز إبان سنواتها الباكرة في الإذاعة اللبنانية من ألحان حليم الرومي وجورج فرح وجورج ضاهر وسواهم، سوى أن الأغنية التي أطلقت شهرتها هي "عتاب" التي صدرت من الإذاعة اللبنانية عام 1951، لكن انتشارها الأوسع كان بصدورها مسجلة من إذاعة دمشق عام 1952.
المترجم والباحث اللبناني حسين جواد قبيسي نقل في مقالته "فيروز من صوتها نأكل اللوز والسكر"، قصة نادرة عن كتاب "فيروز جارة القمر" قد تستأثر بانتباه القارئ، وهي أن الأخوين رحباني تعرفا إلى صباح قبل فيروز، لكنهما لم يجدا فيها ما وجدوه في فيروز: صوتها الوديع والصداح في آن معاً، ونبرة الحنان والرقة والدفء التي تسكنه.
صداقة فيروز وأم كلثوم
يلتقط الكاتب والباحث المصري في الموسيقى العربية كريم جمال بعض التصريحات لفيروز (نهاد حداد) من حوارها مع مجلة "الموعد" عام 1980، وتناولت فيها علاقتها بأم كلثوم، قالت فيها: "هناك صداقة طيبة بيني وبين المطربة الكبيرة أم كلثوم، التقينا للمرة الأولى عندما غنت في بعلبك، ثم عندما زرت مصر، وكان لها خارج صوتها العظيم حضور أخاذ، لعله لا يقل قدرة عن صوتها في حبها والإعجاب بها".
وقالت: "كل أغاني السيدة أم كلثوم جميلة، وتتميز بمقاطع تبلغ حداً رائعاً من جمال الأداء، ولكن ذلك لا يعني أن ما يناسب أم كلثوم يناسبني أو أن ما يناسبني يناسبها، هناك اختلاف في النظرة إلى الفن من حيث ما هو لحن وكلام وزمن، أقول هذا وأعني الأغنية، لذا فإن حبي لأغاني أم كلثوم هو حب المستمع المعجب، لا حب المستمع الذي يتمنى أن يكون له ما لها".
وفي مقالة للدكتورة رفيف رضا صيداوي من مؤسسة الفكر العربي بعنوان "فيروز مطربة الماضي والحاضر والمستقبل"، ذكرت قصة تغييب الموسيقار محمد عبد الوهاب اسم فيروز أثناء تعداده الأصوات العربية الخارقة، في لقاء إذاعي معه في سبعينات القرن المنصرم، حينها سأله مقدم البرنامج مستغرباً: وماذا عن فيروز؟ فرد عبد الوهاب بلهجته المصرية المميزة "يا ابني احنا بنتكلم عن اللي في الأرض، مش علي اللي في السما، ده صوت ملائكي مش صوت بشر عاديين".
طفلة لم تعرف خلالها اللعب
يذكر الكاتب والناقد اللبناني هاشم قاسم تفاصيل عن بداياتها وعملها، فقد ولدت في منزل صغير من منازل بيروت العتيقة، وهناك أمضت طفولتها وصباها، وتمثلت صلابتها منذ البداية بطفولتها الصعبة، فهي لم تعرف خلالها اللعب، ولم تحتضن دمية ولم تتذوق حلوى، وعندما عملت في بدايتها في الإذاعة اللبنانية وقبضت مئة ليرة لبنانية بدل راتبها الشهري، هرعت إلى السوق وعادت بأكياس محملة من كل صنف ولون، كما لو كانت تريد التعويض عن الحرمان الذي عاشته.
وفي الكتاب الذي يقع في نحو 350 صفحة، يذكر قاسم عنها قولها "لم يكن في بيتنا سجادة، كان هناك حصير، لكن ذلك لم يحز في نفسي، وما زلت أحن للحصر".
وتناول الكاتب والناشر اللبناني سليمان بختي بيتها القديم المتواضع في محلة زقاق البلاط في بيروت، ولا تزال معالمه قائمة، بانتظار العمل لتحويله إلى متحف تكريماً لها وتخليداً لذكراها.
ويروي أن حليم الرومي خيّرها بين اسمين فنيين: شهرزاد أو فيروز، فاختارت الاسم الأخير لوجود مطربة في مصر تحمل اسم شهرزاد.
هل ندمت؟
للروائية الجزائرية أحلام مستغانمي قول شهير عن فيروز "فيروز المطربة التي لم ترتدِ منذ نصف قرن سوى صوتها، وكلما صمتت تركتنا للبرد، كأنها تغني لتكسونا، بينما يعني الآخرون ليكتسوا بمالنا".
هل ندمت فيروز على أغنية ما؟ يقول الكاتب والإعلامي اللبناني نبيه البرجي إنه قرأ ذات يوم أنها خائفة من أن تكون بعض الأغاني التي أدتها هي التي ندمت!
ويضيف البرجي "رجاءً، لا تدقوا على بابها، اتركوا فيروز لفيروز، هكذا فهمنا كصحافيين"، ويذكر التاريخ أنها أدت أكثر من 1500 أغنية، لكن إطلالاتها الإعلامية قليلة، مع رفضها التام الحديث في السياسة، رغم حرصها الدائم على تقديم الأغاني الوطنية.