لاميه عجم -
لامية العجم
قصيدة مشهورة للشاعر الوزير الحسين بن علي بن عبد الصمد الأصفهاني الطغرائي (ت 515هـ/1121م). تناقلها الرواة واعتنى بها أهل الأدب، وسميت لامية العجم تشبيهاً لها بلامية العرب للشنفرى التي بدأها بقوله:
أقيموا بني أُمّي صُدورَ مطيكم
فإنّـي إلى قومٍ سـواكـم لأَميـلُ
لأنها تضاهيها في حكمها وأمثالها، وتماثلها في التعبير عن حال صاحبها، وتبيّن نظرته إلى الحياة والمجتمع، وتطلّعه إلى وضع أفضل، تسوده مكارم الأخلاق، ويكون التقدير الاجتماعي فيه وفق المروءة والفضل، لا المال والنسب. نظّم الطغرائي لاميته سنة 505هـ في بغداد، وكان آنذاك يعاني عسراً مالياً وضيقاً نفسياً، فوضع فيها خلاصة تجاربه في الحياة بعد أن تقلّب في أعمال كثيرة وتقلّد الوزارة غير مرة، وتعرّض لمكائد كثيرة ومضايقات مستمرة، لذلك دارت القصيدة حول ذاته، وعبرت عن آلامه وطموحاته والمثل الأعلى الذي يتطلع إليه برنّة يائسة من أن ينصفه زمانه.
بدأ الطغرائي لاميته بالحديث عن نفسه وشكوى الدهر، وثنّى بالغزل، ثم عاد إلى شكوى حاله وأهل زمانه، بعد ذلك سرد طائفة من الحكم التي أصبح بعضها أمثالاً مضروبة، ومطلع اللامية.
أصالة الرأي صانتني عن الخطل
وحلية الفضل زانتني لدى العطل
والغزل في القصيدة نسيب ملفّق من معاني القدماء وصورهم، نحا فيه منحى التقليد والبداوة، ليعطي لقصيدته الجزالة والفخامة والأصالة التي ترفعها عند أهل الأدب.
ومنه قوله:
تنام عيني وعين البخم ســاهرة
وتستحيل وصبغ الليـل لم يـحل
إني أريد طروق الحي من إضم
وقد حماه رمـاة من بنـي ثعـل
فالحب حيث العدا والأسد رابضة
حول الكناس لها غاب من الأسل
لا أكره الطعنة النجلاء قد شفعـت
برشقة من نبـال الأعيـن النجل
أما الشكوى فتظهر شعوره بالاغتراب والغبن، ومعاناته من الفقر وسوء حظه ومعاندة الدهر له، لتقدم من يراهم أدنى منه عليه، ولكن أموره لم تسر كما يشتهي، ولم يبق في المكانة التي وصل إليها.
وهذا يظهر في قوله:
حب السـلامة يثني همّ صاحبـه
عن المعالي ويغري المرء بالكسل
أعلل النفس بالآمـال أرقبها مـا
أضيق العيش لولا فسحة الأمـل
مـا كنت أوثر أن يمتد بي زمني
حتى أرى دولة الأوغـاد والسفل
تقدمتني أنـاس كان شوطــهم
وراء خطوي إذ أمشي على مهل
غاض الوفاء وفاض الغدر وانفرجت
مسافة الخلف بين القول والعمل
وتبدو حِكمه مستوحاة من ثقافته الكبيرة ومن تجاربه الذاتية، وهي نظرات تأملية في الحياة، حمّلها دعوة إلى ترك الخمول وإلى المخاطرة لتحقيق الغايات وللعيش بعزة وكرامة. ولذلك تُعدّ القصيدة نقداً لأحوال الناس في أيامه، كما في الأبيات السابقة، وكما يتضح من قوله:
أعدى عدوك أدنى من وثقت به
فحاذر الناس واصحبهم على دخل
وإنما رجل الدنيا وواحدهـا
من لا يعول في الدنيا على رجل
وحسن ظنك بالأيام معجـزة
فظن شراً وكن منها على وجـل
جمع الطغرائي في أسلوب لاميته بين المكونات التراثية والصنعة البديعية، وأجاد هذا الجمع، فبدا أسلوبه متيناً مستساغاً، ولم يصل به إلى إغراب القدماء، ولا إلى تكلّف أهل الصنعة. وجعل التشبيه وسيلة تعبيرية أعطت معانيه الشاعرية المطلوبة، ووفر لقصيدته إيقاعاً ظاهراً بكثرة التقسيم والموازنة داخل الأبيات.
احتفل أهل الأدب بلامية العجم أيما احتفال، فعارضوها وشطّروها وخمّسوها وشرحوها شروحاً كثيرة، أدبية ولغوية بالعربية والتركية. وممن شطرها نور الدين بن فرحون اليعمري، وجاء في تشطيره قوله:
مجدي أخيراً ومجدي أوَّلاً شرع
وسـؤددي ذاع فـي حـل ومـرتحـل
وهمتي في الغنى والفقر واحدة
والشمس رأد الضحى كالشمس في الطَفَلِ
(الطَفَلِ: الغروب).
ولصفي الدين الحلي تشطير لطيف ربط فيه عشرين شطراً من اللامية بعشرين شطراً من ميمية المتنبي المشهورة، ومنه قوله:
إن العـلا حدثتني وهي صادقة
إن المعـارف في أهـل النهـى ذمم
أهبت بالحظ لو ناديـت مستمعاً
وأسـمعت كلمـاتي من بـه صمـم
وقد طبعت القصيدة مستقلة وضمن مجموعات غير مرة، وطبع بعض شروحها، ووردت في ديوان الطغرائي وفي كتب الأدب الجامعة.
محمود سالم محمد
الموضوعات ذات الصلة:
الطغرائي (الحسين بن علي -).
مراجع للاستزادة:
ـ عبد المعين ملوحي، اللاميتان: لامية العرب ولامية العجم بشرح الزمخشري والصفدي (وزارة الثقافة، دمشق1960م)
ـ ياقوت الحموي، معجم الأدباء، تحقيق عمر الطباع (مؤسسة المعارف، بيروت 1999م).
ـ الصفدي، الغيث المسجم بشرح لامية العجم (دار الكتب العلمية، بيروت 1990م).
ـ علي جواد الطاهر، الطغرائي، حياته، شعره، لاميته (مكتبة النهضة، بغداد1963م).
لامية العجم
قصيدة مشهورة للشاعر الوزير الحسين بن علي بن عبد الصمد الأصفهاني الطغرائي (ت 515هـ/1121م). تناقلها الرواة واعتنى بها أهل الأدب، وسميت لامية العجم تشبيهاً لها بلامية العرب للشنفرى التي بدأها بقوله:
أقيموا بني أُمّي صُدورَ مطيكم
فإنّـي إلى قومٍ سـواكـم لأَميـلُ
لأنها تضاهيها في حكمها وأمثالها، وتماثلها في التعبير عن حال صاحبها، وتبيّن نظرته إلى الحياة والمجتمع، وتطلّعه إلى وضع أفضل، تسوده مكارم الأخلاق، ويكون التقدير الاجتماعي فيه وفق المروءة والفضل، لا المال والنسب. نظّم الطغرائي لاميته سنة 505هـ في بغداد، وكان آنذاك يعاني عسراً مالياً وضيقاً نفسياً، فوضع فيها خلاصة تجاربه في الحياة بعد أن تقلّب في أعمال كثيرة وتقلّد الوزارة غير مرة، وتعرّض لمكائد كثيرة ومضايقات مستمرة، لذلك دارت القصيدة حول ذاته، وعبرت عن آلامه وطموحاته والمثل الأعلى الذي يتطلع إليه برنّة يائسة من أن ينصفه زمانه.
بدأ الطغرائي لاميته بالحديث عن نفسه وشكوى الدهر، وثنّى بالغزل، ثم عاد إلى شكوى حاله وأهل زمانه، بعد ذلك سرد طائفة من الحكم التي أصبح بعضها أمثالاً مضروبة، ومطلع اللامية.
أصالة الرأي صانتني عن الخطل
وحلية الفضل زانتني لدى العطل
والغزل في القصيدة نسيب ملفّق من معاني القدماء وصورهم، نحا فيه منحى التقليد والبداوة، ليعطي لقصيدته الجزالة والفخامة والأصالة التي ترفعها عند أهل الأدب.
ومنه قوله:
تنام عيني وعين البخم ســاهرة
وتستحيل وصبغ الليـل لم يـحل
إني أريد طروق الحي من إضم
وقد حماه رمـاة من بنـي ثعـل
فالحب حيث العدا والأسد رابضة
حول الكناس لها غاب من الأسل
لا أكره الطعنة النجلاء قد شفعـت
برشقة من نبـال الأعيـن النجل
أما الشكوى فتظهر شعوره بالاغتراب والغبن، ومعاناته من الفقر وسوء حظه ومعاندة الدهر له، لتقدم من يراهم أدنى منه عليه، ولكن أموره لم تسر كما يشتهي، ولم يبق في المكانة التي وصل إليها.
وهذا يظهر في قوله:
حب السـلامة يثني همّ صاحبـه
عن المعالي ويغري المرء بالكسل
أعلل النفس بالآمـال أرقبها مـا
أضيق العيش لولا فسحة الأمـل
مـا كنت أوثر أن يمتد بي زمني
حتى أرى دولة الأوغـاد والسفل
تقدمتني أنـاس كان شوطــهم
وراء خطوي إذ أمشي على مهل
غاض الوفاء وفاض الغدر وانفرجت
مسافة الخلف بين القول والعمل
وتبدو حِكمه مستوحاة من ثقافته الكبيرة ومن تجاربه الذاتية، وهي نظرات تأملية في الحياة، حمّلها دعوة إلى ترك الخمول وإلى المخاطرة لتحقيق الغايات وللعيش بعزة وكرامة. ولذلك تُعدّ القصيدة نقداً لأحوال الناس في أيامه، كما في الأبيات السابقة، وكما يتضح من قوله:
أعدى عدوك أدنى من وثقت به
فحاذر الناس واصحبهم على دخل
وإنما رجل الدنيا وواحدهـا
من لا يعول في الدنيا على رجل
وحسن ظنك بالأيام معجـزة
فظن شراً وكن منها على وجـل
جمع الطغرائي في أسلوب لاميته بين المكونات التراثية والصنعة البديعية، وأجاد هذا الجمع، فبدا أسلوبه متيناً مستساغاً، ولم يصل به إلى إغراب القدماء، ولا إلى تكلّف أهل الصنعة. وجعل التشبيه وسيلة تعبيرية أعطت معانيه الشاعرية المطلوبة، ووفر لقصيدته إيقاعاً ظاهراً بكثرة التقسيم والموازنة داخل الأبيات.
احتفل أهل الأدب بلامية العجم أيما احتفال، فعارضوها وشطّروها وخمّسوها وشرحوها شروحاً كثيرة، أدبية ولغوية بالعربية والتركية. وممن شطرها نور الدين بن فرحون اليعمري، وجاء في تشطيره قوله:
مجدي أخيراً ومجدي أوَّلاً شرع
وسـؤددي ذاع فـي حـل ومـرتحـل
وهمتي في الغنى والفقر واحدة
والشمس رأد الضحى كالشمس في الطَفَلِ
(الطَفَلِ: الغروب).
ولصفي الدين الحلي تشطير لطيف ربط فيه عشرين شطراً من اللامية بعشرين شطراً من ميمية المتنبي المشهورة، ومنه قوله:
إن العـلا حدثتني وهي صادقة
إن المعـارف في أهـل النهـى ذمم
أهبت بالحظ لو ناديـت مستمعاً
وأسـمعت كلمـاتي من بـه صمـم
وقد طبعت القصيدة مستقلة وضمن مجموعات غير مرة، وطبع بعض شروحها، ووردت في ديوان الطغرائي وفي كتب الأدب الجامعة.
محمود سالم محمد
الموضوعات ذات الصلة:
الطغرائي (الحسين بن علي -).
مراجع للاستزادة:
ـ عبد المعين ملوحي، اللاميتان: لامية العرب ولامية العجم بشرح الزمخشري والصفدي (وزارة الثقافة، دمشق1960م)
ـ ياقوت الحموي، معجم الأدباء، تحقيق عمر الطباع (مؤسسة المعارف، بيروت 1999م).
ـ الصفدي، الغيث المسجم بشرح لامية العجم (دار الكتب العلمية، بيروت 1990م).
ـ علي جواد الطاهر، الطغرائي، حياته، شعره، لاميته (مكتبة النهضة، بغداد1963م).